جزائريون يستنيرون بالفوانيس والشموع وثلاجاتهم تحولت إلى خزائن

16

لازال العديد من سكان بلدية عين ولمان جنوب ولاية سطيف يستعملون الفانوس القديم للاستنارة داخل منازلهم التي رتبت لهم عِشرة طويلة مع الظلم والعزلة والحرمان. هؤلاء هم سكان البناحية وبن شرية وغيرها من المناطق التي لازالت محرومة من الكهرباء، فإذا كنا في عهد التكنولوجيا ووسائط التواصل الاجتماعي فإن هؤلاء السكان لازالوا يستعملون الفانوس القديم على طريقة القرون الوسطى، فهذا الجهاز الذي عرف منذ القدم يعرف محليا باسم “الكانكي”، وفيه نوعان واحد يشتغل بالغاز والثاني بالمازوت، والاثنان لهما نفس الشكل الذي عرف منذ قرون خلت.

هناك في تلك المنطقة الجبلية يقطن عمي حسين، وهو موال يعيش من تربية الماشية فاعتاد على رعي أغنامه، لكن في منتصف النهار يعوضه ابنه في رعاية الأغنام، لأن له مهمة اعتاد عليها ثلاث مرات كل أسبوع فتجده يشد الرحال من منطقة البناحية ويقطع مسافة 2 كلم مشيا على الأقدام ليصل إلى بئر قصيعة من أجل شحن هاتفه النقال، لأن بيته غير موصول بالكهرباء. هذا الرجل عرف الهاتف النقال قبل أن يعرف المصباح المعلق في سقف الغرفة مثلما هو موجود عند عامة الناس. رحلة الشحن هذه يؤديها عمي حسين في الصيف والشتاء، لأن الهاتف هو الوسيلة الوحيدة التي تربطه بالعالم الخارجي. وحتى الذين يشحن عندهم الهاتف لا يملكون الكهرباء وإنما يستعملون مولدات كهربائية تشتعل بالمازوت، فهذا الوقود يستعمل للتدفئة والاستنارة أيضا.

وأما نجيب الذي يقطن غير بعيد عن عمي حسين فهو يعيش رفقة عائلته تحت سطوة المولد الكهربائي، وإذا نفد المازوت يأوي إلى الظلمة وينتظر طلوع الفجر، وإذا فتح النافذة يرى العمود الكهربائي الذي يمر قرب أرضه دون أن يستفيد من هذه الطاقة. وما أكثر أمثال عمي حسين ونجيب في هذه المناطق التي يقول أهلها بأنهم لم يعرفوا الاستقلال بعد، والحقرة قذفت بهم بين أمواج الظلمات وفرملت نشاطهم الفلاحي. فهم يتفاضلون في أنواع الفوانيس وجودتها ولهم علاقة عشق مع الشموع التي يستهلكونها كما يستهلكون الحليب، وأما الثلاجة التي يملكها البعض منهم فقط فلم تعد تؤدي المهمة التي خلقت لأجلها، بل تستعمل عندهم لحفظ الملابس والأواني وهي أشبه ما تكون بالخزانة بعد ما اعتزلت التبريد منذ أمد بعيد. وفيهم من لا يملك التلفاز ولا يتابع الأخبار إلا بالمذياع القديم الذي يشتغل بالبطاريات.

وأما الأوفر حظا فهم الذين يملكون جهاز التلفزيون الذي له ظهر محدودب وإذا راحت الصورة يجلدونه بضربات من الخلف. الناس هنا بسطاء ويتميزون بالهدوء وربما ذلك راجع لنقص هرمون التوتر “الكورتيزول” عندهم، لأنهم لا يبالغون في متابعة التلفاز ولا يهتمون بكثرة الأخبار، وأغلب أوقاتهم يقضونها في الحقول، يمتعون أنظارهم بالخضرة ولا يعرفون من الطعام إلا البيولوجي بعيدا عن المصبرات والمسكرات. فهؤلاء لا يطلبون إلا الكهرباء حتى يتمكنوا من رؤية بعضهم البعض ليلا ويتخلصوا من الظلمة التي حاصرتهم في الصغر والكبر، فإذا كان بعض المسؤولين بولاية سطيف قد صدعوا رؤوسنا بأغنية التغطية بالكهرباء التي أدركت حسبهم نسبة مائة بالمائة فهذا يعني أن هؤلاء خارج المائة وخارج الفئة التي تحمل الجنسية الجزائرية، وإذا كانت مناطق الظل قد تعدد بولاية سطيف وغيرها من الولايات، فمثل هذه الجهات هي مناطق الظلام لم يغشها بعد ظل الحياة الكريمة.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here