افريقيا برس – الجزائر. تحركت السلطات الجزائرية على اختلاف مستوياتها بشكل مكثف، في الساعات الأخيرة، لكبح تطور انتشار وباء كورونا المتسارع بشكل غير مسبوق، بعد أن قفزت الإصابات في ظرف يومين من 400 إصابة إلى ما يقارب 700 إصابة.
وتجنّدت كل الوزارات لمجابهة الأوضاع الصّحية الاستثنائية التي تمر بها الجزائر من خلال إصدار قرارات هامة وقاسية، كما وصفها الوزير الأول عبد العزيز جراد، تعيد تدابير الوقاية من الفيروس إلى سكتها ومجراها الأصلي، بعد أن حادت عنها جراء تهاون وإهمال المواطنين وتقاعس الجهات المعنية بمتابعة مدى تطبيق البروتوكولات الصحية ومعاقبة المخالفين لها.
وتحدّث وزير الصحة، يوم الخميس في ندوة صحفية، مؤكدا أن “الوضع مقلق والمستقبل أكثر خطورة”.. وسبقه في ذلك الوزير الأول جراد عندما مهّد لاتخاذ قرارات قاسية، خلال إشرافه على انطلاق الدخول المدرسي في مرحلتيه المتوسطة والثانوية، حيث قال “قد نتخذ إجراءات قاسية تجاه المواطنين”.
ولم تنتظر الوزارة الأولى طويلا لتعلن عن ثلاثة قرارات هامة ضمن مخطط استعجالي فوري لمحاصرة انتشار فيروس كورونا، حسب ما ورد في بيان صادر عنها، يرتكز على ثلاثة محاور هي تعزيز تدابير الوقاية في جوانبها الـمتعلقة بالصحة والسلامة، ووضع إستراتيجية اتصال أكثر فعالية، وتحسيس أقوى للـمواطنين بالإضافة إلى التطبيق الصارم للتدابير القانونية القسرية.
وحسب بيان الحكومة، فإن التجمعات بجميع أنواعها، وعدم الامتثال للبروتوكولات الصحية في أماكن مختلفة، ولاسيما وسائل النقل والمتاجر والأماكن العمومية، كانت من العوامل الرئيسية التي تسببت في عودة ظهور البؤر، وساهمت في الانتشار السريع للفيروس في ظل تراخي المواطنين وتهاونهم في إجراءات الحماية.
وقد تم التركيز، ضمن مخطط الحكومة على ضرورة تزويد الهياكل الاستشفائية بكافة الوسائل من حيث التجهيزات واختبارات الكشف عن فيروس كورونا “PCR”، والاختبارات الـمضادة للجينات ووسائل الحماية والأوكسجين والأسرة الإضافية، وضرورة إعادة تعبئة الـمؤسسات الصحية من أجل تركيز أنشطتها، وكذا جميع الإمكانات الموجودة للتكفل من باب الأولوية بالمرضى المصابين بفيروس كورونا “كوفيد ــ 19” الذي أصبح مطلبا ملحا وتحسين ظروف إقامة ونقل الـمستخدمين في مجال الرعاية الصحية، مع منع تنظيم الـملتقيات أو الندوات أو الاجتماعات أو أي تجمع آخر، يشكل عوامل لانتشار الوباء، وذلك إلى غاية إشعار آخر.
وكلفت الحكومة وزير الداخلية والجماعات الـمحلية والتهيئة العمرانية بتعزيز الخلية الوطنية لـمتابعة تطور جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19″، وتوسيعها إلى القطاعات الـمعنية، ولاسيما قطاعات التربية الوطنية، والتعليم العالي، والتكوين الـمهني، والشؤون الدينية، بما يضمن تنسيقا أكثر فعالية بين القطاعات.
ودق عبد الرحمان بن بوزيد وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ناقوس الخطر، خلال الندوة الصحفية التي عقدها لعرض التطورات الوبائية لكوفيد 19 بالجزائر، عندما قال “الوضع مقلق والمستقبل أكثر خطورة”، مشيرا إلى أن احترام تدابير الوقاية وارتداء الكمامة هي السبيل الوحيد للحماية وتجنب الإصابة .
وحمّل الوزير المسؤولية في تسارع انتشار الوباء لإهمال المواطنين وتهاونهم في إجراءات الوقاية، مؤكدا صحة الأرقام المقدمة من قبل الوزارة والتي تستند على تحاليل الـ”بي سي آر” التي أجريت في المستشفيات فقط، غير أن هذا لا ينفي وجود حالات أخرى مجهولة وغير معلنة.
وبخصوص اللقاح المضاد لكورونا، أبدى بن بوزيد استعداد الجزائر لاقتنائه مهما بلغ سعره، وفي سبيل ذلك وقعت عقودا مع 170 دولة من أجل شراء اللقاح في حال توفره بأقل سعر، مشيرا إلى “وجود 198 مخبر دولي يحاول إنتاج لقاح كورونا من بينها 8 أو 10 في المرحلة الثالثة”.
