صندوق قناة السويس؛ خشية الشارع المصري من الخصخصة

14
صندوق قناة السويس؛ خشية الشارع المصري من الخصخصة
صندوق قناة السويس؛ خشية الشارع المصري من الخصخصة

عادل صبري

أفريقيا برس – مصر. أشعلت الحكومة المصرية أزمة منذ بداية الأسبوع الجاري، لم تستطع إطفاء نيرانها، بعد تقديم مشروع قانون بتعديل يسمح بإنشاء صندوق خاص بهيئة قناة السويس له حق استغلال أصوله بالبيع والشراء والتأجير. تسربت أنباء الخلافات حول مشروع القانون إلى المواطنين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت أحكمت الأجهزة الأمنية قبضتها على الصحف ووسائل الإعلام، فظهرت أنباء عن غضب بمجلس النواب، أثناء مناقشة مواد مشروع القانون.

أصيب المصريون برعب على مستقبل “القناة” باعتبارها “أيقونة وطنية” يُمنع المساس بها. وتحولت المناقشات الساخنة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مباراة مشتعلة بين الرافضين والداعمين لمشروع القانون، التي ظهرت ملامحه صباح الإثنين الماضي. أطراف تخشى التفريط في “أيقونة الوطن” التي بذل عشرات الآلاف أرواحهم في حفرها، وقضى مئات آلاف آخرون أثناء الدفاع عنها، منذ بداية الاحتلال الإنكليزي نهاية القرن التاسع عشر، وامتدادا بالعدوان الإسرائيلي الفرنسي البريطاني عام 1956، ومرورا بحرب 5 يونيو 1967، وما بعدها من عمليات الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973.

الدولة ملزمة بحماية القناة

الخائفون يؤكدون أن الحكومة التي تنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ويأمرها صندوق النقد الدولي بالتفريط في مؤسسات الدولة، وبيعها للأجانب، من أجل قروض لمشروعات لا يستفيد منها الشعب، لن تتورع عن التفريط في أيقونة الوطن التي تدر نحو 7 مليارات دولار لموازنة الدولة سنويا.

وفي مقابل الهجوم الشرس على خطوة الحكومة خصخصة قناة السويس بشكل غير مباشر، اعتبر رئيس مجلس النواب حنفي جبالي حملة الرفض التي تحولت إلى موجة شعبية، على كافة وسائل التواصل الاجتماعي، عارية من الصحة، يقودها “بعض المحسوبين على النخبة المثقفة”.

أوضح رئيس البرلمان، أن مجلس النواب وافق على القراءة الأولى لمشروع قانون لإنشاء صندوق تابع لهيئة قناة السويس، لا يتضمن أية أحكام تمس قناة السويس، لكونها من أموال الدولة العامة، لا يجوز التصرف بها أو بيعها”.

أضاف حنفي أن الدولة ملزمة وفقا للمادة 43 من الدستور بحماية القناة وتنميتها، والحفاظ عليها باعتبارها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتبارها مركزا اقتصاديا متميزا.

ينص المشروع على تعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس على “إنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس لزيادة قدرة الهيئة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة للهيئة وتطويرها، وتمكينها من مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية، أو قوة قاهرة، أو سوء في الأحوال الاقتصادية”.

يسمح مشروع القانون للهيئة بالقيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك مساهمة الصندوق بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات أو في زيادة رؤوس أموالها والاستثمار في الأوراق المالية. ويستهدف تمكين الصندوق من شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.

حدد القانون رأس مال الصندوق المرخص بقيمة 100 مليار جنيه (الدولار = نحو 24.7 جنيها)، ورأس ماله المدفوع بـ 10 مليارات جنيه، على أن تكون للصندوق الشخصية الاعتبارية، الذي يمكن تمويله من نسبة من إيرادات قناة السويس وفوائض أموال الهيئة، بعد الاتفاق مع وزير المالية، وعائد إيرادات استثمار الصندوق، وأية موارد تحقق أهدافه، يقرها مجلس الإدارة ويقبلها رئيس مجلس الوزراء.

