إضراب 30 سجيناً سياسياً عن الطعام.. وتسريب رسائل صادمة

1
إضراب 30 سجيناً سياسياً عن الطعام.. وتسريب رسائل صادمة
إضراب 30 سجيناً سياسياً عن الطعام.. وتسريب رسائل صادمة

أفريقيا برس – مصر. أفادت مصادر مقربة من دوائر السجناء السياسيين في مصر بأن عدد المضربين عن الطعام في قطاع 2 بسجن بدر3 شرق القاهرة بلغ ثلاثين شخصًا حتى التاسع عشر من يوليو/ تموز الجاري، أغلبهم من قيادات جماعة الإخوان المسلمين. وطبقًا للمصادر، فإن قائمة المضربين عن الطعام تضم “الأمين العام لرئاسة الجمهورية الأسبق رفاعة الطهطاوي، والقياديين بجماعة الإخوان المسلمين من كبار المسؤولين وأعضاء مجلسي النواب والشورى السابقين، حسن مالك ومحمد البلتاجي وصفوت حجازي وسيد هيكل وسعد الحسيني ومحمد سعد عليوة وعبد الله شحاته ومصطفى الغنيمي وأسامة ياسين وخالد سعيد وسعد عمارة وأسامه مرسي، نجل الرئيس الراحل محمد مرسي، وخالد الأزهري وأمين الصيرفي وعمرو ذكي وأسعد الشيخة ويسري عنتر وأحمد عارف وعبد الرحمن البر وجهاد الحداد وحسن البرنس وأيمن هدهد وصبحي صالح وعبد الرحيم محمد ورضا أبوالغيط وجمال العشري وأحمد شريف وعبد السلام المليجي وأحمد أبو مشهور”.

ويعتبر الإضراب عن الطعام السلاح شبه الوحيد في يد السجناء للتعبير عن اعتراضهم على الظروف المعيشية المتدنية، وللمطالبة بتحسين أوضاعهم، وكان العشرات من سجناء داخل قطاع 2 بمركز بدر3 قد أعلنوا دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 20 يونيو/ حزيران 2025 احتجاجًا على ما وصفوه بالإجراءات الانتقامية، وقد أبلغوا القاضي محمد سعيد الشربيني، في أثناء المحاكمة، بإضراب عام عن الطعام في جلسة 5 يوليو/ تموز الجاري، وهو ما يعد جزءًا من سلسلة طويلة من الإضرابات داخل مركز بدر3.

في سياق متصل، انتشرت رسائل مسربة من داخل سجن بدر3، تحدث فيها سجناء سياسيون عن الانتهاكات التي يتعرضون لها والتي دفعتهم إلى الإضراب عن الطعام، بل دفعت البعض إلى محاولة الانتحار، منها رسالة لحسن البرنس، نائب محافظ الإسكندرية السابق، قدم فيها وصيته مما أطلق عليه “عنبر الموت”. وكتب البرنس: “قدمت روحي لله تعالى من أجل إسقاط منظومة الظلم التي يديرها الأمن الوطني في قطاع 2 بدر 3 حيث الموت البطيء لأحرار الوطن في مقابر هذا المعتقل الذي هو أسوأ سجون العالم. إلى كل فتاة محرومة حنان أبيها المعتقل في عنبر الموت. إلى كل أم حرمها الأمن الوطني رؤية ابنها، إلى كل حفيد حرمه الظالمون هدية جده واللعب معه أو حتى رؤيته. إلى هؤلاء جميعاً قدمت روحي مع عشرات من زملائي المعتقلين في عنبر الموت حتى يسمع أحرار مصر والعالم صرختنا ويرفعوا ظلم السنين عنا”.

وتابع في رسالته: “اثنتا عشرة سنة من الاعتقال باسم الحبس الاحتياطي. سنوات طويلة محرومون حقوق أي سجين سياسي في العالم. لا يسمح لنا بزيارة الأهل عقاباً للأهالي معنا؟! ممنوع علينا إدخال أي طعام من الأهل. محرومون الخروج من الزنازين الحديدية للتريض في الشمس. محرومون الراديو أو الجرائد للمعتقلين في عنبر الموت. الأمن الوطني يعترض الرسالة من الأهالي ويفتخر بمنعها. لا يسمح لنا بصلاة الجمعة. من أجل هذه المظالم أقدم روحي لكل مصري عاشق للحرية والكرامة”.

