السجينات السياسيات مغيبات عن قوائم العفو في مصر

2
السجينات السياسيات مغيبات عن قوائم العفو في مصر
السجينات السياسيات مغيبات عن قوائم العفو في مصر

أفريقيا برس – مصر. في ظلّ مناخ حقوقي متأزم تشهده مصر، تتزايد الانتقادات الموجهة إلى قوائم العفو الرئاسي والإفراجات عن السجناء السياسيين، إذ تُظهر البيانات المتاحة أن هذه القوائم نادراً ما تشمل أعداداً كبيرةً من السجينات السياسيات، ما يثير تساؤلات عن التمييز وغياب الاهتمام بملفهن.

بالرغم من إعلان السلطات المصرية عن إفراجات متتالية “بمناسبة الأعياد والمناسبات الوطنية”، أو بناءً على توصيات “لجنة العفو الرئاسي” التي أُعيد تفعيلها في إبريل/نيسان 2022، إلا أن تحليل هذه القوائم يكشف عن فجوة كبيرة بين أعداد الرجال والنساء المستفيدين من هذه الإجراءات.

وشهدت الأعوام القليلة الماضية، خصوصاً منذ إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، إصدار عدة قوائم للعفو أو إخلاء السبيل. وقد أعلنت هذه اللجنة الإفراج عن “أكثر من ألف شخص” حتى أواخر عام 2022، وواصلت عملها في عامي 2023 و2024. فمثلاً، أصدر الرئيس السيسي قراراً بالعفو عن 4466 من المحكوم عليهم بمناسبة احتفالات 25 يناير/كانون الثاني 2025 (إصدار سابق)، و2374 سجيناً بمناسبة عيد الأضحى 2023. كذلك كانت هناك إفراجات عن دفعات أصغر تضم 30 أو 55 سجيناً في مناسبات متفرقة.

الهدف المعلن من هذه الإفراجات “إعادة دمج المفرج عنهم مجتمعياً” و”دعم الحوار الوطني”. ومع ذلك، تشير المنظمات الحقوقية إلى أن هذه الإفراجات لا تتناسب مع الأعداد الهائلة للمحتجزين السياسيين، وتُعطى الأولوية غالباً لحالات معينة أو شخصيات بارزة، بينما يظل الآلاف خلف القضبان.

وبتحليل قوائم العفو الرئاسي والإفراجات التي أُعلنَت أو التي وثقتها المنظمات الحقوقية، تظهر نسبة ضئيلة جداً من أسماء النساء مقارنة بأعداد الرجال. غالبية الأسماء المعلنة تكون لرجال، ونادراً ما يُذكر اسم امرأة أو عدد محدود جداً منهن ضمن قوائم الإفراجات.

على سبيل المقال لا الحصر، يظهر في قوائم الإفراجات التي أُعلنَت في يناير/كانون الثاني 2023، والتي تضمنت عشرات الأسماء، اسم “فايزة فوزي إبراهيم عبد الرشيد” واحدةً من الأسماء القليلة جداً من النساء، ضمن قائمة كبيرة من الرجال. وبالرغم من الإفراج عن 4466 سجيناً في يناير/كانون الثاني 2025، فقد ذُكر أنهم “رجال ونساء”، لكن التفاصيل المحددة لأعداد النساء غالباً ما تكون غائبة أو تمثل نسبة ضئيلة جداً عند ذكر الأسماء.

وتشير تقارير أخرى إلى أنه حتى في الأعداد الإجمالية للمفرج عنهم منذ تفعيل لجنة العفو، فإن النساء يمثلن “نسبة ضئيلة جداً” من المجموع الكلي. فمثلاً، في إحدى الإحصائيات لعام 2020، كانت 23 امرأة فقط من أصل 915 مفرجاً عنهم. وبناءً على المراجعات المتاحة، لا يمكن تحديد نسبة دقيقة لعدد النساء في كل قائمة على حدة لعدم توفر تفاصيل شاملة عن جميع الأسماء، لكن الاتجاه العام يشير إلى أن نسبتهن في قوائم العفو الرئاسي والإفراجات قليلة للغاية، وقد تكون أقل من 5% في العديد من القوائم المعلنة، وأحياناً قد تكون صفراً في بعض الدفعات الصغيرة التي يُفرَج عنها.

السجينات السياسيات.. انتهاكات ومصير مجهول

هذا التمييز في قوائم العفو والإفراجات يعكس الواقع الحقوقي الأوسع في مصر، إذ تواجه السجينات السياسيات ظروفاً خاصة من الانتهاكات، وبالإضافة إلى الأوضاع العامة المتردية للسجون، تتعرض النساء للإهمال الطبي المتعمد، وسوء المعاملة الجسدية والنفسية، والتضييق على الزيارات، وكل ذلك يُضاف إلى وطأة الحبس التعسفي.

وتدعو المنظمات الحقوقية باستمرار إلى إيلاء اهتمام خاص لملف السجينات السياسيات، نظراً لخصوصية أوضاعهن واحتياجاتهن، وضرورة أن تشمل قوائم العفو والإفراجات أعداداً أكبر منهن، بما يتناسب مع حجم الانتهاكات التي يتعرضن لها. لكن هذه الدعوات لا تزال تلقى استجابة محدودة، ما يضع علامات استفهام حول مدى جدية التعهدات بتحسين ملف حقوق الإنسان في مصر.