الأزمة المالية كلمة السر

لم ينشغل جمهور الغاضبين بتفاصيل مشروع القانون الذي لا يزيد عن مادتين، رغم أهمية كل جزء فيهما، إلا بجملة فاصلة، وهي أن الصندوق له حق “شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها”، معتبرين تلك العبارة هي بداية خصخصة قناة السويس.

صدرت شائعات، بأن الحكومة عقدت صفقات سرية مع دولة خليجية تسعى إلى الهيمنة على مقدرات القناة، وتريد السيطرة على قناة السويس منذ فترة، ومع تراكم الديون على مصر، تسعى إلى إقراض الحكومة عدة مليارات من الدولارات، من أجل المشاركة في ملكيتها أو الحصول على حق الانتفاع بها لفترة لا تقل عن 25 عاما.

اتهم آخرون النظام، بأن الأزمة المالية التي صنعها بإسرافه في مشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية، يحاول الخروج منها بمزيد من القروض، وعندما لم يستطع حلها، لن يتورع عن خصخصة المشروعات الكبرى، ولو كانت قناة السويس، حسب خبراء اقتصاد.

أبدى الخبراء تعجبهم من إصرار الحكومة على إنشاء “صندوق خاص” لاستثمار قناة السويس، بينما لديها 6 شركات كبرى تقوم بهذه الاستثمارات منذ سنوات، وعلى رأسها شركات “التمساح” لإنشاء السفن والكراكات، التي تعمل في تعميق وحفر القناة، بالإضافة إلى الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، التي أصبحت بمثابة شركة قابضة تهيمن على الأراضي وكافة المشروعات الكائنة حول مجرى القناة، وأنشأت أخيرا شركة مساهمة برأسمال 10 مليارات جنيه، مع مجموعة السويدي، تتولى إنشاء وتطوير الموانئ والمناطق الحرة والتجمعات الصناعية القريبة من مجرى القناة.

مخاوف من الخصخصة

وصف عضو مجلس النواب، محمد عبد العليم، مشروع القانون بأنه يفرغ هيئة قناة السويس من أصولها، ويحول المال العام إلى خاص.

وقال الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب: عند إعداد دستور 2012، ودستور 2013، طالبنا بالنص على “عدم المساس بقناة السويس والمنطقة المحيطة بها، أو طرح أسهمها في البورصة، أو بيع جزء منها أو كلها، أو تأجير جزء منها أو كلها”، وعندما اطلعنا على التعديلات التي طلبتها الحكومة على القانون رقم 30 لسنة 1975، الذي يحدد نظام الهيئة، وقرأنا التعديلات عدة مرات، لم نفهم الغرض من التعديل المقترح، إلا في إطار أن يتجه للخصخصة، الذي أتمنى أن يكون غير ذلك.

ومن جانبه، وجه القيادي بحزب الوفد مدحت خفاجي رسالة شديدة اللهجة لرئاسة الجمهورية، يحذر فيها من المساس بوضع قناة السويس والتفريط في أصولها، باعتبارها “أيقونة وطنية سالت على أرضها دماء آلاف المصريين، ومن أجلها خاض الوطن 4 حروب كبرى، لكي يحافظ على سيادتها وأصولها”، مبديا دهشته من تمرير البرلمان لهذه التعديلات، لأسباب اقتصادية، بينما “القناة” هي المورد الثالث للدخل القومي، بعد تحويلات المصريين للخارج وعوائد السياحة، التي تدر مليارات الدولارات سنويا للدولة.

يشير خفاجي إلى أن القوانين تسمح لقناة السويس بالاستثمار في أصولها، ولذلك تمتلك عدة شركات لتوظيف هذه الأصول، لتنفق على توسعتها، وتدفع مرتبات العاملين بها، وتعد أكبر مصدر للضرائب العامة، التي تدخل ميزانية الدولة مباشرة، تصل إلى 40% من إيراداتها السنوية. يتساءل خفاجي لماذا إذن تنشئ الحكومة صندوقا خاصا يهدر مبدأ وحدة الموازنة، الذي نحارب من أجل تعميمه، بعد أن توسعت الحكومات المتعددة في إنشاء تلك الصناديق، حتى أصبحت دول داخل الدولة تدير أموال الشعب بعيدا عن الرقابة البرلمانية وأجهزة الإعلام، وفي نفس الوقت تحيط الصندوق المقترح، بنصوص غامضة، تسمح له ببيع وشراء الأصول دون أن توضح الحدود الفاصلة بين الصندوق والجهة المالكة لها.

