الجزائر – افريقيا برس. سائقون يستظهرون تعليمة الوزير الأول كرخصة للتنقل.. وآخرون يبكون ويتوسلون “كان عندي جنازة.. سرقولي حانوتي.. العجوز مريض ويحتضر.. هذا وين كملت الخدمة”، فيما استغل البعض الآخر الرخصة الفردية لنقل العائلة والأصدقاء للتنزه وقضاء حاجياتهم.. دون أن ننسى المجرمين الذين يستغلون الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد لـ”ترهيج” المواطنين بسلع فاسدة علاها “الدود”.. وما خفي أعظم في زمن “كورونا..”؟
بهذه العلل والحجج الواهية يتذرع السائقون والراجلون المخالفون لإجراءات الحجر المنزلي للهروب والإفلات من عقوبات ومخالفات القانون الخاص بمواجهة فيروس كوفيد ـ 19، مستعملين كل الطرق لاستعطاف قلوب أصحاب البذلة الخضراء، إلا أن كل هذه التوسلات والتبريرات والبكاء لم يمنع الدركيين من التطبيق الصارم للقانون، ليس كناية فيهم، وإنما حفاظا على أرواحهم ولسان حالهم يقول “نحكم فيك خير ما نبكي عليك”…؟
وتحت شعار “بيوتنا… خنادق نصرنا الجديد”، الذي أطلقته قيادة الجيش الوطني الشعبي، “الشروق”، رافقت مصالح الدرك الوطني واختارت ولاية البويرة كعينة لنقل الإجراءات الصارمة التي تنفذها هذه الجهة الأمنية في الميدان تحت تعليمات من قائد المجموعة الإقليمية لدرك البويرة العقيد عبد القادر قاري المعروف بصرامته حينما يتعلق الأمر بسلامة وأمن المواطنين، خلال هذا الوضع الاستثنائي بسبب وباء كورونا الذي أرهق البلاد والعباد، وأخلط أوراق وبرامج الجزائريين، خاصة أنه لا يفصلنا عن شهر رمضان المعظم سوى يومين فقط.
تهور واستهتار.. وتحدّ للقانون
رحلتنا بدأت من قيادة الدرك الوطني، التي رخصت لنا بالولوج إلى عالم لا تصادف فيه إلا تهورا واستهتارا وتحديا لقانون الحجر الصحي الذي فرضه فيروس كورونا المستجد، من طرف عدد لا يستهان به من السائقين والراجلين المتهورين الذين يتلاعبون بأرواحهم وأرواح عائلاتهم، ضاربين إجراءات الوزارة الأولى عرض الحائط.
الساعة كانت تشير إلى الخامسة مساء عندما وصلنا إلى مقر المجموعة الإقليمية لدرك البويرة، حيث تم استقبالنا من طرف قائد أركان المجموعة المقدم مراد سوانف، ورئيس خلية الاتصال الملازم الأول هبة بوزيد، حيث تم إطلاعنا على المخطط الأمني الذي سطرته مصالحهم بخصوص الوضع الاستثنائي الذي فرضه وباء كورونا والذي سيستمر إلى غاية شهر رمضان المعظم.
وفي السياق، أكد قائد أركان المجموعة الإقليمية لدرك البويرة، أن قيادة المجموعة سخرت جميع إمكانيتها البشرية والمادية لمجابهة وباء كورونا، أين وضعت جملة من الإجراءات بمعية مختلف الفاعلين على مستوى الولاية، على غرار التشكيلات الثابتة على مستوى الحدود الإقليمية من الطرق بين إقليم الولاية والولايات المجاورة، وكذا مداخل ومخارج الطريق السيار شرق ـ غرب، بالإضافة إلى تشكيل آخر متحرك “دوريات” عبر كامل قطاع المسؤولية وذلك لمنع حركة الأشخاص خلال فترات الحجر الصحي الجزئي من وإلى ولاية البويرة داخل إقليمها، إلى جانب العمليات التحسيسية، التي مست كافة إقليم الولاية من بلديات، قرى، مداشر وحتى مناطق ظل عن طريق دوريات باستعمال مكبرات صوت سيارات السلاح، لتحسيس وتوعية المواطنين ورفع درجة حيطتهم وتذكيرهم بضرورة التزامهم لبيوتهم وعدم مغادرتها إلا للضرورة القصوى.
استعدوا.. بداية المهمة وتطبيق القانون
في حدود الساعة السادسة والنصف، انطلقت رحلتنا مع عالم الحجر الصحي، حيث رافقنا قائد سرية أمن الطرقات لدرك البويرة الرائد حسان مشري، رفقة الملازم الأول هبة بوزيد، بعد أن قام قائد السرية بتحديد خصوصيات نطاق العمل لذلك اليوم، وإطلاع أفراده الذين كانوا على أهبة الاستعداد للخروج في مهمتهم لترصد المخالفين للحجر المنزلي وكذا المجرمين الذين يستغلون الوضع الاستثنائي لتكثيف نشاطهم وهذا عبر 13 حاجزا أمنيا.
تمام السابعة مساء.. المكان.. مفترق الطرق أولاد بوشية مدخل الطريق السيار.. الرائد مشري يرفع جهاز الراديو ويردد “استعدوا.. بداية المهمة.. إغلاق الطريق.. وتطبيق القانون..”، وهي التعليمات التي وجهها لجميع الوحدات المنتشرة عبر كامل الولاية.
