عن الجنيه والتصنيف والانتخابات في مصر

2
عن الجنيه والتصنيف والانتخابات في مصر
عن الجنيه والتصنيف والانتخابات في مصر

شريف عثمان

أفريقيا برس – مصر. استصعب “القائمون على الأمور” في مصر استمرار الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه الآن حتى شهر إبريل/نيسان القادم، الذي كان يفترض أن يشهد الانتخابات الرئاسية، فقرروا تقديم موعدها إلى ديسمبر/كانون الأول، ولم يكلفوا أنفسهم عناء تبرير القرار للشعب، كالعادة، رغم مخالفته الواضحة لشرط إعلان موعد الانتخابات قبل موعدها بثلاثة أشهر على أقل تقدير.

وأكد بعض القريبين من مراكز “إعلان” القرار الاقتصادي لا “اتخاذه” أن تقديم موعد الانتخابات سيفتح الباب أمام التقدم السريع في الإصلاحات الاقتصادية، مشيراً إلى أن أي إصلاح جوهري، بما في ذلك التخفيض المتوقع في قيمة الجنيه المصري، لن يحدث على الأرجح إلا بعد انتهاء الانتخابات.

وبينما يأمل المنتفعون وأصحاب المصالح والخائفون من المحاسبة (الدنيوية) تحقيق أفضل إخراج لمسرحية فوزه في الانتخابات، يسعى منتقدو الرئيس لوضع حد للانهيار الاقتصادي الحادث في البلاد، الذي كانت أوضح علاماته إهدار عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقت على الطرق والكباري، والسكك الحديدية، والعاصمة الإدارية الجديدة، مما لا عائد له في المدى المنظور.

ويقول مناهضو الرئيس إن قراراته الاقتصادية تركت أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، والقدرات الاقتصادية الكامنة، والقوى الناعمة، في حفرة عميقة من الديون، نتجت منها أسوأ أزمة عملة أجنبية تشهدها البلاد في تاريخها، ولا يستطيع أحد تخمين موعد خروجها منها، أو إن كان بإمكانها الخروج من الأصل.

لكن البنوك الاستثمارية، ومؤسسات التصنيف الدولية، والأسواق، لا تلتفت لمواعيد انتخابات أو استفتاءات أو إصلاحات، ولا تقبل الأعذار أو تتسامح مع طلبات التأجيل.

وظهر ذلك جلياً في العديد من الأخبار التي وردت إلينا، ناقلة صوراً بلا رتوش لنظرة بعض المؤسسات الدولية للعملة المصرية، والديون السيادية، والانتخابات الرئاسية.

ويوم الاثنين، عدل بنك الاستثمار الشهير “مورغان ستانلي” نظرته إلى الاقتصاد المصري بصورة سلبية، مشيراً إلى ما وصفه بـ”تزايد المخاطر” في الأشهر القادمة. وخفض البنك الأميركي تصنيفه الائتماني للديون السيادية في البلاد إلى وضع “غير محبذ” من وضع “محايد”، متوقعاً تسبب عقد الانتخابات في هذا التوقيت في تعقيد مهمة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تعهدت بها الحكومة المصرية، من أجل التوصل إلى اتفاق يقضي بحصولها على ثلاثة مليارات دولار، وتشمل تحقيق مرونة في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، كما تسريع خطة بيع الأصول المملوكة للحكومة.

وقبل أسبوعين تقريباً، وضعت “بلومبيرغ إيكونوميكس” مصر في المرتبة الثانية، بعد أوكرانيا، بين الدول الأكثر عرضة للتخلف عن سداد مدفوعات الديون السيادية.

ووفقاً لمؤشرات “بلومبيرغ”، خسرت ديون مصر الدولارية السيادية أكثر من 10% من قيمتها هذا العام، وكانت الأسوأ أداءً بين الأسواق الناشئة، بعد بوليفيا والإكوادور، وجرى تداولها في كثير من الأحيان بأقل من نصف قيمتها الاسمية.

