قام القسم الأفريقي بصحيفة لوموند الفرنسية -بالتعاون مع رابطة “ريس بوبليكا”- بجمع عدد من الفنانين والأكاديميين والصحفيين ورجال الأعمال الجزائريين في باريس للتفكير في المستقبل الذي ينتظر الجزائر، واستعرض مقال لصحفيتها ساندرين برتود كلير ما توصل إليه الاجتماع.
وانطلقت الصحفية من فكرة أن “الفترة الانتقالية لم تبدأ بعد وأن الشارع الجزائري ما زال يغلي” باعتبارها أبرز وأقوى ما انتهى إليه النقاش في اليوم الخاص “أي جزائر غدا؟” الذي شاركت لوموند في تنظيمه.
وقالت إن الفنانين الجزائريين والأكاديميين والصحفيين ورجال الأعمال -الذين استجابوا لدعوة فريق التحرير ورضوا بإشراك جمهور القراء في تحليلاتهم ومقترحاتهم من أجل جزائر جديدة- أثنوا على “عبقرية ونضج الشعب الجزائري” الذي يمسك بالشارع منذ 22 فبراير/شباط دون عنف وبجرعة عالية من الفكاهة.
يقول رضوان خالد (من الحركة الديمقراطية والاجتماعية) إن هذا الحراك لم يأتِ من “العدم” ولكنه تتويج “لتراكم النضالات القطاعية لمدة عقدين من الزمن، من نضال العاطلين عن العمل في الجنوب إلى نضال الأطباء المقيمين إلى غير ذلك”.
ولكن الإنترنت والشبكات الاجتماعية أعطت الشباب بالفعل مساحة للتنظيم و”إمكانية السخرية” وفقا لصلاح باديس، كما أن هذا الشباب “الذي كان يعتقد أنه خائف” استطاع أن يعرض شعارات جديدة للتخلص من فساد النخب.
ويقول عبد الوهاب الفرساوي (من تجمع الشباب من أجل العمل) إن “هؤلاء الشباب على دراية تامة بالقضايا ويحترمون الهدوء واللاعنف في المظاهرات”.
وأوضحت الصحفية أن مظاهرات الجمعة والثلاثاء في شوارع المدن الرئيسية طبعت الحياة منذ ما يقرب من أربعة أشهر، وقد انضافت إليها الآن مناقشات المجتمع المدني، وذلك قبل إطلاق مؤتمر وطني السبت 15 يونيو/حزيران بهدف وضع “خارطة طريق لإنهاء الأزمة” يتم تسليمها الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح.
والملاحظة الثانية التي أبداها جميع المشاركين -تقول الصحفية- أن الجزائر تحتاج وقتا للانتقال من الغليان إلى فترة انتقالية حقيقية، حين توضع على الطاولة جميع الأفكار وجميع الحساسيات وجميع الهويات، مما يسمح بظهور شخصيات سياسية جديدة وإعادة بناء الثقة المتبادلة على أساس الحوار والعمل.
وإذا كان الفرساوي يعتقد أنه “لا يمكننا الذهاب إلى انتخابات ذات مصداقية دون تحرير المجال السياسي” فمن الضروري حسب نظره “إتاحة وقت للانتقال من خلال ضمان الحريات العامة والفردية” إذ “لا يمكننا تقليص الديمقراطية في دعوة الناخب إلى صناديق الاقتراع” كما يقول رئيس جمهورية أرمينيا.
وأشارت الصحيفة إلى ظهور أصوات في القاعة تقول إن “الفترة الانتقالية” يجب أن تكون “محدودة في الزمن” ولها مجال محدد، في حين رأى آخرون أن العملية تحتاج “عدة سنوات”.
وأوضحت أن الوقت ينبغي أن يكون كافيا لإخراج قادة جدد قادرين على تحمل تطلعات وتنوع شعب بأكمله وكتابة عقد اجتماعي جديد، “لأن حركة 22 فبراير/شباط إذا لم تكن لديها وسائل لتحقيق المساواة الحقيقية، فإن الثورة محكوم عليها بالفشل، وسوف تكون خطوة في الفراغ” كما ترى الكاتبة والناشطة النسوية وسيلة تامزالي.
وتقول عالمة الاجتماع المتخصصة في تاريخ الحركة النسائية بالجزائر فريال لالامي إن مبدأ المساواة هو “الحد الأدنى” مشددة على أن “النساء الحاضرات في الأحزاب التقدمية والنقابات والمجتمع المدني سوف يضعن حدا للخيانة التي كانت في فترة ما بعد الاستقلال عام 1962، وإصدار قانون الأسرة عام 1984”.
ومع أن تونس -التي واصلت ثورتها الديمقراطية عام 2011- لا تزال معرضة لخطر ثورة مضادة، لا سيما تحت تأثير الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيئ، فإن ذكرها يحضر بانتظام في القاعة كمثال يمكن احتذاؤه.
وبالنسبة لعبد الكريم بودرة العضو بمؤسسة “نبني” الفكرية التي حللت حوالي أربعين عملية انتقال في العالم “يجب أن يكون التحول الاقتصادي في قلب التحول السياسي، لأن الاقتصاد جوهر حياة الناس ولا يقتصر على إدارة الشؤون اليومية كما فعل نظام بوتفليقة”.
ويرى بودرة أن إصلاحات اقتصادية وسياسية كبرى يجب أن تتم في نفس الوقت وبسرعة قبل أن نبدأ بدفع ثمن الأخطاء الاقتصادية لعصر بوتفليقة، لأن القوة الشرائية ستنهار، مما قد يعرض الانتقال السياسي للخطر.
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة باريس دوفين محود محود أن “تطهير الأنظمة الاقتصادية أمر لا محيد عنه” ولكنه يرى “ضرورة البدء باستعادة حكم القانون وإقرار القواعد القانونية في التجارة لإعادة الشركات الكبرى إلى الجزائر”.
ومع أن الكثيرين يشكون في أن السلطات العسكرية -التي تتمسك بالعديد من الأدوات الاقتصادية- قد توافق على التنازل عنها، فإن بودرة يعتقد أن “التفاوض مع الجيش قد بدأ” وحسب رأيه فإن الجيش “واحدة من المؤسسات القليلة التي ظلت واقفة على قدميها، وبالتالي يجب الحفاظ عليها ومحاورتها”.
وختمت الصحيفة بتعليق لمدير المجموعة الأفريقية للأزمات كوريسي كوندي، قال فيه إن الجزائر الآن محط أنظار أفريقيا الفرنكوفونية، وإن هذه الثورة تجاوز للتاريخ، تلقي به الجزائر الشك في الطريقة التي أديرت بها مرحلة ما بعد الاستعمار، مؤكدا أن “هذه الحركة السلمية جلبت الأمل إلى المجتمعات المدنية في غرب أفريقيا”.