وطبقًا للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ينقسم مركز إصلاح وتأهيل بدر3، كغيره من مراكز الإصلاح، إلى عدة قطاعات، غير أن المعاملة العقابية تختلف بشكل لافت من قطاع إلى آخر، في مشهد يعكس الطبيعة الانتقائية في إدارة السجن، حيث يشهد القطاع 2 داخل المركز نفسه، الذي يُحتجز فيه عدد كبير من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، حرمانًا غير مسبوق من التواصل الإنساني، حيث يُمنع السجناء من الزيارة العائلية بشكل شبه تام، وهو حرمان امتد لدى بعضهم لأكثر من عشر سنوات. كذلك يُحرم نزلاء هذا القطاع الخروج إلى التريض، ما يُكرّس حالة عزلة تامة عن العالم الخارجي، تمثل انتهاكًا واضحًا لقانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون سابقًا) ولائحته الداخلية.

وتندد منظمات حقوقية مصرية ودولية بتدهور الأوضاع المعيشية المستمر داخل مركز إصلاح وتأهيل بدر3، ولا سيما في ظل تكرار محاولات الانتحار بين السجناء، التي تُعد مؤشرًا خطيرًا على المعاناة النفسية الحادة، ونتاجًا مباشرًا لسياسات العزل وحرمان الزيارة، والتضييق على التريض، والإهمال الطبي الممنهج. فخلال جلسة المحاكمة المنعقدة يوم السبت 12 يوليو/ تموز 2025 داخل محكمة بدر، أفاد عدد من المحامين الحاضرين بأن أحد السجناء، رضا السيد أبو الغيط المحتجز في مركز إصلاح بدر3، أقدم على محاولة انتحار داخل القفص وأمام أنظار القاضي، وهو ممنوع من تلقي زيارات عائلية، في مشهد يعكس حجم المعاناة النفسية التي يعيشها السجناء داخل بدر 3 والناتج من الظروف المعيشية المتدنية في الداخل.

وتكررت محاولات الانتحار بين السجناء على مدار الأشهر الماضية، طبقًا لمنظمات حقوقية رصدت في شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2023 إقدام السجناء على محاولات انتحار جماعية وصلت بحسب تقديرات محامين إلى حوالى 60 سجينًا. وفي إبريل/ نيسان 2025، حاول السجين داخل بدر 3 “علاء جمال” الانتحار، وذلك على خلفية منعه من الزيارات العائلية مدة طويلة. وطبقًا لحقوقيين ومنظمات، فقد جاء المنع من الزيارات في مقدمة الأسباب التي عادة ما تدفع السجناء إلى محاولات الانتحار، إذ يستخدم قطاع الحماية المجتمعية (مصلحة السجون سابقًا) سلطاته التقديرية الممنوحة له بموجب المادة الـ42 من قانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل رقم 396 لسنة 1956 التي تقنن منع الزيارات لأسباب فضفاضة. وعلى أرض الواقع، يمنع عدد هائل من السجناء داخل مركز بدر3 لسنوات تجاوزت العشر انتقائياً، ولأغراض انتقامية.

بالإضافة إلى تزايد تدهور أوضاع الاحتجاز التي تمثّلت في استمرار الإضاءة القوية داخل الزنازين على مدار 24 ساعة، والمراقبة المستمرة بكاميرات لا تتوقف، ما يُشكّل انتهاكًا صارخًا للخصوصية. إلى جانب ذلك، اشتكى السجناء من التضييق المتزايد على إدخال الأطعمة التي تجلبها العائلات خلال الزيارات، إضافة إلى حرمان عدد كبير منهم حقهم في الزيارة العائلية بشكل كامل، وهو ما زاد من عزلتهم وعمّق معاناتهم النفسية.

في يوم نيلسون مانديلا: منظمات تدعو لحماية السجناء

وبينما احتفى العالم باليوم الدولي لنيلسون مانديلا أمس الجمعة، سلطت منظمات حقوقية الضوء على واقع السجون في مصر حيث تتجلى أزمة حقوق الإنسان في مراكز يُفترض أنها للإصلاح والتأهيل، لكنها تحولت إلى مواقع للتعذيب والعزل والانتحار الجماعي. وقالت لجنة العدالة “كوميتي فور جستس” إنه “بدلاً من استلهام مبادئ مانديلا في احترام الكرامة الإنسانية، تشهد مراكز، مثل بدر3 والوادي الجديد والعاشر من رمضان، انتهاكات ممنهجة تُهدد حياة المئات من المحتجزين، معظمهم على خلفيات سياسية”.

