نصف الحكومة الفرنسية في الجزائر لتجسيد الشراكة الاستثنائية؛ وجدل الذاكرة الاستعمارية يتجدد

11
نصف الحكومة الفرنسية في الجزائر لتجسيد الشراكة الاستثنائية؛ وجدل الذاكرة الاستعمارية يتجدد
نصف الحكومة الفرنسية في الجزائر لتجسيد الشراكة الاستثنائية؛ وجدل الذاكرة الاستعمارية يتجدد

أفريقيا برس – الجزائر. بعد نحو شهر ونصف عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، حلت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن بالبلاد، اليوم الأحد، مصحوبة بنصف أعضاء حكومتها وعدد كبير من رجال الأعمال الفرنسيين. ويعول على هذه الزيارة، في تفعيل “الشراكة الاستثنائية” بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية التي تبحث فيها باريس عن استعادة موقعها الاستراتيجي الذي تراجع لحساب قوى أخرى تنافسها على السوق الجزائرية.

يُنتظر بمناسبة زيارة بورن، أن تنعقد اللجنة الحكومية الرفيعة بين البلدين التي لم تجتمع منذ سنة 2017، بسبب الظروف التي تلت تلك الفترة من تغيير سياسي في الجزائر بعد الحراك الشعبي، ثم جائحة كورونا التي عطلت التواصل بين البلدين، وأخيرا الأزمة الدبلوماسية التي عصفت بين الجزائر وفرنسا لمدة قاربت الأربعة أشهر، بعد تصريحات الرئيس الفرنسي الشهيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021 التي وجّه فيها انتقادا لاذعا للنظام في الجزائر، وتحدث بشكل مسيء عن التاريخ الجزائري.

وستشهد هذه اللجنة الحكومية المشتركة حضور 16 وزيرا فرنسا أي ما يشكل نصف الحكومة الفرنسية، في سابقة بتاريخ العلاقات بين البلدين. كما سيعقد منتدى رجال الأعمال الجزائريين الفرنسيين بحضور ممثلين عن منظمات أرباب العمل الفرنسيين ونحو 80 رجل أعمال فرنسي ينشطون في مختلف القطاعات التي ستشكل مباحثات الشراكة. ويعول على هذه الاجتماعات الرفيعة في أن تفك القيود على مشاريع صناعية ظلت معطلة في قطاع السيارات والطاقة والتكوين في المجال الرقمي وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة إلى إطلاق مشاريع مشتركة في مجال الأتربة النادرة والطاقات البديلة.

وفي حوار لها مع جريدة “الخبر” وموقع “كل شيء عن الجزائر” يستبق مجيئها، ذكرت بورن أن “زيارة الجزائر أمر مهم لأي مسؤول فرنسي”، مشيرة إلى أنها ستحل بالجزائر “على رأس وفد وزاري ضخم، وهذا أمر لم يسبق أن حصل، إذ يرافقني تقريبا نصف أعضاء الحكومة”. وأبرزت أن مباحثاتها ستندرج في إطار إعلان الجزائر الذي صدر في 27 آب/ أغسطس، وفي ظل التزام البلدين بإعادة ربط شراكة استثنائية، وتعزيز مستوى التعاون على جميع الأصعدة سياسيا، إداريا وتقنيا.

وأشارت بورن إلى أن موضوع الطاقة لن يكون محور زيارتها، لأن الغاز “لا يمثل سوى 20% من الخليط الطاقوي الفرنسي، إذ تعتمد فرنسا بشكل أقل على واردات الغاز مقارنة بدول أوروبية أخرى، وفي هذا الخليط الطاقوي، تمثل الجزائر حوالي 8 إلى 9% من مجموع واردات فرنسا من الغاز”. لكنها أكدت في نفس الوقت، أن بلادها “ترغب في مواصلة تطوير شراكتنا مع الجزائر في هذا القطاع، لا سيما فيما يخص الغاز الطبيعي المسال، وكذا للرفع من فعالية القدرات الجزائرية لإنتاج الغاز، ما يسمح بزيادة قدراتها التصديرية نحو أوروبا”.

وشددت الوزيرة الأولى الفرنسية في موضوع التأشيرات، على أن هذا الفعل سيادي، مؤكدة أن “مقاربتنا المشتركة للهجرة تركز أكثر على الهجرة المنتقاة، للطلبة والمقاولين والمسؤولين السياسيين والباحثين والفاعلين الثقافيين والرياضيين، مع صرامة أكبر في محاربة الهجرة غير الشرعية”. وأبرزت أن السلطات الفرنسية في حوار مع نظيرتها الجزائرية “لجعل تعاوننا في مجال الهجرة أكثر انسيابية وأكثر فعالية، لأن تعزيز التنقل الشرعي وإفشال التنقلات غير الشرعية يعود بالفائدة المشتركة على بلدينا”. ونفت أن تكون فرنسا قد توقفت عن إصدار التأشيرات للجزائريين، حيث تم إصدار 85 ألف تأشيرة هذه السنة إلى غاية 31 أغسطس الماضي، وفق قولها.

وفي موضوع الذاكرة الشائك، أوضحت بورن أن المقاربة الفرنسية تنظر إلى الحقائق التاريخية وجها لوجه بكل تواضع وبصيرة، لافتة إلى أن “هذا الالتزام هو في قلب العلاقات الثنائية، كما يشهد عليه القرار المشترك للرئيسين ماكرون وتبون بخلق لجنة من المؤرخين للعمل معا على إيجاد نقاط التوافق التي تمكّن من بناء الذاكرة بشكل هادئ”. واعتبرت المسؤولة الفرنسية أن “هذا العمل الموجه للنظر في حقائق تاريخنا المشترك من شأنه أن يشكل فضاء للاعتراف المتبادل، وهو شرط تطوير علاقاتنا المستقبلية”.

وتثير مسألة “الاعتراف المتبادل” الواردة على لسان بورن، حساسية لدى الطرف الجزائري ظهرت في تجاهل تقرير المؤرخ بنجامين ستورا حول الذاكرة في كانون الثاني، يناير 2021، والذي اعتبرته الأوساط الجزائرية موجها بالدرجة الأولى للداخل الفرنسي بالنظر لنقله معاناة الجزائريين والمعمرين بشكل متساو، في حين أنه لا مجال للمقارنة.

وتقع الحكومة الفرنسية فيما يتعلق بالذاكرة مع الجزائر تحت ضغط لوبيات الأقدام السوداء (المعمرون الفرنسيون في الجزائر) والحركى (جزائريون حاربوا مع فرنسا في فترة الثورة التحريرية) وهي مجموعات تطالب من جهتها بالاعتراف بالمعاناة التي لحقت بها في أحداث صاحبت خروجها من الجزائر. لكن السلطات الجزائرية ترفض أي تنازل حول هذا الموضوع.

وكان الرئيسان عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون قد اتفقا مؤخرا خلال الزيارة الأخيرة، على إنشاء لجنة مشتركة “غير مسيسة” من المؤرخين للعمل على موضوع الذاكرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here