إحباط الأمل في مصر

19

في الأسبوع الماضي، أعلنت الداخلية عن إحباطها مخططاً رهيباً يهدف لتدبير هجمات إرهابية، تحت اسم “خطة الأمل”.

لم تتوقف الهزلية عند اسم الخطة المفترضة، بل أسماء من شملته، ومنهم عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي، زياد العليمي، ومدير حملة حمدين صباحي سابقا، حسام مؤنس، والصحافي اليساري هشام فؤاد، ورجل الأعمال المستقل عمر الشنيطي، فضلا عن مدير مكتب النائب أحمد طنطاوي عضو “تحالف 25-30” المعارض في البرلمان، مضافاً إليهم أسماء محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من الخصومة التامة بين الفريقين.

سرعان ما ظهرت حقيقة ما حدث، فبعض المقبوض عليهم عقدوا بالفعل اجتماعاتٍ علنية، داخل مقرات الأحزاب، بهدف الاستعداد للمشاركة بالانتخابات المحلية والبرلمانية، تحت اسم “تحالف الأمل”… واللافت هنا أن السلطة الحالية تعتبر مقاطعة الانتخابات فعلاً عدائياً، وطعناً في شرعيتها، فالمطلوب من الأحزاب أن تشارك في الانتخابات، ولكن ليس بجدية، بل في حدود سقف هزيل، ووفق التعليمات الحرفية.

تأتي القضية امتداداً لمنهج بدأ منذ الاحتجاجات على اتفاقية تسليم جزيرتيّ تيران وصنافير للسعودية عام 2016، حيث انتقل ثقل القمع الأمني إلى الأحزاب المدنية، بعد تركّزه منذ 2013 على “الإخوان” ونشطاء شباب مستقلين، كما حدث في قضيتي “مجلس الشورى” و”الاتحادية”، وكانت أبرز المحطات ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكذلك قضية مجموعة السفير معصوم مرزوق لاحقا.

وبعيداً عن الجوانب العاطفية، وكاتب هذه السطور فقد في هذه الحملة أصدقاء أعزاء، فإن ما حدث يضع القوى المدنية المصرية في مواجهة حقيقة وضعها غير المسبوق، فقد حكمت العلاقة بينها وبين الدولة تاريخياً أطرٌ محدّدة تسمح بهامش ما من الحركة يضيق أو يتسع، ولعل ذلك مرتبط بظروف نشأتها التاريخية، فقد أصدر الرئيس أنور السادات قراراً بإنشاء “المنابر” داخل الاتحاد الاشتراكي، وهو ما تحول لاحقاً إلى الأحزاب، وبعضها كان بقيادة ضباط سابقين من رفاق السادات في حركة الضباط الأحرار.

اليوم، ولأول مرة منذ عهد جمال عبدالناصر، أصبح على الأحزاب أن تعمل تحت القصف المباشر، وأن تواجه إشكالياتها الوجودية عن هدفها وآلياتها وأولوياتها وخطابها. إنها تكتشف نفسها بأصعب طريقة ممكنة. ولعل الجدل الداخلي الدائر في مختلف الملفات من العلاقة مع “الإخوان” وحتى تعريف التحرش، ومروراً بمراجعات خيارات هذه القوى ورموزها أخيرا، كلها أمثلة على مرحلة التحول الحالية.
لا يمكن تصور وجود إجابة حاسمة على سؤال ما العمل، ولكن لا بديل عن استراتيجية طويلة المدى، أولويتها الحفاظ على البقاء، بالمعنى المادي للحفاظ على الأفراد وهياكل التنظيمات، وبالمعنى المعنوي للحفاظ على الخطاب وتنقيته مما يلحق به من تأثيراتٍ سلطوية.

وفي هذا الإطار، يمكن الاستفادة من تجربة حزب الوفد الذي تم حله بقرار حل الأحزاب عام 1953، ثم عاد إلى الحياة بعد نحو ربع قرن عام 1978، ليصبح حينها أحد أكبر الأحزاب المصرية، مع اعتبار فارق التراكم الأصلي للحزب الذي حكم مصر قبل حله عدة مرات.
وأيضاً تزيد أهمية محاولة مد جسور، ولو معنوية، مع الجيل الجديد الذي لم يشهد ثورة يناير، وتظهر من آن إلى آخر علامات تمرّده واختلافه، والإشارة هنا إلى أنه لا معنى للتمركز والخلاف حول لحظات تاريخية يتم تجاوزها حالياً.

ومع استمرار المناقشات الجارية في صفوف تحالف الأحزاب المصرية، يبدو التوجه الغالب هو في استكمال مسار تحالف الأمل والترشّح للانتخابات، وهو ما يتطلب الموازنة الصعبة بين المعارضة الجادّة ومحاولة تجنب تلقي ضربة أمنية أخرى بخطابٍ أو حركةٍ لا يساوي مكسبها خسائرها، وذلك على الرغم من أن محاولة تجنب الاستفزاز الأمني أمر بالغ العبثية، فكم من شابٍ قُبض عليه بعد انقطاعه أعواماً عن النشاط.
وبشكل عام، تفرض مستجدات الوضع الداخلي والعالمي غير المسبوقة إعادة النظر في تقييم الواقع، والانطلاق منه إلى خيارات المستقبل الصعبة، أيا كانت.

 

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here