لماذا تراجع ترتيب القضاء المصري في مؤشر العدالة الدولي؟

2
لماذا تراجع ترتيب القضاء المصري في مؤشر العدالة الدولي؟
لماذا تراجع ترتيب القضاء المصري في مؤشر العدالة الدولي؟

عبد الكريم سليم

أفريقيا برس – مصر. تراجع ترتيب القضاء المصري في مؤشر العدالة العالمي لعام 2023، الذي يصدره مشروع العدالة العالمي، إذ احتلت المركز 136 من أصل 142 دولة شملها المؤشر. ولم تسبق مصر في الترتيب سوى دول نيكاراغوا والكونغو الديمقراطية وهايتي وأفغانستان وكولومبيا وفنزويلا. يعتمد مؤشر العدالة العالمية على مجموعة من المعايير، منها سيادة القانون وحقوق الإنسان، والتدخّل الحكومي، ومدى توافر العدالة المدنية والجنائية، ومبادئ الشفافية واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين، والنظام الأمني، وغيرها.

والتزمت الهيئاتُ القضائية الرسمية المعنية في مصر، سواء المجلس الأعلى للقضاء، أو المجلس الخاص لمجلس الدولة، أو نادي القضاة، ناهيك عن وزارتي العدل والخارجية، الصمتَ حيال حصول مصر على هذا المركز المتأخر. كما لم تعبأ القوى السياسية بالتقرير باستثناء نائب الرئيس المصري المؤقت سابقاً محمد البرادعي، الذي حذر من خطورة الأمر بالقول: “إن هذه المخاطر لا يمكن تخيلها، بشكل يستوجب وقفة تمنع تكرار هذا الأمر، الذي لا يليق بدولة بحجم مصر”. وثمة تساؤلات حول تداعيات هذا الترتيب على مرفق العدالة، ومجمل الأوضاع في مصر، وأسباب هذا التأخر، وعلاقة هذا التدخل بآلاف الأحكام القاسية والمسيسة التي تم إصدارها بحق المعارضين السياسيين للنظام.

ورأى وزير العدل المصري السابق المستشار أحمد مكي، أن أبرز أسباب الترتيب المتدني لمصر في مؤشر العدالة “مساعي السلطة للانتقاص من استقلالية القضاء، ما أدى لتراجع الثقة الشعبية في القضاء كمرفق قادر على صيانة الدستور والقانون والحفاظ على حقوق المواطنين ورفع الظلم عنهم”. ولفت إلى أن من بين الأسباب أيضاً الضغوط الرسمية على القضاء، والطابع المسيّس للأحكام ضد المعارضين السياسيين، وأحكام الإعدامات بالجملة، والتوسع اللامحدود في الحبس الاحتياطي للمعارضين، وتحكم السلطة التنفيذية فيه عبر الامتيازات المالية والانتداب لأعضائه للعمل في مؤسسات الدولة الرسمية، فضلاً عن انتشار المظالم وعجز القضاء عن التصدي لها، كلها تقف وراء هذا الترتيب المتدني لمصر في مؤشر العدالة.

واعتبر مكي أن تبعات تراجع الثقة في القضاء المستقل تبدو شديدة الخطورة على السلم الاجتماعي في مصر، باعتبار أن القضاء هو المرفق المنوط به الحفاظ على منظومة المجتمع القيمية، وبدونه، سينهار هذا المجتمع، وسيغيب عنه الأمان، وينتشر الفساد والانحراف. وأشار إلى أن “وجود القضاء المستقل كان السبيل الأهم لبناء الحضارات تاريخياً عبر فض النزاع بين المتخاصمين، وبدون استعادة هذا الاستقلال، لن تقوم للقضاء قائمة، ولن تكون هناك أي ثمار لأي إصلاح، ولن نكون قادرين على جذب الاستثمارات الأجنبية إلا عبر استقلال القضاء وسيادة القانون، وأي نهج مخالف لهذا لن يحقق أي نتيجة”.

بدوره، أوضح نائب رئيس محكمة النقض الأسبق المستشار محمد ناجي دربالة، أن تأثير هذا التراجع يبدو شديداً على مرفق القضاء، في مقدمتها تكريس حالة من عدم الثقة في هذا المرفق المهم، واستمرار غياب الثقة فيه من جانب ملايين المصريين المتشككين في قدرته على الحفاظ على حرياتهم وممتلكاتهم وحقوقهم الأساسية ومنع تغول السلطة التنفيذية عليهم، بشكل جعل قطاعاً واسعاً من المصريين ينظر للقضاء باعتباره قد تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى أحد أذرع السلطة التنفيذية.

هذا الترتيب المتأخر لمصر في مؤشر العدالة العالمي له تأثيرات سلبية على الصعيد السياسي، وفقاً لدربالة، في ظل تراجع الثقة بالقضاء، إذ ينتج منه تكريس الانتخابات المصنوعة والمجالس النيابية المهندسة، بشكل يسهم في إفساد الحياة السياسية وصعود شخصيات ذات قدرات محدودة لصدارة هذا المشهد، لا يملكون إلا نفاق السلطة والسير في ركابها، فضلاً عن انتشار الفساد بكل أنواعه، كترجمة واقعية لغياب القضاء الحر النزيه.