فمن الأخضرية إلى القادرية، مرورا بمحطة عمر وجباحية والبويرة وسط، ومن الضفة الأخرى، من سور الغزلان وبئر أغبالو وعين بسام وصولا إلى واد البردي، ولصنام وبشلول، مرورا بعجيبة وأمشدالله، وصولا إلى شرفة وغيرها من قرى ومداشر الولاية، وقفنا على هؤلاء المخالفين لإجراءات الحجر المنزلي.
وبمجرد أن بدأنا عملنا هذا خلال ساعات الحجر، اكتشفنا أن المخالفين للحجر الصحي يبدعون في التحايل على أصحاب البذلة الخضراء، حيث تذرعوا بعلل وحجج واهية، أحدهم يقول: “سرقولي الحانوت 10 دقائق قبل بداية الحجر”، وآخر “عندي مريض في المستشفى وهو بين الحياة والموت”، فيما لجأ آخر إلى حيلة أخرى بقولة “والله عندي جنازة”.. قبل أن يقاطعه الدركي قائلا: ولكن التجمعات ممنوعة حاليا؟.. كما سمعنا تكرار عبارات “هذا وين خرجت من الخدمة..”، والكارثة هي استظهار أحد المخالفين لعلبة دواء ” فيتامين C”، قائلا للدركي: “رحت شريت دواء للعجوز..”، ليرد عليه هذا الأخير: “فيتامين C” في الليل لشخص كبير…؟
معزة ولو طارت..
ومن الغرائب التي وقفنا عليها خلال إنجازنا هذا الروبورتاج، أن شابا تم توقيفه وبعد أن طلب منه عون الدرك رخصة التنقل، استظهر نسخة من تعليمة الوزير الأول، ليقول له الدركي بهدوء: لكن هذه ليست برخصة، إلا أن الشاب لا يريد الاعتراف بذلك وردد عبارات “أقسم بالله جبتها من الدائرة”، وبقي متمسكا بموقفه.. بمعنى “معزة ولو طارت”..؟ فيما قام أحد السائقين باستظهار رخصة التنقل وكان رفقة عائلته، وعندما سأله الدركي، “هذه الرخصة خاصة بك وليس لعائلتك”، يرد عليه قائلا “والله ماعلابالي..؟”، إلا أن كل هذه التوسلات والتبريرات لم تمنع الدركيين من التطبيق الصارم للقانون حفاظا على سلامتهم وسلامة عائلاتهم.
كورونا أرعب عصابات الإجرام والمخدرات
من جهته، قال الرائد الطاهر سعدي، قائد الكتيبة الإقليمية لدرك مشدالله إن وباء كورونا أرعب عصابات الإجرام والمخدرات، حيث تراجعت الجريمة بكثير في هذا الظرف، وأن مصالح الدرك في المنطقة اعتمدت على الإجراءات التحسيسية قبل الردعية، كما تم التركيز على دوريات مشتركة واستعمال مكبرات الصوت لتوعية المواطنين من خطر هذا الوباء.
وأضاف الرائد سعدي، وحدات المجموعة الإقليمية لدرك البويرة، سطرت برنامجا لعمليات التعقيم والتطهير باستعمال الوسائل العضوية للدرك تشمل أزيد من 45 منطقة، كما عملت جميع الوحدات على قدم وساق من أجل تقديم مساعدات للعائلات المعزولة وخاصة القاطنين منهم، بمناطق الظل والذين يصعب عليهم التنقل لاقتناء حاجياتهم، فضلا عن تسيير عمليات حماية ومرافقة توزيع المواد الغذائية، خاصة “السميد” ضمانا لوصولها إلى جميع المواطنين.
بالمقابل، شاركت فصيلة الأمن والتدخل “SSI”، رقم 6 برافور، في جميع عمليات مكافحة الإجرام وتسيير الوضع الاستثنائي الذي فرضه وباء كورونا، وهذا ما أكده قائد الفصيلة النقيب لزهر خشوش.
توقيف 21 ألف شخص خالفوا الحجر
إلى ذلك، دعا المساعد الأول محمد الصغير سالمي، قائد الفرقة الإقليمية لدرك شرفة باسم المجموعة الإقليمية لدرك البويرة، المواطنين إلى الالتزام بإجراءات الحجر الصحي وعدم الاستهانة بفيروس “كوفيد ـ 19″، مؤكدا أن الحجر المنزلي يعد أفضل سبيل لمجابهة هذا الوباء والحد من انتشاره، مع عدم استعمال العنف واللجوء إلى العمليات التحسيسية، وهو الشيء الذي لمسناه عند المواطن الشرفوي، خلال إنجازنا لهذا الربورتاج.
وبلغة الأرقام، أوقفت مصالح الدرك الوطني على المستوى الوطني في الفترة الممتدة بين 3 و19 أفريل، 21 ألف و248 شخص خالفوا إجراءات الحجر المنزلي، مع وضع 5 آلاف و919 مركبة وشاحنة و557 دراجة نارية في المحشر، فيما سجلت ولاية البويرة 100 مخالفة ضد الأشخاص الراجلين المخالفين، ووضع 160 مركبة منها 22 شاحنة في المحشر، مع حجز مواد غذائية فاسدة وأخرى موجهة للمضاربة في الأخضرية، قادرية، سور الغزلان، مشدالله، أين تم مداهمة ورشة سرية لصناعة مواد التعقيم والتطهير بطريقة غير شرعية.