وكانت السلطات المصرية وعدت منذ افتتاح مجمع مراكز بدر، أواخر 2021، بمرحلة جديدة من فلسفة العقاب تعتمد على “الإصلاح والتأهيل” بدلاً من القمع التقليدي. لكن الوقائع التي وثقتها منظمات محلية ودولية، من بينها “لجنة العدالة” و”المفوضية المصرية للحقوق والحريات”، تُبيّن أن هذه المراكز لا تختلف في جوهرها عن السجون سيئة السمعة، بل ربما تتفوق عليها من حيث التقنيات المستخدمة في العزل والمراقبة، وبات سجن بدر3 على وجه الخصوص يُعرف بـ”العقرب الجديد” بعد نقل مئات السجناء السياسيين إليه من سجن طرة شديد الحراسة.

ويتكرر المشهد القاتم في مركز إصلاح الوادي الجديد، الواقع في قلب الصحراء الغربية، حيث دخل نزلاء عنبر 8 في إضراب مفتوح عن الطعام منذ أوائل يوليو احتجاجاً على ما وصفوه بـ”التعذيب اليومي وانعدام أدنى مقومات الحياة”. إذ تفيد شهادات مسربة بتعرض النزلاء لما يسمى بـ”حفل الاستقبال”، حيث يجبر السجين الجديد على الوقوف عارياً لساعات وسط الإهانات. وتوثق الرسائل المسربة حالات تعذيب حتى الموت، ومحاولات انتحار جماعية، وحرمانًا مطلقًا من الزيارات والعلاج والطعام.

وفي مركز العاشر من رمضان الذي افتتح في فبراير/شباط 2023، اختفى سبعة سجناء داخل غرفة واحدة في 22 يونيو/حزيران 2025، وفق منظمات حقوقية. وتشير تقارير إلى تعرض سجناء سياسيين لعقوبات جماعية بعد احتجاجات داخلية، شملت الحرمان من الزيارة، والنقل إلى سجون نائية، بهدف تفكيك أي حركة جماعية للاحتجاج داخل السجن.

وبحسب تقرير مشترك أصدرته 11 منظمة حقوقية لا تمكن قراءة هذه الحوادث داخل السجون باعتبارها “حوادث فردية، بل هي نتاج مباشر لسياسات عقابية ممنهجة، هدفها كسر إرادة المحتجزين وحرمانهم من حقوقهم الأساسية”. وحمّلت المنظمات، في بيان مشترك، المسؤولية المباشرة لكل من وزارة الداخلية، وقطاع الحماية المجتمعية، والأمن الوطني، والنيابة العامة، ورئاسة الجمهورية بصفتها السلطة التنفيذية العليا، عن حياة وسلامة السجناء السياسيين.

ودعت إلى: “فتح تحقيق عاجل وشفاف في الانتهاكات ومحاولات الانتحار الجماعي، وتشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة بإشراف المنظمات الحقوقية الدولية، ووقف جميع أشكال العقاب الجماعي بحق السجناء المضربين عن الطعام، وتفعيل المادة 60 من اللائحة الداخلية، التي تضمن للمحبوسين احتياطيًا أربع زيارات شهريًا، وللمحكومين زيارتين، وتعديل اللوائح لتقييد السلطة التقديرية في منع إدخال المتعلقات، وتوقيع مصر على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وتبني مقترح الإفراج عن السجناء السياسيين المقدم من مؤسسات حقوقية مصرية في مايو/أيار 2022”.

وأكدت المنظمات أن الاستجابة لهذه المطالب ليست فقط ضرورة إنسانية، بل التزام قانوني ودستوري، ومعيار سياسي على جدية الدولة المصرية في معالجة الأزمة الحقوقية المتفاقمة، وإنهاء دوامة الإفلات من العقاب. ففي اليوم الذي يحتفي فيه العالم بإرث مانديلا، يجد الآلاف من السجناء السياسيين في مصر أنفسهم خلف جدران تحكمها تقنيات المراقبة، وسياسات العزل، وغياب المحاسبة، في مفارقة دامغة تعكس المسافة بين الشعارات والواقع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here