انتخابات مجلس الشيوخ المصري.. غياب التنافسيّة

2
انتخابات مجلس الشيوخ المصري.. غياب التنافسيّة
انتخابات مجلس الشيوخ المصري.. غياب التنافسيّة

شريف هلالي

أفريقيا برس – مصر. تنفرد الاستحقاقات الانتخابية في مصر بميزة استثنائية من نظيرتها في العالم، بإمكانية تخمين نتائجها بشكل مسبق، ليس من الخبراء والمراقبين فقط، بل حتى من المواطن غير المسيّس. ولم يفشل هذا الاختبار أبداً منذ عام 2014 في كل الجولات السابقة، ربّما باستثناء تلك الانتخابات التي شهدت إشرافاً قضائياً حقيقياً ونظاماً انتخابياً يحترم التعدّدية على غرار انتخابات 2012. في هذا السياق تأتي انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة، التي جرت أمس، 1 أغسطس/ آب. ويلاحظ اعتماد تسمية “الشيوخ” تقليداً للنموذج الأميركي في الشكل دون المضمون، إذ لا يتمتّع المجلس بصلاحيات رقابية حقيقية، ولا تتجاوز وظيفته أخذ رأيه في بعض الموضوعات، منها تعديلات الدستور ومشروعات القوانين التي تُحال عليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ويُعتبر النسخة الرديئة لمجلس الشورى السابق. وجرى إنشاء المجلس وفقاً للتعديلات الدستورية في 2019، ويتكوّن من 300 نائب، يعيّن ثلثهم رئيس الجمهورية، وينتخب الثلثان الآخران وفق نظام القائمة المطلقة المغلقة والفردي مناصفةً.

ويدخل سباق هذا الاستحقاق الانتخابي تحالف أحزاب الموالاة تحت مسمّى “القائمة الوطنية من أجل مصر”، التي تضمّ مائة عضو ضمن نصابات محدّدة، حاز ثلاثة أرباع القائمة كلّ من أحزاب مستقبل وطن والجبهة الوطنية وحماة وطن، بينما توزّعت المقاعد المتبقية (25 مقعداً) على الأحزاب التسعة الأخرى. والمفارقة أن الجبهة الوطنية، التي يرعاها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حظيت بـ12 مقعداً في القائمة، بالرغم من أنها وافد جديد على الحالة الحزبية، وعمرها لا يتجاوز العام. وضمّت القائمة أحزاباً أخرى في الحركة المدنية تشارك للمرة الثالثة، وهي المصري الديمقراطي والعدل والإصلاح والتنمية، إلى جانب حزب الوفد العريق، الذي لم يتجاوز نصيبه “عضوين” في القائمة، في إهانة كبيرة لتاريخه السياسي والبرلماني، وهي الحصيلة الأقلّ بالنسبة إليه بالمقارنة بأحزاب أخرى أُنشئت بعد 2011، ما خلق انقسامات داخل الحزب لم تنته حتى الآن.

والإشكالية الأساسية أن نظام القائمة المطلقة الذي تجرى الانتخابات وفقاً له يهدر 49% من أصوات الناخبين، وتضمن القائمة الفائزة بـ51 % كلّ المقاعد المائة. ودأبت الحكومة المصرية منذ عام 2014 على إجراء كلّ الانتخابات وفقاً لهذا النظام، بالرغم من انتقادات أحزاب الحركة المدنية، التي سبق أن شاركت فيما سُمّي بـ”الحوار الوطني”، الذي وضع ثلاثة اقتراحات أمام رئيس الجمهورية، هي استمرار النظام الانتخابي الحالي، أو تطبيق القائمة النسبية بالكامل، ونظامٌ مختلطٌ يجمع بين مقاعد الفردي والقائمتين المغلقة والنسبية، ولم تتضمّن التعديلات الماضية لقانون المجلس أيّاً من تلك المقترحات، حتى في الحدّ الأدنى بالجمع بين القوائم النسبية والمطلقة، في تجاهل واضح لما اتُّفق عليه. والأسوأ أنه لم يُسمح لأيّ قوائم حزبية أخرى بالترشّح بسبب الجدول الزمني المضغوط للانتخابات، وهو ما يعني فوز قائمة الدولة بكلّ مقاعدها، ولا يتبقّى إلا مقاعد الفردي التي ترشّحت أحزاب الموالاة نفسها فيها، وفي الغالب ستحسم أغلب هذه المقاعد لصالحها، لتمتّعها بإمكانات هائلة مادّياً وسياسياً.