ويبدي آلاف المشاركين في حملة الحفاظ على القناة على وسائل التواصل الاجتماعي، مخاوفهم من رهن أو بيع قناة السويس في حالة تعثر الصندوق ذاته أو اقتراضه أموالا دون أن يتمكن من ردها، لا سيما أن مبدأ الاقتراض يظل مفتوحا له من الداخل والخارج.

مستشار الرئيس يرفض القانون

خرج مستشار رئيس الجمهورية للموانئ والرئيس السابق للهيئة، الفريق مهاب مميش، بتصريح صحافي مثير نشرته جريدة المصري اليوم (مستقلة) ثم حذفته قال فيه إن “القانون المعروض على البرلمان مستحيل تنفيذه”، ومؤكدا أنه يفتح الباب لسابقة لم تحدث منذ تأميم القناة عام 1956، وهي وجود أجانب في إدارة قناة السويس، بما يغير النظام الذي تقوم عليه منذ سنوات طويلة، رغم أنه يحقق عائدات وأرباحا قياسية.

أضاف مميش: “لا حاجة لتغيير النظام القائم والمحقق لنجاحات كبرى”، مقترحا إنشاء ترسانة ومشروعات تساعد في زيادة الدخل، بعيدا عن تغيير نظام “ناجح والتحول إلى نظام مختلف كليا يسمح بدخول أجانب مجلس إدارة الهيئة، الذي يديره المصريون بحرفية عالية منذ التأميم”.

وطلبت الحكومة من رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع الظهور في العديد من البرامج التلفزيونية، للدفاع عن مشروع القانون، دون أن تسمح في المداخلات الهاتفية لأي من النواب أو الخبراء الاقتصاديين المعارضين للقانون بالظهور لعرض وجهة النظر المختلفة.

قال ربيع: “لا مساس بقناة السويس لأن الصندوق سيكون مملوكا لهيئة القناة، وسيساهم بشكل كبير في دعم مصادر تمويلها، وفقا لأفضل المعايير والقواعد الدولية، ومجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة الظروف الاستثنائية أو القوة القاهرة وسوء الأحوال الاقتصادية”.

يشير ربيع إلى الأزمة التي مرت بها قناة السويس مطلع العام الجاري، حينما تعطل المرور بالقناة عدة أيام، عندما شحطت الناقلة العملاقة “إيفر غرين” واضطرت الإدارة إلى الاستعانة بشركات دولية لرفع الناقلة، والبحث عن مصادر لتمويل أنشطتها، في وقت توقف دخلها اليومي من عوائد المرور. يعطي ربيع مؤشرا سلبيا عن وقت أزمة محدد، كما يقول خبراء، ليبرر مشروعية الصندوق، بينما يتجاهل حقيقة التسهيلات القانونية والإدارية والشركات التي يملكها لمواجهة هذه الأحداث.

وكان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي قد أكد في وقت سابق أن الصندوق المقترح سيخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، دون أن يذكر ذلك في ديباجة مشروع القانون، الذي نص على خضوعه للتدقيق المحاسبي دون أن يحدد إن كانت الجهة الرقابية عامة أو شركة خاصة.

