رسائل انتخابات نقابة الصحافيين المصريين

9
رسائل انتخابات نقابة الصحافيين المصريين
رسائل انتخابات نقابة الصحافيين المصريين

شريف هلالي

أفريقيا برس – مصر. جاءت نتيجة انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحافيين المصرية بما يشبه زلزالاً سياسياً بفوز الصحافي خالد البلشي بمقعد النقيب على المرشّح، رئيس تحرير صحيفة الأخبار ووكيل النقابة السابق والمدعوم من أجهزة الدولة، خالد ميري، وكانت أقصى التوقعات تفاؤلاً بأن ترشيح البلشي يمكنه تحقيق معركة ما في ملفّي الصحافيين المحبوسين وحرية الرأي والتعبير في مصر. وفاز البلشي بـ 2450 صوتاً مقابل 2211 صوتاً لمنافسه، كما أسفرت نتيجة التجديد النصفي عن فوز أربعة من المرشّحين المعارضين لمسار المجلس السابق. وجاءت تلك الانتخابات بعد انتهاء مدة النقيب السابق، ضياء رشوان، المقرّب من أجهزة الدولة، والذي كان يتولى موقع رئيس الهيئة للاستعلامات، إلى جانب موقعه النقابي منذ عام 2019. والمفارقة المهمة أن البلشي لا ينتمي لأي من المؤسسات الصحافية الكبرى، بعكس سابقيه الذين جاءوا من مؤسسات تضم كتلاً تصويتية كبيرة من الجمعية العمومية، وهو يرأس تحرير موقع درب الإخباري، والذي جرى حجبه داخل مصر ضمن مئات المواقع الأخرى، وسبق أن تولى إدارة مواقع أخرى جرى حجبها أيضاً!

وقد أحدثت هذه المعركة دوياً كبيراً على الساحة السياسية المصرية، ورأى فيها كثيرون بشارة لانتصاراتٍ مماثلة للمعارضة في أي انتخابات مقبلة، شرط وجود ضماناتٍ تؤكّد نزاهتها. وجاءت هذه النتيجة بالرغم من إجراء هذه الانتخابات في ظل حصار شبه كامل للحركة النقابية، من خلال دعم الدولة مرشّحين بعينهم على مجالس النقابات، وتقييد كامل لحرية الإعلام، وسيطرة رسمية على كل المنابر، بما فيها الفضاء الإلكتروني، من خلال الشركة المتحدة التابعة للدولة، بالإضافة إلى الهيئة الوطنية للإعلام ونظيرتها للصحافة.

وهناك رسائل وراء هذا الانتصار المهم في نقابة من أهم النقابات المهنية، والتي شهدت أهم الاحتجاجات ضد نظامي حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي: أولها فوز مرشّح من المنتمين لثورة 25 يناير، والمعبّرين عن أهدافها على المستويين، النقابي والإعلامي، وهو ما يأتي بالرغم من التصريحات الدائمة للسلطة بشيطنة الثورة، وتحميلها فاتورة كل المشكلات الاقتصادية التي تعيشها مصر، وهو التوجّه الذي تختلف معه القوى والأحزاب السياسية المعارضة، ويتناقض أيضاً مع نصوص الدستور التي نصت على الإيمان بقيم ثورتي 25 يناير و30 يونيو في ديباجته الأساسية.

ثانيها: الحضور الكبير من الجمعية العمومية ورفض قطاعٍ غالبٍ منها سياسات النظام بتدجين النقابة وإضعاف دورها، وفي الوقت نفسه رفض الضغوط المتوالية على الصحافيين من خلال التلويح بزيادة البدل المالي، وبعض الخدمات المحدودة التي يعدهم بها المرشّحون المدعومون من الدولة، وهو ما سبق أن فعلته الجمعية العمومية للمهندسين بنجاح مرشّح تيار الاستقلال على مقعد النقيب.

ثالثها: أبرزت تلك الانتخابات سخط القطاع الغالب من الصحافيين على الوضع النقابي المتردّي، في ظل قيادتها السابقة التي شهدت إغلاق مبنى النقابة أمام أي دور مهني وعام طوال الست سنوات الأخيرة، وتجميد مجلس النقابة، والاكتفاء بتمرير قرارات المجلس عبر الإنترنت، والاستهانة بدور الجمعية العمومية بعدم عرض الميزانيات السنوية في اجتماعاتها الدورية.