وفي غياب أرقام رسمية، تشير تقديرات حقوقية إلى أن المئات من النساء يواجهن مصيراً مجهولاً بسبب آرائهن أو نشاطهن السلمي. وتعاني السجينات السياسيات من انتهاكات خاصة وممنهجة تتضمن “الإهمال الطبي المتعمد: يُعد هذا من أبرز الشكاوى، حيث تُحرم العديدات الرعاية الطبية اللازمة، ما يؤدي إلى تدهور صحتهن، ولا سيما المصابات بأمراض مزمنة. والاعتداءات الجسدية والمعنوية، إذ تتحدث تقارير عن تعرض السجينات لسوء معاملة من قبل حراس السجون، بما في ذلك الضرب، والتفتيش المهين، واستخدام الفوط الصحية وسيلةً للعقاب أو الابتزاز”.

كذلك تعاني السجينات السياسيات في مصر، طبقاً لتقارير حقوقية من ظروف الاحتجاز المتردية، إذ غالباً ما يُحتجزن في زنازين مكتظة وغير صحية، تفتقر إلى التهوية والضوء الطبيعي، مع سوء التغذية وصعوبة الوصول إلى المستلزمات الأساسية. وقيود الزيارات: تُفرض قيود صارمة على زيارات الأهل والمحامين، وفي بعض الحالات تُمنع الزيارات تمامًا لفترات طويلة، ما يزيد من عزلتهن. والحبس الانفرادي: يُستخدم وسيلةً للعقاب أو الضغط النفسي الشديد. والتأثير النفسي: تؤدي ظروف الحبس القاسية إلى تدهور كبير في الصحة النفسية للسجينات، وقد تتسبب في صدمات نفسية طويلة الأمد.

وشهدت السنوات العشر الماضية (منذ عام 2014) اعتقال وسجن العديد من النساء البارزات وغير البارزات، اللواتي دفعن ثمناً باهظاً لمواقفهن. من بين أبرز الأسماء التي أثارت قلق المنظمات الحقوقية، عائشة الشاطر ابنة القيادي خيرت الشاطر، التي عانت من ظروف احتجاز قاسية وإهمال طبي متعمد أدى إلى تدهور خطير في صحتها، وظهرت في إحدى جلسات المحاكمة على كرسي متحرك.

وكذلك هدى عبد المنعم، المحامية والناشطة الحقوقية المسنة التي تعرضت للاعتقال التعسفي وظروف حبس سيئة، وجرى تدويرها في قضايا متعددة لإطالة فترة حبسها رغم تقدمها في العمر ومعاناتها من أمراض مزمنة. ومروة عرفة، المترجمة والناشطة التي قضت ما يقرب من أربع سنوات في الحبس الاحتياطي، ما كان له تأثير مدمر على ابنتها الصغيرة.

هذه النماذج ما هي إلا غيض من فيض لقصص النساء اللاتي يواجهن القمع في مصر، وتستمر المنظمات الحقوقية في توثيق هذه الانتهاكات والدعوة إلى الإفراج الفوري عن جميع السجينات السياسيات، وضمان حقوقهن الأساسية، في ظل دعوات دولية متزايدة للقاهرة إلى احترام التزاماتها الحقوقية.

وترى منظمات حقوقية أن “استمرار هذا النهج في كل مناسبة دينية أو وطنية، رغم المناشدات الحقوقية المتكررة، يُعد انتهاكاً صارخاً لحق فئة كبيرة من المواطنين في العدالة، ويعمّق معاناة آلاف الأسر التي تنتظر لحظة أمل في عودة أبنائها، لا لشيء سوى لأنهم عبّروا عن رأي أو مارسوا نشاطاً سلمياً مشروعاً”.

ومنذ عام 2014، اتسم المشهد الحقوقي في مصر بقمع منهجي للمعارضة، حيث تستهدف السلطات باستمرار الصحافيين، والمحامين، والنشطاء الحقوقيين، وأي صوت ينتقد الحكومة. تعتمد السلطات غالباً على اتهامات فضفاضة تتعلق بـ”الإرهاب” أو “نشر أخبار كاذبة” لتبرير الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري.

ووثقت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية تقارير صادمة عن ظروف الاحتجاز المروعة داخل السجون المصرية، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد، وسوء التغذية، والنقص الحاد في الرعاية الصحية، ومزاعم بالتعذيب وسوء المعاملة. هذه الظروف تؤدي غالباً إلى تدهور صحة العديد من المعتقلين، وفي بعض الحالات، إلى الوفاة داخل مقار الاحتجاز.

كذلك تواجه منظمات المجتمع المدني المستقلة قيوداً خانقةً، بما في ذلك التضييق على عملها وتمويلها، وملاحقة نشطائها، ما يحد بشدة من قدرتهم على توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم للضحايا. وفي غياب إحصائيات رسمية، تُشير تقديرات المنظمات الحقوقية إلى أن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين محتجزون في مصر، وتُشكل النساء نسبة ليست قليلة منهم. وفي عام 2022، تحدثت تقارير غير رسمية عن نقل نحو 500 سجينة سياسية من سجن القناطر إلى مجمع سجون وادي النطرون، في خطوة زادت من الغموض حول أوضاعهن.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here