من جانبه، أفاد الدكتور، أخاموك إلياس، عضو اللجنة العلمية لمتابعة ورصد انتشار فيروس كورونا، في تصريح لـ”الشروق”، أنّ 15 ولاية في الجزائر تعيش حالة صعبة جدا، وهي غالبا الأكثر كثافة سكانية من بينها العاصمة والبليدة وجيجل والشلف وبجاية وتيزي وزو وقسنطينة والمسيلة.
وأشار أخاموك إلى تشبع أماكن الاستشفاء والارتفاع الكبير في عدد الإصابات الجديدة المتوقع استمرارها على هذا النحو في ظل التهاون الكبير للمواطنين وتخليهم عن تدابير الوقاية موازاة مع الدخول الاجتماعي وحلول فصل الشتاء وانتشار فيروس الأنفلونزا الموسمية الذي سيخلط الأوضاع ويعقدها.
وكشف المختص عن جملة من التوصيات التي رفعتها اللجنة العلمية للحكومة والمزمع أخذ بعض جوانبها بعين الاعتبار في الأيام القليلة المقبلة، منها تشديد الحجر الصحي وخاصة الليلي مع تعديله وخفض ساعاته، لأن حماية الأرواح مقدّمة على أية مصلحة أخرى، بالإضافة إلى مطالبة اللجنة بردع المخالفين للبروتوكولات الصحية والتعامل معهم بصرامة أكبر من قبل السلطات المحلية المعنية، سواء كانوا مواطنين أو مؤسسات أو خواص.
وكشف إلياس رحال، المدير العام للمصالح الصحية بوزارة الصحة وعضو اللجنة العلمية لمتابعة كورونا، في تصريح لـ”الشروق”، عن تحويل 3 مؤسسات صحية في العاصمة، ابتداء من اليوم، إلى علاج كورونا فقط قصد رفع عدد الأسرة الاستشفائية ويتعلق الأمر بغلق وحدة آيت إيدير المتخصصة في طب وجراحة الأعصاب وكذا مؤسسة جيلالي رحموني بـ”ليفارجي” ومؤسسة عبد الرحمان لجراحة القلب وتحويل المرضى ضمن هذه التخصصات إلى مستشفى زميرلي ومصالح مصطفى باشا الجامعي وباب الوادي وغيرها من المصالح الأخرى المتخصصة.
وأشار رحّال إلى أن عدد المتواجدين بالعناية المركزة المصابين بكورونا تضاعف مرتين منذ الفاتح أكتوبر، مشيرا إلى وجود 16 ألف سرير للتكفل بمرضى كوفيد مقابل 4 آلاف مريض، غير ان الإشكال لا يطرح بالنسبة للعدد وإنّما بالنسبة للتوزيع، فبعضها يتواجد في مناطق بعيدة.
وتقدر نسبة شغل الأسرة على مستوى الوطني بـ28 بالمائة حسب المتحدث، غير أن بعض الولايات ومنها العاصمة ناهزت 87 بالمائة، ما تطلب تدعيمها بولايات البليدة وتيبازة وبومرداس، وكذلك جيجل التي ناهزت 85 بالمائة.
وفي سياق ذي صلة، أفادت سامية حمادي، مديرة الوقاية بوزارة الصحة، في تصريح لـ”الشروق”، أنّ دائرتها الوزارية عزّزت على ضوء المعطيات الوبائية الجديدة سياستها الوقائية وبادرت إلى تكثيف التحقيقات الوبائية في محيط الحالات المصابة ومتابعة الحالات بدقة أكبر، خاصة في الولايات الأكثر تسجيلا للإصابة.
وأشارت ممثلة الوزارة أنّ الجنائز والأفراح هما البؤرة الأولى لانتشار العدوى، فالتحقيقات أثبتت أن غالبية العدوى تمت في محيط العائلة ونصحت على ضوء هذه المعطيات الجزائريين بتقليل تنقلاتهم واحتكاكهم في هذه المناسبة وتعويضها بالتواصل عن طريق التكنولوجيات الحديثة صونا لأرواحهم وأرواح ذويهم قبل فوات الأوان.
وستركّز مديرية الوقاية، حسب حمادي سامية، على حملات التحسيس في كيفية الحجر الصحي الصحيح وكيفية انعزالها بما لا يضر بالآخرين وعدم الخروج من البيت إلا للضرورة القصوى مع تشديد الحماية.
وذكّرت المتحدثة بطرق انتشار الفيروس وعدم التهاون، مقللة من أهمية التشخيص الجماعي في مثل هذه الحالات التي قد لا يظهر فيها تطور الفيروس في الجسم إلا بعد مدة وهو ما يحول دون تحديد الإصابة في وقتها حتى وإن وجدت، داعية كل شخص تظهر عليه الأعراض إلى التقرب من المصالح الطبية وعدم الانتظار إلى غاية تعقد الوضعية الصحية له وبلوغه مصالح العناية المركزة، مع أهمية المراقبة الذاتية في حال تسجيل إصابة في محيط العائلي أو المهني.