لن يكون للمتابعات القضائية التي زجّت في الأسابيع القليلة الماضية أية فائدة الاقتصادي الجزائري والخزينة العمومية، إلاّ في حال استرجاع السلطات العمومية الأموال التي نُهبت على مدار العشريتين الماضيتين، وهو الهدف الذي ستخوض الجزائر معركة طويلة الأمد قبل تحقيقه في ظل الإجراءات التي تحكم التعاملات المالية والعلاقات الدولية مع مختلف البلدان والمؤسسات المصرفية التي توجد بها الأرصدة والحسابات للمتورطين في قضايا الفساد.
وعلى هذا الأساس، يبقى اهم سؤال يطرحه المواطنون الذين خرجوا في مسيرتهم الطويلة للتغير، حاملين على كواهلهم شعارات “يتحاسبو قاع” بعد “يتنحاو قاع” هي هل بالإمكان استرجاع الأموال المهربة، المؤخوذة بالطريقة غير الشرعية، وذلك إثر سجن مجموعة المتعاملين الاقتصاديين بتهم الفساد والتهريب وتضخيم الفواتير،
وفي هذا الشأن، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية والمالية، سليمان ناصر، في تصريح لـ”سبق برس” على ضرورة تفعيل وتجسيد الاتفاقيات الدولية المبرمة من قبل الجزائر، مشيرا إلى أنه على السلطات العمومية تنشيط الدبلوماسية الوطنية والعلاقات مع مختلف الدول لاستعادة هذه الأموال، من منطلق أنّ الاتفاقيات الموقعة تنص على حالات التعاون في مجال مكافحة الفساد، على الرغم من أنّه توقع أن يطول مسار المفاوضات لتحقيق هذه النتائج.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنّ العديد من المتعاملين الاقتصاديين المتورطين في مثل هذا النوع من المعاملات، عادة ما تتخذون وجهة لهم للفتح الحسابات البنكية وإيداع أرصدتهم المالية الكبيرة ما يصطلح على تسميته بـ”الجنات الضريبية”، بالنظر إلى جملة المزايا التي تمنح لهم في شكل “حماية”، من غير اعتبار باي حال من الأحوال لمصدر المال أو طرق وصوله.
واعتبر المتحدث أيضا أنّ الأموال المهربة للخارج تعتبر القسم الأول، يضاف إليه الأموال الموجودة داخل الوطن في أشكال متعددة، والتي من المقرر أنّ تجد الجهات المسؤولة سهولة أكبر في استعادتها، في الحصول على الحكم القضائي النهائي يمكن الاستناد إليه للحصول عليها، من خلال الإمكانيات التي تتيحها تحويل العقارات إلى أموال عبر بيعها في إطار المزاد العلني، على أنّه دعا إلى التحفظ على الشركات والمصانع المعنية، مع الإبقاء على نشاطها لضمان الحفاظ على مناصب العمل الموجودة، وإيجاد السبل الممكنة للاسترجاع الأموال سواء تلك المتعلقة بالقروض البنكية أو بغيرها.
ومن جهتها ذكرت الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد في تقريرها الأخير، تحتفظ “سبق برس” بنسخة منه، أنّ استرجاع الأموال المنهوبة والمهربة مرتبط بالإرادة السياسية، التي غابت عن دوائر صناعة القرار منذ سن 2000 لم تكن إذ لم تظهر أي إستراتيجية واضحة المعالم للوقاية من الفساد ومكافحتة، وأشارت إلى التقارير المنظمات الدولية تنص على استشراء الفساد وهذا مؤشر اساسي على انه لا يوجد استراتيجية ولا نية سياسية للوقاية من الفساد ومكافحته على غرار “الشفافية العالمية غلوبال انتغاريتي”. فبعدما كان الفساد مدرج في النصوص العامة ” قانون العقوبات” قبل الإمضاء على الاتفاقية الدولية للوقاية من الفساد ومكافحته وصدور قانون06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، كانت قضايا الفساد تكيف حسب الأموال المبددة، أي ان جريمة الفساد كانت تعتبر جناية اذا كانت الاموال المبددة معتبرة، وبعد صدور القانون السالف الذكر أصبحت جريمة الفساد تكيف على أنها جنحة مهما بلغ حجم الأموال المبددة و المحولة.
وأشار تقرير الجمعية إلى أنه بعد إمضاء الاتفاقية لأمم المتحدة، تحفظت الدولة الجزائرية على المادة 66 مكرر التي تنص على التقاضي الدولي بين الدول المنخرطة في حالة نزاع، هذا التحفظ يكشف نية النظام الجزائري على خوفه من التقاضي الدولي، القضاء الدولي خارج سيطرة النظام الجزائري حيث لا يمكنه السيطرة عليه فعليا، وموازاة تبنت الجزائر حسب تقرير الجمعية يساعد الفساد والمفسدين من خلال إصدار قانون مكافحة الفساد متساهل جدا وغير مقنع في عام 2006، حيث أقصى عقوبة هي 20 سنة، إدراج الفساد في مربع الجنح مما ترتب عنه نقص في مدة التقادم من 10 الى 3 سنوات مما تسبب في تقادم أكثر من 6000 قضية فساد منذ صدور القانون الى غاية سنة 2010، بالإضافة إلى إصدار قوانين تقيد التبليغ عن الفساد لاسيما ما ورد في النص التعديلي لقانون الإجراءات الجزائية وبخاصة المادة 6 مكرر التي لا تسمح للعامة بالتبليغ عن الفساد في المؤسسات الاقتصادية (مجلس الإدارة هو من له الحق وحده بالتبليغ عن قضايا فساد بالمؤسسة).