ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها رئيس مجلس الأمن الوطني في سورية اللواء علي المملوك قيادة المخابرات المصرية، ولا هي المرة الأولى التي يزور فيها بلداً عربياً، لكن السياق السياسي للزيارة الحالية للواء المملوك إلى القاهرة تجعلها في مكانة خاصة.
فهي ليست زيارة تنسيق أمني يجري أصلاً على قدم وساق عبر اللجان المشتركة بين أجهزة الأمن في سورية ومصر منذ زمن، ولا هي لتبادل الآراء حول المتغيّرات، وهو أمر متاح في زيارة سرية أو في زيارة موفدين يتبادلهم المصريون والسوريون على الدوام، بل هي كل هذا طبعاً لكنها هي شيء آخر، والإعلان عنها بذاته هدف.
في اللحظة التي تعلن فيها واشنطن قرار الخروج العسكري من سورية، وتفتح باب التنسيق العسكري والأمني مع تركيا، تعلن سورية ومصر تلاقيهما للتنسيق كثنائي عربي محوري في رسم مفهوم للأمن القومي العربي، وفي اللحظة التي تتسابق فيها الوفود العربية إلى سورية لوصل ما انقطع وترميم ما تبقى من بيت عربي متصدّع، تعلن سورية ومصر عن أن الأمور تكون بخير بقدر ما تكون سورية ومصر معاً، ولا تكون بخير ما لم تكن مصر وسورية معاً.
سورية من زاوية مصلحية تستطيع تدبّر أمورها وترصيد المزيد من انتصاراتها الخاصة، وتترك لمصر تقدير اللحظة المناسبة لملاقاتها أو للمشاركة في الجهد العربي الهادف لإعادة ترميم العلاقة الرسمية العربية بسورية، وبالمعنى الضيق ربما يكون الدور التركي غير مزعج لسورية في اللحظة الراهنة.
وهو الواقع تحت القلق الكردي من جهة، والقلق من تبعات الانسحاب الأميركي من جهة ثانية، والمقيد بالتفاهمات مع موسكو وطهران من جهة ثالثة، لكن سورية المسكونة بالهم العربي تجير اللحظة التاريخية لمصر علها تلتقطها، وتقول ها هي انتصارات سورية على الطاولة، وها هو الوضع العربي الممزّق، وها هي التراجعات في وضع الخليج (الفارسي) الذي كان يضغط لتحجيم مصر والإمساك بالدفة، وها هم العرب يتسابقون إلى سورية، وها هي سورية تختار مصر، ولعل هذا هو مضمون الرسالة التي تقولها الزيارة.
مصر القادرة على لعب دور قيادي مطالبة بتوفير مقوّمات هذا الدور، فلا تترك تركيا وحدها تطرح الهواجس مع الأميركيين وتتصدّر المشهد الإعلامي المعني بما بعد الانسحاب الأميركي بين حلفاء واشنطن الذين يفترض أن مصر تتمسك بأن تكون بينهم، ولا تنتظر إشارة سعودية لتبادر. فالمبادرة المصرية يجب أن تكون قيادية تسهم في حل مأزق الانعزال والضعف السعوديين لكن على الطريقة المصرية، وليست بالانضواء المصري تحت جناح خطة سعودية، ولا تقيم حسابات من نوع ماذا عن العلاقة السورية الإيرانية كما فعلت السعودية ذات يوم انفتاح سوري، وكان الجواب عندما تعرّضت سورية للخطر وجدت تآمراً عربياً من جهة وتخلياً عربياً من جهة موازية، ولكنها بالمقابل لم تلق إلا احتضاناً إيرانياً، وعندما تكون البوصلة فلسطين ويبيع بعض العرب القدس لكسب ودّ أميركا وتقف إيران بثبات تكون إيران حليفاً وصديقاً، فهل القاهرة جاهزة لنداء التاريخ لدور يستنهض الحضور العربي الغائب في ملفات المنطقة، وشرطه نهوض ثنائية مصرية سورية تتسع للآخرين وتلحظ أدوارهم ولا تستثنيهم، لكنها تقوم في الأصل على إدراك أن تلاقي سورية ومصر وحده ينتج مشهداً عربياً جديداً، وفي الفراغ الدولي والإقليمي تتسع الساحة لهذا الدور، ولا ينقصه إلا الإقدام!
ناصر قنديل