ويمكن اعتبار إجراء هذا الشكل الانتخابي إهداراً للأموال، خصوصاً أن نتيجتها معروفة مسبقاً، وهي هيئة لا تحمل أيّ صلاحيات حقيقية مماثلة لصلاحيات مجلس النواب. ويُظهر هذا المشهد عدداً من الدلالات أهمها تجاهل الإدارة المصرية مطالب المعارضة كافّة بإقرار نظام انتخابي يسمح بالتمثيل الحزبي للأحزاب الأخرى ويخلق مناخاً تنافسياً حقيقياً وضمانات كافية للحياد، وهو الذي يحقّقه نظام القوائم النسبية، التي تعطي المقاعد لكل حزب وفق عدد أصواته. ومن دلالاته أيضاً أن اعتماد منهج الدوائر الانتخابية الكبيرة، على مستوى القوائم أو الفردي، يشير إلى نيّة إضعاف الأحزاب المعارضة التي لا تتمتّع بالإمكانات التي تحظى بها الموالاة. كما تؤشّر النصابات التي وزّعت على الأحزاب في القائمة الرسمية أنها مفصّلة بشكل كامل لصالح أجهزة الدولة، ويبدو أن هذا التقسيم سيُعتمد في انتخابات مجلس النواب، وكأن هذه المقاعد مكافأة لأحزاب الموالاة أو لبعض الأحزاب المقرّبة منها.

الإصرار على هذا النظام يضعف المشاركة السياسية الحقيقية للمواطنين، ويتجاهل أن هؤلاء النواب يجب أن يُختاروا من جانب المواطنين، ومن حقّهم أن يروا بدائل متعدّدة ليختاروا من بينها، لا أن يتم فرض قائمة واحدة لإنجاحها بدعم أجهزة الدولة، وإجهاض ترشّح أيّ قوائم أخرى. ويضع اعتماد نظام القوائم المطلقة علامات استفهام حول مدى نجاح نظرية “الحيّز المتاح”، التي يتبنّاها بعض ممثّلي المعارضة في تلك الانتخابات، وهل حقّقت هذه الفكرة أهدافها في توسيع المشاركة السياسية وزيادتها والضغط على النظام لتحقيق إصلاحات ديمقراطية من داخل الحوار؟

يعكس الإصرار على إجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بهذا النظام الانتخابي نفسه، استهانة أجهزة الدولة بمطالب الحركة المدنية، واتخاذها “الحوار الوطني” مجرّد آلية شكلية لتقديم صورة إيجابية عن النظام السياسي في المحافل الدولية. ومن الواضح أن ذلك النظام سيرسّخ النفوذ ذاته لأحزاب الموالاة، ويكرّر الإطار نفسه الذي سارت عليه انتخابات 2015 و2020، في غياب تمثيل حقيقي لأحزاب المعارضة والمستقلّين، وهو ما سيؤدّي إلى أن يكون المجلس المقبل نسخةً من المجالس السابقة، ويرسّخ سيطرة السلطة التنفيذية على البرلمان. أمر آخر يتعلّق بعجز المعارضة عن الالتقاء عند مطالب موحّدة، والضغط على الإدارة لتحقيقها، إذ بدا الخلاف في تقدير المواقف بشكل مستمرّ، وهو ما ظهر في الانتخابات الرئاسية السابقة. ويبدو أن الحركة المدنية ستتخذ موقفَ المقاطع لهذه الانتخابات ترشّحاً أو تصويتاً، إذ خلت قوائم المرشّحين من أيّ أسماء لمرشّحي أحزابها. ويمكن إرجاع سبب ذلك لاعتبارها مجلس الشيوخ هيئةً من دون صلاحيات حقيقية.

السؤال الأكثر أهميةً: هل لا يزال هناك أمل في تحقيق أيّ إصلاحات ديمقراطية وفقاً للمنهجَين المعتمدَين حتى الآن في مصر، سواء بالمقاطعة الدائمة أو بإعمال نظرية الحيّز المتاح، التي يعتمدها بعضهم مبرّراً للاستمرار في المشهد السياسي؟ وهل هناك خيارات أخرى لدى القوى المُعارِضة لسياسات النظام؟ وما هو موقع الحراك الشعبي الحاضر الغائب في هذا السياق وهو الهدف الرئيس؟ وكيف تُجذَب الأغلبية الصامتة التي تئنّ تحت الظروف الاقتصادية الصعبة، في ظلّ وضع سياسي يستبعد المشاركة الشعبية والحزبية الفاعلة في أهم استحقاق سياسي وهو الانتخابات؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here