أفريقيا برس – مصر. في خطوة تعاكس رغبة مصر في مضاعفة عدد السائحين، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تحديثاً لتحذيرات السفر شمل عدداً من الدول، من بينها مصر، التي وُضعت مجددًا تحت تصنيف “إعادة النظر في السفر” إلى جانب دول مثل ترينيداد وتوباغو، كولومبيا، باكستان، جامايكا، هندوراس، وفانواتو.
التحذير الأميركي الأخير تجاه مصر يركز على المخاطر الأمنية المرتبطة بالإرهاب، والقيود المفروضة على حرية التعبير، وصعوبة حصول المواطنين الأميركيين، خاصة من حاملي الجنسية المزدوجة، على الدعم القنصلي في حالات الاحتجاز أو الاعتقال. وهذه ليست المرة الأولى التي تُدرج فيها مصر ضمن تحذيرات السفر الأميركية.
ومنذ عام 2011، عقب ثورة 25 يناير، شهدت البلاد سلسلة من التحذيرات المتكررة من الجانب الأميركي، ارتبطت بتطورات أمنية وسياسية، بدءاً من فترة عدم الاستقرار السياسي، مروراً بأحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة في 2013، وانتهاءً بهجمات إرهابية استهدفت منشآت دينية وسياحية وأمنية في سيناء والدلتا والقاهرة.
وفي عام 2015، أدى تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء إلى تصعيد ملحوظ في لهجة التحذيرات، وفرض حظر شبه كامل على السفر إلى شمال سيناء. وتكرر الأمر في 2017 مع تفجيرات كنائس طنطا والإسكندرية وهجوم مسجد الروضة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص. يلفت خبراء سياحة إلى أنّ الفترة من 2018 إلى 2023 شهدت تراجعاً تدريجياً في مستوى التحذيرات، مع تحسن نسبي في الأوضاع الأمنية، خصوصًا في المدن السياحية مثل الأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ.
تأثير ضعيف للتحذير الأميركي
وقلل عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية علي غنيم من قوة تأثير التحذير الأميركي الأخير، مؤكداً أن متابعة المواطنين الأميركيين أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والأحداث التي تجري بالمنطقة خلال العامين الأخيرين، ساهمت في تغيير المعلومات الجغرافية عن مصر ودول المنطقة لدى الشباب والأسر الأميركيين الذين يتابعون ما يجري في المنطقة من أحداث لحظياً، عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل.
وذكر أن كثرة تلك التحذيرات على مدار السنوات الماضية أفقدت الراغبين في السفر الاهتمام بها، مع حرصهم على زيارة مصر، وعدد من دول المنطقة خلال الفترة نفسها. وأشار غنيم إلى أن المعلومات السياحية التي بثتها وسائل الإعلام الدولية، منحت السائحين الأميركيين فرصة للتعرف عن كثب إلى حدود مصر ومدى ارتباطها بالأحداث الساخنة التي تجري حولها، وهذه المعلومات ترفع أية مخاوف عن وجود عمليات إرهابية فيها.
وأوضح أن إقبال السائحين من الولايات المتحدة وغيرها، يأتي مدفوعا بالشغف الكبير بالحضارة الفرعونية، التي تنفرد بها مصر عن كافة المناطق السياحية المنافسة بالمنطقة وحول العالم، مشددا على ضرورة التزام وكلاء السياحة والفنادق بعدم خفض الأسعار عن الحد الأدني المخصص للفنادق خمس نجوم بمبلغ 50 دولاراً لليلة و40 دولاراً في الغرفة مستوى أربع نجوم، لجذب النوعية القادرة على الإنفاق على الرحلات السياحية، وعدم الاهتمام بزيادة الأعداد فقط. وأضاف غنيم أنه رغم اللهجة التحذيرية، لا تزال مصر واحدة من الوجهات المفضلة للسائح الأميركي، خاصة المهتم بالتاريخ والثقافة.
ارتفاع عدد السياح الأميركيين في مصر
وارتفع عدد الزوار الأميركيين لمصر من نحو 154 ألفاً عام 2014، إلى 350 ألفاً في 2019، قبل أن تهبط بشكل حاد إلى 118 ألفاً فقط في 2020 بسبب قيود السفر العالمية المرتبطة بالجائحة. ومع بداية التعافي العالمي، عادت الأعداد إلى الارتفاع، حيث زار مصر نحو 233 ألف أميركي في 2021، وارتفع الرقم إلى 428 ألفًا في 2022، وصولاً إلى نحو 500 ألف سائح في عام 2023، وهو أعلى رقم مسجل في تاريخ العلاقات السياحية بين البلدين.
وتحتل الولايات المتحدة بذلك المرتبة الثامنة بين أكبر الدول المصدّرة للسياحة إلى مصر، وتتميز شريحة السائحين الأميركيين بمتوسط إنفاق مرتفع نسبياً مقارنة بجنسيات أخرى، واهتمام كبير بالبرامج الثقافية والزيارات الأثرية. في تصريحات سابقة، أكدت وزارة السياحة والآثار المصرية أن الجهات الأمنية والسياحية تنسق باستمرار لضمان سلامة الزوار الأجانب، وأن معدلات الجريمة في الوجهات السياحية المصرية منخفضة نسبياً مقارنة بالعديد من الوجهات الدولية. في المقابل، تؤكد وزارة الخارجية الأميركية أن تحذيراتها تهدف فقط إلى تزويد المواطنين بالمعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات مدروسة، دون أن تعني بالضرورة الحظر الكامل على السفر.
يأتي التحذير الأميركي الأخير في لحظة حساسة، تسعى فيها مصر إلى تعزيز قطاع السياحة باعتباره مصدراً رئيسياً للعملة الأجنبية، في ظل تحديات اقتصادية متصاعدة. ومع ارتفاع أعداد السياح القادمين من أميركا وأوروبا، تعتمد الحكومة المصرية على تحقيق استقرار أمني دائم واستمرار الاستثمار في البنية التحتية السياحية للحفاظ على النمو المتصاعد.
في الوقت الذي تحث فيه الخارجية الأميركية رعاياها على تسجيل رحلاتهم في برنامج “تسجيل المسافر الذكي” (STEP) لتلقي تنبيهات أمنية وتحديثات محلية، تعمل السلطات المصرية على طمأنة الزوار بأن البلاد مفتوحة وآمنة، وأن التجربة السياحية فيها لا تزال فريدة من نوعها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس