إصدار البرلمان “قوانين الانتخابات” يربك المشهد الليبي

10
إصدار البرلمان
إصدار البرلمان "قوانين الانتخابات" يربك المشهد الليبي

أفريقيا برس – ليبيا. إثارت مصادقة مجلس النواب الليبي السريعة والمفاجئة وبـ “الإجماع” على قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ثم توقيع عقيلة صالح، رئيس المجلس، عليها بعد يومين، ريبة وشك لدى المجلس الأعلى للدولة، الذي شدد على رفض أي تعديل لاحق على مخرجات لجنة 6+6.

والمثير للاستغراب أن عقيلة، عارض علنا اتفاق اللجنة، المشكلة من ستة أعضاء من مجلس النواب وما يساويهم من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، على قوانين الانتخابات في يونيو/حزيران الماضي.

ودون سابق إنذار صادق مجلس النواب على قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ثم وقعها عقيلة، لتصبح واجبة النفاذ (بعد نشرها في الجريدة الرسمية)، وأحال نسخة منها إلى المفوضية العليا للانتخابات.

لم يكن من المرجح أن يوّقع عقيلة، على قوانين الانتخابات بهذه السرعة، دون أن يأخذ التزاما من المجلس الأعلى للدولة، بالعمل معا لتشكيل حكومة مصغرة وموحدة لإجراء الانتخابات، مثلما حث عليه بعض النواب.

ضبابية

ما يثير الغموض أكثر الضبابية وعدم الوضوح حول قوانين الانتخابات التي صادق عليها مجلس النواب، هل هي نفسها ما اتفقت عليه لجنة 6+6 المشتركة، أم تم التعديل عليها؟ أم أن هناك نية للتعديل عليها مستقبلا، وفق ما قاله عقيلة صالح، نفسه في رده على تحفظات بعض النواب على بعض النقاط.

والغريب أنه لم يتم التنسيق مع المجلس الأعلى للدولة في هذا الشأن، بدليل أن أعضاء في المجلس طالبوا بمخاطبة مجلس النواب لإرسال نسخة من القوانين الانتخابية التي صوت عليها في جلسته الأخيرة، للتأكد من عدم تغيير جوهر القوانين الصادرة عن اللجنة المشتركة، كما أعلنوا تمسكهم بنتائج أعمالها، ورفض أي تعديل لاحق عليها.

وفي خطوة من شأنها منع أي مناورة سياسية لتعديل قوانين الانتخابات، صوت المجلس الأعلى للدولة بحل فريقه في لجنة 6+6، “بعد إنجاز مهمته”.

ويمثل موقف المجلس الأعلى للدولة، تمسكا بمخرجات اللجنة المشتركة بما فيها قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأيضا تشكيل حكومة جديدة موحدة، التي يعارضها عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، ويصر على عدم تسليم السلطة إلا لحكومة معينة من برلمان منتخب.

وهذا ما يفسر لماذا سارع عقيلة إلى توقيع قوانين الانتخابات، ما يرجح أنه ضمن إلى حد ما استعداد رئيس المجلس الأعلى للدولة الجديد المضي معه في مسار تشكيل حكومة جديدة، أو على الأقل وضعه أمام الأمر الواقع، للشروع في “تشكيل لجنة مشتركة لقبول طلبات الترشح لرئاسة الحكومة” الجديدة.

تناقضات

وقع مجلس النواب في عدة تناقضات وعدم وضوح، أولها أن عقيلة، أعلن أنه لم يستلم مشاريع قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بينما أنهت لجنة 6+6 وضعها في 6 يونيو/حزيران الماضي.

ولا يوجد سبب واحد كان يمنع عقيلة من استلام مشاريع القوانين في الأيام الأولى بعد إنهائها، سوى عدم رغبته في عرضها على الجلسة العامة لمجلس النواب للمصادقة عليها.

في 12 يونيو، قال عقيلة، إن المجلس لم يتسلم “أي قانون بشكل رسمي”، لكنه عبّر عن تحفظه على نقطتي ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين، وقال “وجدت أن نص انتخاب الرئيس من جولتين، المقصود به تعطيل الانتخابات”، في إشارة لرفضه تنازل مزدوج الجنسية عن جنسيته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية كشرط لترشحه لها.