ديون متراكمة

يكشف خبراء أن تدخل رئاسة الجمهورية في إدارة الموارد المالية لقناة السويس منذ مشروع التفريعة وتوسعة القناة عام 2014، وراء تحميل هيئة قناة السويس بقروض كبيرة كانت في غنى عنها، ولم يعلم الشعب تفاصيلها إلا بعد سنوات. بلغت قروض الهيئة من البنوك 1.4 مليار دولار من 8 بنوك حكومية (الأهلي – مصر – التجاري الدولي- العربي الأفريقي- القاهرة- الإمارات دبي الوطني – المشرق – العربي)، وقرض آخر بقيمة 400 مليون دولار، من تحالف لأربعة بنوك، لدفع مستحقات الشركات الأجنبية التي عملت في مشروع تفريعة القناة الجديدة، بطول 9.5 كيلومترات. تسدد القروض بواقع 300 مليون دولار كل سنة، يرى خبراء أنها تحقق فائدة متراكمة تصل إلى 50% من قيمة القرض، كل 5 سنوات.

أشارت دراسات مالية نشرت بصحف محلية، إلى تعثر الهيئة عن سداد 3 أقساط نصف سنوية من القرض عامي 2017 و2018، فلجأت الإدارة إلى ترحيل الدين للموازنة العامة، بما اضطر وزارة المالية إلى سداد 600 مليون دولار نيابة عن القناة. كانت الهيئة قد تلقت تحذيرات من الخبراء بعدم جدوى تنفيذ مشروعات التوسعة التي اقترحها النظام، لتكون مشروعا قوميا، ينفذ خلال عام فقط، بقرض قيمته 64 مليار جنيه، من مدخرات المواطنين والبنوك.

التزم مميش في تلك الفترة بالترويج بأن التوسعة ستعمل على مضاعفة دخل القناة عقب الانتهاء منها، متوقعا زيادة الإيرادات من 5.3 مليارات دولار إلى 13.2 مليارا عام 2023، مع الزيادة السنوية في حركة التجارة الدولية بنسبة 3%. ارتفعت الإيرادات ولكن بالقدر الذي حددته بيانات موقع CEIC DATA المتخصص في تحليل البيانات، واعترف بها الرئيس الحالي للهيئة، حيث ارتفعت إيرادات قناة السويس بنسبة 20% فقط عام 2021/ 2022، لتسجل 7 مليارات دولار، مقارنة بـ 5.84 مليارات دولار في العام السابق.

تمرير القراءة الأولى

نجحت الحكومة في تمرير القراءة الأولى لمشروع القانون في البرلمان، رغم معارضة النواب الذين رأوا أن الهدف الرئيسي هو بيع الأصول المملوكة لقناة السويس، رغم أنها “هيئة اقتصادية تدر دخلا بالعملة الصعبة للبلاد، وليست شركة لتعرض أصولها للبيع أو التأجير”. تستفيد الحكومة من دعم رئاسي، لمشروع الصندوق، حيث تشير إلى دفاع الرئيس عنه، باعتباره صاحب فكرة تأسيس الصندوق، عندما ناقش مميش، عام 2014، مسألة الأموال التي تحتجزها هيئة قناة السويس، لمواجهة المخاطر وفرص الاستثمار الطارئة، فلم يجد لديها أية أموال لأنها تقدم كل ما لديها سنويا للموازنة العامة للدولة، فطلب تأسيس هذا الصندوق، ليعمل على توفير الموارد المالية لمواجهة الأزمات، وضخ استثمارات تدر عليها أموالا خاصة بعيدا عن الموازنة، تخضع فقط لإشراف مجلس إدارة الصندوق ورئيس الجمهورية.

الدعم الرئاسي لم يحصن المشروع، من غضبة شعبية واسعة أثيرت ضده، اضطرت البرلمان إلى تأجيل البت النهائي في تمرير القانون، لحين استطلاع الأجهزة الأمنية ومؤسسة الرئاسة من جديد، عن أمر تحول إلى ساحة عراك، في وقت تضيق الصدور بما تحملت من موجات غلاء فاحش وتردي الحالة الاقتصادية، تحلها الحكومة بمزيد من القروض والتفريط في أيقونات وطنية واقتصادية، دون أن يكون للشعب رأي في إدارة أمواله أو خبرة في ما يعانيه. حصل البرلمان على إجازة لمدة أسبوعين، ليوقف اشتعال أزمة، سعرتها الحكومة، ولم تهدأ بعد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here