وأظهرت بيانات عدة أن العديد من السندات المصرية الدولارية يقع في منطقة التعثر، ما دفع العائد الذي يطلبه المستثمرون حالياً لشرائها إلى أعلى من 16%، كذلك وصل العائد المطلوب على تلك السندات في وقت قريب لأعلى من 20%.

ونقلت وسائل إعلام عن بنك “سوسيتيه جنرال ” الفرنسي دخوله في عملية تداول تراهن على انخفاض قيمة الجنيه، بينما قللت شركة “فيديليتي إنترناشيونال” من وزن الأصول المصرية في محافظها الاستثمارية، مؤكدة أن أي قوة للعملة المصرية ستكون بمثابة فرصة لإكمال عملية تخلصها من الأصول المصرية.

وقبل انتصاف الشهر الماضي، أشار تقرير نشره صندوق النقد الدولي إلى وجود عاصفة ديون تتشكل في بعض أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد تصاعد عمليات الاستدانة، ووصولها إلى مستويات “مرتفعة للغاية”. وأكد التقرير أن مصر تأتي في مقدمة الدول المعرضة لـ”وضع محفوف بالمخاطر، حيث يتأرجح استقرارها الاقتصادي، بينما تعاني في مواجهة أزمة ديون محتملة”.

وقبلها بأسبوعين، خفضت وكالة كابيتال إنتليجنس للتصنيف الائتماني تصنيف الديون المصرية طويلة الأجل بالعملتين المحلية والأجنبية من “B+” إلى “B”، مشيرة إلى أن الدين الخارجي يمثل نحو 43% من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوقعة تراجع الدعم الخارجي من المقرضين الرئيسيين، مثل دول الخليج التي ربطت التمويل ببيع الأصول.

وفي أغسطس/آب، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” استمرار وضع التصنيف الائتماني السيادي لمصر، بالعملتين المحلية والأجنبية، والنظرة المستقبلية، تحت المراجعة السلبية، لمدة ثلاثة أشهر إضافية، وذلك تمديداً للفترة التي أعلنتها في مايو/أيار الماضي. وكانت الوكالة نفسها قد خفضت تصنيف مصر الائتماني في فبراير/شباط درجة واحدة، من B2 إلى B3.

وفي مايو أيضاً، خفضت وكالة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني، تصنيف مصر من B+ إلى B، وعدلت نظرتها المستقبلية للديون السيادية إلى سلبية.

وتحدثت فيتش، في بيان على موقعها الإلكتروني، عن زيادة حالة عدم اليقين بشأن قدرة مصر على تلبية احتياجاتها من التمويل الخارجي، نظراً لارتفاع متطلباته في الفترة الأخيرة.

وجاءت كل تلك الأمور في وقت تسابقت فيه المؤسسات الدولية والبنوك الاستثمارية ومراكز الأبحاث على توقع مدى الضعف الذي يمكن أن تصل إليه العملة المصرية مع التعويم القادم، بينما تجاهد الحكومة المصرية في ابتكار أساليب تقنع بها المستثمرين الأجانب بشراء الأصول المصرية.

لا يستطيع أحد أن يجزم بما ستؤول إليه الأمور، أياً كانت نتيجة الانتخابات، أو المرحلة التي ستُجرَّد عندها من آخر ورقة شجر لديها. وفي الواقع، يبدو كل شيء ممكناً. فمن ناحية، تستطيع السعودية مثلاً إن أرادت أن تلقي بالمزيد من أطواق النجاة للاقتصاد المصري، بينما يمكن أن يسبب تمسك دولة كالكويت باسترداد كامل ودائعها الدولارية لدى البنك المركزي المصري في إحراج كبير لمصر في الأسواق الدولية. لكن توجد حقيقتان مؤكدتان، أولاهما أن أسوأ ما يمكن أن يحدث للاقتصاد المصري لم يتحقق بعد، والثانية أن من سبّب حدوث الأزمة على هذا النحو لا يمكن أن يكون جزءاً من حلها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here