والمثير في هذه النقطة، أنها لم تعد مطروحة بالنسبة لعقيلة، بعدما أوضح أن قوانين الانتخابات “لم تُقصِ أحدا ممن تتوافر فيه الشروط الخاصة بالترشح”، في إشارة إلى رغبة حفتر في الترشح، دون التنازل عن جنسيته الأمريكية، أو فقدان “منصبه” العسكري إذا لم يفز في الانتخابات.

ويناقض هذا الكلام، تأكيد عقيلة، في نفس الجلسة، أن مجلس النواب ليس من حقه تعديل أو الاعتراض على قوانين اللجنة، وفقا للتعديل الدستوري.

ما يثير تساؤلات حول ما إذا عدلت اللجنة، مشروع قانون انتخاب الرئيس، أم أن عقيلة والموالين له من النواب قاموا بتعديله فعلا، متجاوزين بذلك نص التعديل الدستوري.

صدى منكوبي درنة

لا شكك أن الاحتجاجات الصاخبة لمئات الغاضبين من أبناء مدينة درنة (شرق) التي مسحت الفيضانات ربع أحيائها، والمطالبة برحيل عقيلة صالح، لعبت دورا في تسريع مجلس النواب التصويت على مشاريع قوانين الانتخابات لامتصاص هذا الغضب، الذي وصل صداه إلى خارج البلاد.

لا يريد عقيلة، أن يكون في نظر المجتمع الدولي بمثابة المعرقل للانتخابات، لذلك رمى الكرة في مرمى مجلس الدولة، للبدء في تشكيل لجنة مشتركة لقبول طلبات الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة والموحدة.

فإن وافق مجلس الدولة على تشكيل حكومة جديدة يكون بذلك عقيلة، خطا خطوة هامة نحو الإطاحة بحكومة الدبيبة، وأدخل كلا من محمد تكالة والدبيبة، في صراع بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية في المنطقة الغربية، ما سيؤدي إلى إضعافهما معا، وتقوية تحالف حفتر وعقيلة في الشرق.

أما إن رفض تكالة، المُضي في مسار الإطاحة بحكومة الدبيبة، فسيحاول رئيس مجلس النواب تحميله مسؤولية عرقلة إجراء الانتخابات أمام الرأي العام في درنة وفي البلاد ككل، وأمام المجتمع الدولي.

وفي هذا السياق، راسل عقيلة، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وأشهده بأن “مجلس النواب أوفى بالتزاماته في إصدار القوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة 6+6 بناء على التعديل الدستوري الثالث عشر”.

عقيلة، لم يكتف بذلك بل دعا غوتيريش، إلى “حشد دعم لتشكيل حكومة موحدة، مهمتها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية”.

وفي جميع الحالات، فإن السماح بترشح مزدوجي الجنسية من شأنها إثارة رفض مجلس الدولة، أو على الأقل جناح الصقور الداعم لتكالة، الذي يعتبر ترشح حفتر للرئاسة خط أحمر، ويؤيدهم في ذلك أغلب الكتائب الأمنية في المنطقة الغربية.

أما المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، فكان أكثر تحفظا بالترحيب بهذه الخطوة، وأعرب عن تطلعه “لاستلام مشاريع القوانين المنقحة”.

إذ يرى باتيلي، أن نتائج مشاريع القوانين التي أخرجتها لجنة 6+6 غير قابلة للتنفيذ ولن تقود البلاد إلى الانتخابات، وطالب مرارا بتعديلها وتوسيع دائرة المشاورات لأطراف أخرى للتوصل إلى “تسوية سياسية شاملة”.

لذلك فليس من المنتظر أن يدعم باتيلي، ولا الأمم المتحدة خطوة مجلس النواب بالصيغة الحالية، التي إن أرضت حفتر فستغضب مجلس الدولة، وإن قبلها الأخير فسيرفضها الدبيبة.

وهذا الوضع سيدخل البلاد في سجالات سياسية، بينما مدينة درنة المنكوبة من الفيضانات، في أمسّ الحاجة لإعادة إعمارها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here