من تداعيات هذا أيضاً، بحسب دربالة، إخفاق جميع الجهود الحكومية لجذب الاستثمارات الخارجية، فلا يمكن أن تتدفق الاستثمارات الأجنبية في بلد يفتقد القضاء المستقل. وتساءل: “كيف يأتي المستثمر وهو لا يرى قضاء قوياً قادراً على استعادة حقوقه في ظل وقوع أي خلاف مع السلطات الرسمية، وكذلك وقوف هذا المستثمر أمام صدور قرارات تحفظ على أموال رجال الأعمال المصريين، والتي تتم بجرة قلم وبدون أي أدلة واضحة تدينهم؟”.

ولفت إلى أن الجهات الدولية أصبحت تصرّ حين تدخل في اتفاقات مع الحكومة المصرية، على أن يكون التحكيم الدولي هو جهة الفصل في أي نزاع، بشكل عزز أجواء عدم الثقة داخلياً وخارجياً في القضاء المصري، بل وأطاح بسجل تاريخي سطره القضاء المصري المستقل لعقود، مضيفاً أن التداعيات السلبية امتدت لمؤسسات القضاء المصرية العريقة ومنها نادي القضاة، حيث غدت جميعها غير قادرة إلا على التماهي مع مواقف السلطة المعادية لاستقلال القضاء أو على الأقل لزوم الصمت حيال ممارساتها. هذه المؤسسات القضائية، وفقاً لدربالة، لم تحرك ساكناً إزاء محاولات إهدار استقلال القضاء وأحكام سيطرة السلطة واستحداث مؤسسات تكرس هذه السيطرة، والتي كان آخرها المجلس الأعلى للهيئات القضائية، والذي مثّل تشكيله رصاصة رحمة على استقلال القضاء.

من جهته، رأى مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد أن هذا الترتيب المتدني لمصر في مؤشر العدالة، يعد نتيجة طبيعية لمجمل السياسات التي اتّبعها السلطات المصرية خلال الأعوام العشرة الماضية، وجني لثمار إهدار سلطة القانون وإهدار سيادة العدالة خلال تلك الفترة.

ولفت إلى أن تداعيات هذا الترتيب المتدني ستكون خطيرة جداً على المجتمع المصري، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بشكل يستوجب الكف عن دهس الدستور والقانون يومياً بأقدام السلطة الغليظة، باعتبار أن هذا النهج حوّل مصر إلى دولة منبوذة، وهذا ما يظهر في قلة الإقبال على زيارة مصر من قادة الدول ومسؤوليها، وكذلك السياح، بشكل يحمل تبعات سيئة على اقتصاد البلاد. وشدد عيد على أن محاولات مواجهة هذه المشكلة وإصلاح مرفق القضاء أمر شديد الصعوبة ويحتاج لجيل كامل من القضاة قد يستغرق من 10 إلى 15 عاماً حال توافرت له الإرادة السياسية.

من جهته، حدد السياسي والناشر المصري هشام قاسم، عدداً من الخطوات التي يجب اتخاذها لمواجهة الترتيب المتدني لمصر في مؤشر العدالة. أولى هذه الخطوات، برأيه، هي تجميد التعديلات الدستورية والقانونية التي تم إدخالها على قانون السلطة القضائية عام 2018. وتُحوّل هذه التعديلات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى رئيس للسلطة القضائية، مما يمنحه الحق في تعيين رؤساء المحاكم الكبرى ورئاسة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وهو ما يُشكّل عدوانا على استقلال القضاء، برأي قاسم.

ثاني الخطوات، بحسب قاسم، هي حصر سلطات وزير العدل في ترتيب الشؤون الإدارية للقضاء، ومنعه من القيام بأي دور سياسي، أو تحديد وجهة القضاء، أو تشكيل دوائر بعينها لقضايا. ثالث الخطوات، وفقا للسياسي المصري المفرج عنه حديثاً بعد حبسه لرفضه دفع كفالة، هي إلغاء جميع المحاكم الاستثنائية، وتقليص مدد الحبس الاحتياطي، ووضع ضوابط معينة لعدم التوسع فيه لأسباب واهية وبدون أي أسس قانونية. وبرأيه يجب أيضاً غل يد الدولة بشكل تام عن التدخّل في شؤون القضاء، وصيانة استقلاله الحقيقي عبر ميزانيات مستقلة تقطع الطريق على منح وامتيازات يتم توظيفها لاستمالة البعض. ولفت قاسم إلى أن غياب القضاء المستقل، وتحوله إلى إحدى أذرع السلطة، هو من علامات بداية انهيار الدول، لذا، فإن استقلال القضاء يعدّ البنية الأساسية لارتقاء الدول ورفاهيتها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here