
أفريقيا برس – الجزائر. بين الحسم والتردد، تتأرجح مواقف المعارضة الجزائرية، بمختلف مكوناتها، إزاء مبادرة الرئيس عبد المجيد تبون للم الشمل. وظهر الخلاف بشكل واضح، خلال مؤتمر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي صعد فيه السياسي الراديكالي كريم طابو للمنصة، مخاطبا أبرز وجوه المعارضة الحاضرين بالقول: “علينا أن نختار إما الذهاب لحصن الديمقراطية أو الذهاب للقصر”.
تفاعلت أحزاب وشخصيات المعارضة الجزائرية، كل على طريقته مع مبادرة لم الشمل، على الرغم من إجماع الكل على غموض المحتوى الذي لم تفصح الرئاسة عنه لحد الآن. وبدا السياسي المعارض كريم طابو منزعجا من انجذاب بعض أحزاب المعارضة نحو هذه المبادرة التي يعتبرها شخصيا مناورة من قبل السلطة، وانتهز هذا السياسي المعروف بمواقفه الراديكالية، فرصة حضور شخصيات المعارضة في مؤتمر التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، لانتقاد هرولة البعض للقاء الرئيس. وقال: “الأرسيدي (اختصار تسمية التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) هو حصن الديمقراطية.. وعلينا أن نختار إما أن نذهب للحصن أو نذهب للقصر”.
ومرّر طابو رسالته أمام شخصيات بارزة اشتهرت بمعارضة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، مثل الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي ورئيس الحكومة سابقا أحمد بن بيتور ولويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال وزبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي. كما بدا أنه يقصد بشكل مباشر حزبه السابق جبهة القوى الاشتراكية الذي تغيرت مواقفه من المعارضة الراديكالية الرافضة لكل ما يصدر عن السلطة إلى توجه أكثر تجاوبا في السنوات الأخيرة.
وبين كل هذه الشخصيات والأحزاب، يظهر الخلاف جليا في النظر للمبادرة. ويقول رحابي الذي التقى الرئيس تبون قبل أيام، إن “لم الشمل” الذي يطرحه الرئيس يفرضه الظرف الحالي. واعتبر في تصريحات لقناة “النهار” أن لم الشمل يُعـد استجابة لمطلب المعارضة بالحوار بعد محاولات مازفران وعين البنيان (اجتماعات المعارضة في 2014 و2016 الداعية للانتقال الديمقراطي)، مؤكدا على ضرورة أن يشمل الاتفاق السياسي جميع الفاعلين من الحكومة إلى الأحزاب والنقابات والجمعيات.
وتتقاسم أحزاب مثل حركة مجتمع السلم التي تمثل المعارضة داخل البرلمان، فكرة الحوار دون شروط مسبقة. وعقب لقائه الأخير مع الرئيس تبون، قال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم: “نتمنى أن نتوصل كجزائريين إلى بلورة رؤية مشتركة فيما ينفع بلادنا ويضمن الحريات والانتقال السياسي الفعلي وكذلك تطور المجتمع المدني ومساهمته في التخفيف من أعباء الدولة”.
وأمام هذه النظرة المنخرطة بوضوح في المبادرة، تبرز مواقف أخرى تتحدث عن اشتراطات مسبقة للانخراط في مشروع الرئيس. من ذلك، ما طرحه الأمين الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، والذي صرح أنه تحدث مع الرئيس خلال لقائه معه قبل أسبوع، عن ضرورة “احترام الشروط المسبقة وإجراءات التهدئة قبل الشروع في أي حوار من أجل منح ضمانات وإشارات حسن نية للشركاء السياسيين والاجتماعيين وخاصة طمأنة مواطنينا، بإطلاق سراح ودون شروط كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.. وأيضا إلغاء كل الترسانة القانونية القمعية، لا سيما اللجوء بطريقة تعسفية لإجراء الحبس الاحتياطي”. ولم يفوت أوشيش الفرصة في ندوة صحافية له قبل يومين، لينتقد ضمنيا تصريح طابو الذي أعاب على السياسيين لقاء الرئيس، مدرجا ذلك في خانة الشعبوية التي يرفضها حزبه، على حد قوله.
وتحتفظ لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال بموقف شبيه لما صدر عن “القوى الاشتراكية”. وقالت في لقاء لها مع قناة “الخبر”، إن مجرد طرح مبادرة بعنوان لم الشمل يعني أن الجزائر تعيش أزمة وأن المجتمع يعاني من عدة شروخ، تاركة الانطباع بأنها لن تمانع في المشاركة إذا احترمت بعض الشروط مثل إطلاق سجناء الرأي وفك الخناق عن الإعلام والأحزاب. وذكرت حنون في تحليلها، أن “الجزائر ليست في نفس ظروف 2019 حيث كان المسار الثوري جارفا قبل أن يتم عرقلته”، ولا يوجد حسبها من يتم التوجه إليه لوقف الانحدار في القدرة الشرائية والفقر والتعديات على الحقوق والحريات، سوى من بيده سلطة القرار.
وسيكون منتظرا إلى جانب هذه المواقف، معرفة رأي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية التي عرف عنها في فترة رئيسها محسن بلعباس المنتهية فترته موقفا رافضا بالقطع للجلوس مع الرئيس تبون. ولا يوجد ما يوحي أن الرئيس الجديد للحزب عثمان معزوز سيغير من هذا التوجه، فقد سبق له مقاسمة رأي بلعباس بأنه “لا مصداقية لسلطة تفننت في بث التفرقة وتشتيت الجزائريين من أجل لم شملهم”.
كما يبدو الرفض قاطعا من جانب تيارات اليسار لأي جلوس مع السلطة. وسبق لفتحي غراس المنسق الوطني للحركة الديمقراطية الاجتماعية، القول إن هذه المبادرة مجرد مناورة للبحث عن تسوية مع الجزائريين في ظل الاستبداد. وأبرز أن النظام السياسي يريد إخماد المناخ الثوري بإقناع الجزائريين أن النظام انتصر وعليهم القبول بمبادرته.
وفي انتظار اتضاح معالم المبادرة، لا زالت الرئاسة تكشف من حين لآخر عن لقاءات لتبون مع قادة أحزاب سياسية، حيث استقبل مؤخرا الطاهر بن بعيبش رئيس “الفجر الجديد”. وكان الرئيس تبون قد أعلن خلال زيارته لتركيا، أنه ينوي تنظيم لقاء جامع مع الأحزاب قريبا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس