الطريق السيار العلمة جن جن.. حلم الجزائر الذي حولته العصابة إلى كابوس

25

دخل مشروع الطريق السيار العلمة جن جن التابع لمجمع حداد مرحلة الانسداد بعدما توقفت به الأشغال، وأضحى يرسم أبشع صورة لمخلفات النظام السابق أطرها استنزاف المال العام مع تأخر كبير في أشغال طريق مرت عليه 5 سنوات ولا يزال في بدايته، ووضع كارثي لعمال لم يتقاضوا أجورهم منذ ستة أشهر.

هذا المشروع الذي يربط مدينة العلمة بميناء جنجن بولاية جيجل على مسافة 110 كلم، منها شطر يبدأ من العلمة استلمته شركة حداد للأشغال العمومية والري والبناء والذي يمتد على مسافة 62 كلم، انطلقت به الأشغال سنة 2014 وكان من المفروض أن يسلم سنة 2016، لكن مع سنوات الفوضى والجنون التي فرضها النظام السابق والامتيازات التي استفاد منها حداد ومن معه المشروع يعرف تأخرا كبيرا ونسبة الأشغال الإجمالية لم تتجاوز 17 بالمائة. وقد استفاد أصحاب المشروع سابقا من تمديد في الآجال بسبب بعض العراقيل التي اعترضت مسار الطريق فتغير موعد الاستلام مرتين وأخلف مرتين فكان من المفروض أن يسلم المشروع في موعد ثان في شهر ماي سنة 2019 لكن في الواقع المشروع لم يبتعد عن خط الانطلاق إلا ببضعة كيلومترات محتشمة.

وقد كان حداد ومن معه يومها يسيرون المشروع وفق أهوائهم غير مبالين بالتأخر، فكانوا يخصصون أوقات فراغهم لتحريك مشروع عملاق من شأنه أن يغير وضع دولة بكاملها، والنتيجة اليوم 5 سنوات مرت والطريق لايزال في بدايته، فلا سيار ولا غربال ولا هم يفرحون.

طريق عملاق يتجه نحو المجهول
والوضع في الوقت الحالي ازداد سوءًا لأن هناك توقفا تاما للأشغال. والعمال من دون أجور منذ ستة أشهر، حيث دخل مجمع حداد مرحلة الانهيار وحسابات المؤسسة جُمدت، والمشروع بلغ الطريق المسدود مع خسائر بالملايير هي الآن تتضاعف كلما طالت مدة التوقف.

المشروع العملاق تقدر تكلفته بـ17 ألف مليار سنتيم وهو أحد أهم المشاريع على المستوى الوطني ويكتسي أهمية كبيرة لأنه يربط ميناء جن جن بالطريق السيار شرق غرب، ويشكل عصبا حيويا من شأنه أن يعطي دفعا كبيرا للحركة الاقتصادية في هذه الجهة مع استغلال أفضل لميناء جنجن الذي لا يزال بعيدا عن إمكانياته الحقيقية.
هذا الحلم لا يزال بعيدا عن الواقع بعد بلوغه مرحلة الجمود والتعفن، فشركة حداد توظف حاليا في هذه العملية 320 عامل وهناك شركاء ومؤسسات مناولة وظفها المجمع ويتعلق الأمر بالشركة العمومية سابتا وشركة إيطالية وأخرى تركية، كل هؤلاء توقفوا عن العمل ورفعوا أيديهم عن المشروع ومن الأجانب من غادروا البلاد.

عمال يصرخون وآليات ضخمة تبحث عمن يحركها
هذه الوضعية أثرت على العمال الذي جاؤوا من مختلف ولايات الوطن وهم الآن يضمنون الحد الأدنى من الخدمة لا شغل لهم سوى تسجيل الحضور كل صباح والمبيت في شاليهات قاعدة الحياة التي نصبت بمنطقة العراعير بين مدينتي سطيف والعلمة.

وحتى المطعم المخصص للعمال أغلق أبوابه وعليهم أن يتدبروا أمرهم في التغذية وأحيانا يكتفون بتناول الخبز وقطع من الجبن في صورة عمت الجميع سواء تعلق الأمر بالعمال البسطاء أو أصحاب الشهادات من المهندسين والتقنيين.

العمال الذين التقيناهم يؤكدون بأن وضعيتهم الاجتماعية تعقدت للغاية فقد غرقوا في الديون ولم يعد بإمكانهم توفير قوت عيالهم، وحتى ظروف العمل لم تعد ممكنة لأن أبسط المستلزمات غير متوفرة بما فيها أوراق المكاتب، والأدهى من ذلك كل الأختام سُحبت من إدارة الشركة ولا يمكن استصدار أي وثيقة رسمية، وآخر ما سمعه هؤلاء العمال من مسؤوليهم اختصر في جملة واحدة وهي من أراد الرحيل فله ذلك، لكن أغلبية العمال تمسكوا بمناصب عملهم ولازالوا يأتون إلى الورشة على أمل أن تستأنف الأشغال من جديد.

وما وقفنا عليه داخل الورشة يصدم الأعين والأنفس فهناك شاحنات بالمئات وآليات ضخمة وماكينات رهيبة مع محطات لتصنيع “البيطون” وتحويل الحديد فأينما تقلب بصرك ترى آليات ضخمة تقدر تكلفتها الإجمالية بمئات الملايير، وهي الآن ساكنة توقفت عن الحركة بعد انطلاق الحراك.

وهناك آليات بدأت تتعرض للتلف ونفس الشيء بالنسبة للحديد المصنع والإسمنت والعديد من المواد فسدت ولم تعد صالحة للاستغلال والخسائر تتضاعف كل يوم.

وإذا كانت الشركة سلمت لمسير للإشراف عليها فإن هذا الأخير لازال لم يقم بأي خطوة ولم يتخذ أي قرار، وقد رفع العمال شكواهم إلى هذا المسير لكن إلى حد الساعة لم يتم اتخاذ أي إجراء والعمال الآن يسيرون نحو المجهول فلا هم من الأجراء ولا هم من المسرحين.

هذا ما آلت إليه المشاريع العملاقة التي خلفها النظام السابق خاصة مع مجمع أرهق الخزينة العمومية وأرهق العمال الذين علِقوا في طريق لايزال في بدايته تنتظره سنوات أخرى، وأي حديث عن الطريق السيار العلمة جن جن لايزال في خانة الأحلام.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here