طرح إعلان الحكومة المصرية عزمها دراسة ملف تحويل الدعم العيني إلى النقدي المشروط، تساؤلات عن الهدف الحقيقي من تلك الخطوة، التي تقول إنها تساهم في الحد من تسرب الدعم، وتساعد في وصوله إلى مستحقيه.
وقال رئيس الوزراء المصري خلال اجتماع ضم وزير التموين والتجارة الداخلية ووزير المالية الخميس الماضي، إن الحكومة ستبدأ بدراسة ملف تحويل الدعم العيني إلى النقدي المشروط بالتنسيق مع عدد من الجهات، لافتا إلى أن “الدعم النقدي المشروط يساهم في الحد من تسرب الدعم، ويساعد في وصوله إلى مستحقيه”.
وبشأن سبب إعادة فتح الملف، قال وزير التموين إن التطورات التي حدثت خلال الفترة الأخيرة أعادت طرح هذا الملف مرة أخرى، موضحًا أنه بُدئ في دراسة مميزات وسلبيات هذه الخطوة، ثم سيجري تطبيقها كتجربة بإحدى المحافظات، دون أن يوضح طبيعة أو شكل هذه التطورات المشار إليها.
وقال وزير أسبق في حكومة كمال الجنزوري (2011-2012) طلب عدم كشف اسمه، للجزيرة نت إن بيان الحكومة لم يحمل أي تفاصيل يمكن التعليق عليها.
لكنه وصف حديث وزير التموين عن إعادة طرح ملف تحويل الدعم العيني إلى النقدي المشروط بسبب التطورات التي حدثت خلال الفترة الأخيرة بـ”المبهم”.
ماذا حدث للدعم بمصر؟
اتبعت الحكومة المصرية منذ بدء برنامج صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إجراءات تقشفية وصفتها بالمؤلمة من خلال خطوات عدة، على رأسها إلغاء الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه بشكل تدريجي.
إضافة إلى تخفيض حاد في قيمة الجنيه المصري، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14%، ومضاعفة الرسوم على الخدمات، مما أدى إلى تعرض ملايين المصريين لضغوط اقتصادية متزايدة ورفع نسبة الفقر في البلاد.
لكن المساس بمنظومة التموين (سلع، خبز..) ظل من الملفات التي اقتربت منها الحكومة المصرية بحذر شديد، رغم بعض الخطوات التي اتخذتها في هذا الصدد كتحويل الدعم العيني الخاص بالسلع إلى دعم نقدي مشروط، وإبقاء دعم الخبز كما هو لارتباطه بالقوت اليومي لأكثر من 70 مليون مستفيد.
ويزيد اعتماد المصريين على النشويات بشكل كبير على حساب البروتين لرخص ثمنه بسبب مستوى المعيشة المتدني.
ويبلغ معدل الفقر 32.5%، وفق تقرير رسمي، معظمهم في الصعيد والريف، لكن البنك الدولي أصدر بيانا في مايو/أيار 2019، قال فيه إن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء وإما عرضة للفقر.
كم عدد المستفيدين وتكلفة الدعم؟
كشف تقرير حديث لوزارة التموين المصرية أن عدد البطاقات للمستفيدين من منظومة الدعم بلغ 22.5 مليون بطاقة بإجمالي 64 مليون مستفيد، فضلا عن 73 مليون مستفيد من صرف الخبز المدعم بإجمالي دعم مالي يقدر بـ89 مليار جنيه (5.56 مليارات دولار).
ويبلغ حجم إنفاق الحكومة المصرية على دعم السلع التموينية 89 مليار جنيه في موازنة 2019-2020، مقارنة بـ86.2 مليار جنيه في موازنة 2018-2019، بزيادة نسبتها 3.3% فقط، منها حوالي 51 مليار جنيه لدعم الخبز.
في نوفمبر/تشرين الأول 2016، رُفعت قيمة الدعم للفرد ببطاقة التموين من 21 جنيها إلى 50 جنيها (3.1 دولارات) حتى الفرد الرابع في البطاقة، وما زاد عن الفرد الرابع يصرف له دعم سلعي بقيمة 25 جنيها.
ويخصص لكل مواطن 150 رغيفا شهريا في بطاقة التموين بواقع خمسة أرغفة يوميا، وبسعر 60 قرشا للرغيف، أي نحو 90 جنيها شهريا.
حملة تنقية البطاقات
بيد أن الحكومة المصرية أطلقت في عام 2017 حملة “لتنقية بطاقات التموين” من غير المستحقين على مراحل عدة وفق عدد من المعايير، شملت المرحلة الأولى منها حذف الوفيات والأسماء المكررة والمهاجرين إلى الخارج.
وفي يوليو/تموز 2019، بدأت في تنفيذ المرحلة الرابعة بإيقاف صرف السلع وفقا لمعايير محددة تتعلق باستهلاك الكهرباء والمحمول ومصروفات المدارس والسيارات الفارهة، وأُضيفت وظائف عليا، إضافة إلى حيازة أكثر من 10 أفدنة أخيرا.
لكن عمليات الحذف أثارت غضب البعض ممن استبعدوا، ووصفوا عمليات تنقية بطاقات التموين بـ”العشوائية”، مما دفع الحكومة إلى فتح باب التظلمات بعد كل مرحلة، لكن أعيد مليون و800 ألف مواطن تنفيذا لتوجيهات الرئس عبد الفتاح السيسي في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك في أعقاب احتجاجات نادرة في سبتمبر/أيلول 2019.
وعلق مستشار وزير التموين لنظم المعلومات والتوثيق ودعم اتخاذ القرار اللواء الدكتور عمرو مدكور بالقول إن هناك فرقا بين الدعم النقدي، والنقدي المشروط، والعيني، فالخبز مثلا عيني، والنقدي هو الحصول على أموال، والنقدي المشروط هو التموين الحالي.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن الدعم العيني الموجود حاليا هو الخبز الذي يصرف للأفراد على بطاقات التموين، والحديث عن دعم نقدي مشروط يخص الحصول على نقود لشراء خبز، ويصبح ضمن السلع الموجودة بالتموين.
مخاطر ومخاوف الدعم النقدي
من جهته قال إسماعيل تركي مستشار وزير التموين الأسبق إن آلية التطبيق مبهمة، كما يمكن تطبيقها بطرق مختلفة، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تستهدف “رغيف الخبز” بأن تدفع للأسرة مبلغا محددا من المال بغض النظر عن عددها، وتستمر المنظومة كما هي.
وفي حديثه للجزيرة نت أوضح أن التجربة قد يبدأ تطبيقها في محافظة صغيرة كمحافظة بورسعيد بقناة السويس من خلال إعطاء كل فرد 50 جنيها، على ألا يزيد عدد أفراد البطاقة عن أربعة أفراد، وبحد أقصى 200 جنيه.
ولفت إلى أنه من عيوب هذه الخطوة أنه مهما ارتفع سعر رغيف الخبز، سواء لارتفاع تكاليف التصنيع أو لارتفاع سعر القمح أو انخفاض سعر الجنيه، ستقل حصة الخبز، كما أن الحكومة لن تبادر إلى زيادة مقدار الدعم النقدي.
ورأى تركي أن هناك احتمالا آخر وهو أن يكون الدعم النقدي عبارة عن صرف مبلغ معين للأسر، ومن ثم تحرر الحكومة سعر الخبز وسعر السلع التموينية، ولكن في تلك الحالة تخسر الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية وسيجري بيعها باعتبارها شركات خاسرة تحت دعاوى الخصخصة، كما حدث سابقا مع شركة القاهرة للزيوت.