رابعها: رفض ثنائية الاختيار بين مرشّح الخدمات ومرشّح الحريات (أو نظرية الجنيه مقابل الكارنيه)، والتي سادت خلال السنوات الماضية، وارتهان الصحافيين لحقوقهم النقابية بتفضيل مرشّح مقرّب من الدولة يمكنه تحقيق خدمات الصحافيين بعكس المرشّح المعارض الذي سيؤدّي إلى الصدام مع الدولة!

خامسها: أكّدت الانتخابات سقوط خرافة هيمنة المؤسسات الصحافية الرسمية على التصويت الانتخابي، وهو ما ظهر في تصويت قطاع كبير داخل هذه المؤسّسات نفسها للبلشي ورفاقه، لأنهم أيضاً أصبحوا متضرّرين من وضعية تدهور حريات الرأي والتعبير، وضاعت حقوقهم داخل مؤسّساتهم من خلال الخصومات المالية والفصل التعسّفي، وصولاً إلى القبض على صحافيين في هذه المؤسسات، واستمرار حبس عشرات من الصحافيين بالاتهامات المعتادة نفسها، وقد حدث ما يشبه ظاهرة التصويت العقابي ضد مرشّح الدولة من قطاع كبير من هؤلاء الصحافيين، بما فيهم العاملون في المؤسّسات القومية.

وقد حملت هذه المعركة احتجاجاً ضمنياً على دورٍ آخر لعبته بعض القنوات القضائية والصحف، بالانحياز للمرشّح خالد ميري، في مقابل تجاهل البلشي، وإبراز تصريحاته بالعمل على زيادة البدل المالي، ووعوده بالإفراج عن الصحافيين المحبوسين.

وليست هذه المرّة الأولى التي يتولى فيها مرشّح مستقلّ مقعد النقيب، حيث سبق للجمعية العمومية انتخاب ضياء رشوان في 2011، وقت أن كان محسوباً على تيار الاستقلال، وجلال عارف ضد مرشّحي السلطة مكرم محمد أحمد وإبراهيم نافع، ويحيى قلاش عام 2015 في مجلس كان من ضمن أعضائه خالد البلشي نفسه وجمال عبد الرحيم، وتعرّض الثلاثي لحكم بالحبس عاماً مع وقف التنفيذ في 2017، لاتهامهم بنشر أخبار كاذبة على خلفية اقتحام بعض رجال الأمن مبنى النقابة، والقبض على اثنين من الصحافيين المعتصمين داخلها، في أعقاب مظاهرات الاحتجاج على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، بالمخالفة للقانون، ومن دون حضور ممثل النقابة.

ورغم أهمية هذا الانتصار، والذي يؤكّد دور الجمعية العمومية وقدرتها على فرض اختياراتها، ونجاحها في إجبار النظام على إجراء انتخابات تحت رقابتها، ويعكس رغبتها في مرشّحٍ يعبر عنها وعن طموحات وآمال الصحافيين، ورفض أي محاولاتٍ للالتفاف على هذه النتيجة، فإنه لا يجب المبالغة في الآثار المتوقعة للنتيجة، في ضوء الوضع السياسي وطبيعة التوازنات القائمة التي تعكس قواعد اللعبة ذاتها بهيمنة السلطة التنفيذية على مقادير الأمور، واستمرار القيود على الحقوق والحريات، وتهميش استقلال القضاء، وتغييب ضمانات المحاكمة العادلة، وحصار الأحزاب والقوى السياسية.

فماذا تستطيع نقابة الصحافيين المصريين أن تقوم به في ظل قيادتها الجديدة؟ وما المهام التي عليها التركيز عليها، بما يؤدّي إلى تجنّب حدوث صدامٍ مبكّرٍ مع أجهزة الدولة؟ يمكن البدء بتفعيل دور الجمعية العمومية والضغط في ملفات عدة، منها تغيير التشريعات الحاكمة للعمل الصحافي والإعلامي، وإخلاء سبيل الصحافيين المحبوسين، وتنفيذ نصوص الدستور التي تضمن عدم حبس الصحافيين احتياطياً في قضايا النشر، والتأكيد على احترام حرية الإعلام وحقوق المواطنين في الرأي والتعبير، ووقف حجب المواقع المختلفة. كما يمكن أن تلعب النقابة دوراً مهماً في التفاوض مع مجالس إدارات المؤسّسات الصحافية لكفالة حقوق الصحافيين، وتحديث لوائح العمل الخاصة بهم، وفتح ثغرة في جدار الصوت الإعلامي الواحد، والذي أدّى إلى وجود مصر في ترتيب متأخّر في حرية الصحافة دولياً وعربياً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here