تداعيات ضريبة النقد الأجنبي على الاقتصاد الليبي بين الاستقرار والتحديات

88
تداعيات ضريبة النقد الأجنبي على الاقتصاد الليبي بين الإستقرار والتحديات
تداعيات ضريبة النقد الأجنبي على الاقتصاد الليبي بين الإستقرار والتحديات

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. تعيش ليبيا في مرحلة من التحديات الاقتصادية الكبيرة، حيث تواجه العديد من الصعوبات التي تؤثر بشكل مباشر على معيشة المواطنين واستقرار السوق المحلي.

إحدى أبرز هذه التحديات كانت الخطوة التي اتخذها مصرف ليبيا المركزي بفرض ضريبة على النقد الأجنبي، وهي خطوة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والمالية على مر الشهور الماضية.

في هذا السياق، قام المصرف المركزي مؤخرًا بتخفيض هذه الضريبة إلى 15%، مع تعزيز الإجراءات الخاصة بفتح الاعتمادات المستندية، وهو ما يشير إلى محاولة لإعادة التوازن إلى السوق المحلي.

ولكن، هل كانت هذه الخطوة كافية لحل الأزمة الاقتصادية؟ وما هي تداعياتها على الاقتصاد الليبي في المدى القريب والبعيد؟

في هذا الحوار الذي أجرته “أفريقيا برس”، مع الخبير الإقتصادي والمصرفي فوزي ددش، نناقش هذه القضايا عبر طرح تساؤلات الشارع الليبي حول هذا الموضوع.

ما هي الأسباب التي دفعت المصرف المركزي لفرض ضريبة على النقد الأجنبي؟

بدأت مسألة فرض الضريبة على النقد الأجنبي في إطار محاولات الحكومة الليبية وسلطات مصرفها المركزي التعامل مع العجز الكبير في الميزانية العامة للدولة. في هذا السياق، يشير فوزي ددش إلى أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المصرف المركزي لفرض الضريبة كانت تغطية العجز في الموازنة العامة، خاصة مع تخصيص جزء كبير من الإنفاق الحكومي لتغطية المرتبات العامة التي تشكل أكثر من 60% من إجمالي الموازنة.

هذا الإنفاق الضخم لم يقتصر فقط على دفع الرواتب، بل شمل أيضًا تكاليف أخرى مرتبطة بمشاريع غير ذات جدوى اقتصادية، ما ساهم في زيادة حجم الفساد المالي وإهدار المال العام. ونتيجة لذلك، كان لا بد من اللجوء إلى فرض ضريبة على النقد الأجنبي لتغطية هذه الفجوة التمويلية. إلا أن ددش يلفت النظر إلى أن استمرارية هذه الضريبة، دون إيجاد حلول جذرية لمشاكل الإنفاق الحكومي وفساد المال العام، ستؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الليبي.

كيف يمكن لهذه الضريبة أن تؤثر على القوة الشرائية للمواطن؟

تأثير الضريبة على القوة الشرائية للمواطن يعتبر أحد القضايا الحيوية التي يثيرها الخبراء الاقتصاديون. يوضح فوزي ددش أن استمرار فرض هذه الضريبة سيؤثر بشكل سلبي على القوة الشرائية للمواطنين، سواء من أصحاب الدخل المحدود أو ذوي الدخل المرتفع، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية. إن ارتفاع تكلفة النقد الأجنبي الذي ترتب عليه زيادة في أسعار السلع المستوردة قد جعل المواطن الليبي يعاني من ضغوط اقتصادية إضافية، حيث أصبح من الصعب على الكثيرين شراء السلع الضرورية التي يحتاجونها في حياتهم اليومية. ويؤكد ددش أنه لا بد من تنسيق أكبر بين المصرف المركزي ووزارة المالية والاقتصاد لوضع خطة شاملة تهدف إلى استقرار سعر الصرف وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.

بالإضافة إلى ذلك، يشدد على ضرورة تحديد أولويات الاستيراد وتعزيز الأمان الاجتماعي بما يتماشى مع متطلبات السوق المحلي.

هل كان فرض الضريبة ضروريًا لتغطية العجز في الموازنة؟

بينما يرى بعض الاقتصاديين أن فرض الضريبة كان خطوة ضرورية للتعامل مع عجز الميزانية، فإن فوزي ددش يعتقد أن هذا القرار كان مقبولًا لفترة قصيرة فقط وبنسبة محددة. ويضيف ددش أنه على الرغم من أن فرض الضريبة كان يهدف إلى تغطية العجز المالي، إلا أن استمرار هذه الضريبة لفترة طويلة قد يكون له تداعيات غير مرغوبة، مثل تزايد التضخم وزيادة معاناة المواطنين. ويرى أن هذا الإجراء قد يكون مقبولًا في حالات طارئة ولكن لا يجب الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية. وأكد ددش أن تكرار التخفيضات على قيمة العملة الوطنية بشكل مستمر لن يكون له مبرر في ظل الوضع الراهن، خاصة في ظل الانهيار الواضح في قيمة الدينار الليبي.

هل أدى فرض الضريبة إلى زيادة هجرة رؤوس الأموال؟

من المؤكد أن فرض الضريبة على النقد الأجنبي كان له تأثير مباشر على حركة رؤوس الأموال داخل ليبيا. يشير ددش إلى أن الضريبة ساهمت في تراجع الأنشطة الاقتصادية المحلية وزيادة هجرة رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، حيث أصبحت المصارف المحلية أقل جذبًا للمستثمرين ورجال الأعمال. ونتيجة لعدم الاستقرار الاقتصادي، انتعشت الأسواق الموازية، التي أصبحت أكثر رواجًا من القنوات المصرفية الرسمية. هذه الظاهرة ساهمت في زيادة عمليات تهريب الأموال، وظهر تأثير ذلك في تراجع الثقة بين المستثمرين والبنوك المحلية. وأدى ذلك إلى تراجع الإقبال على المصارف وظهور سوق غير قانونية تبيع الدولار والعملات الأجنبية بأسعار تفوق ما هو معروض في السوق الرسمية. لذلك، يعتبر ددش أن هذا الأمر يعد مؤشرًا على فشل السياسات النقدية في جذب رؤوس الأموال وتعزيز الاقتصاد الوطني.

ما هي الإجراءات المتوقعة لتحسين الوضع الاقتصادي بعد تخفيض الضريبة؟

بعد تخفيض الضريبة على النقد الأجنبي إلى 15%، يشير ددش إلى أن الأمور بدأت تتحسن تدريجيًا، خصوصًا فيما يتعلق بالحركة المصرفية وتدفق الاعتمادات المستندية، خاصة في ظل الاقتراب من شهر رمضان المبارك، الذي يتطلب تحركات اقتصادية سريعة.

ومع ذلك، يؤكد ددش أن هذه التحسينات يجب أن تكون مدعومة بتسريع الإجراءات داخل المصرف المركزي، بما يضمن تغطية اعتمادات الاستيراد بكفاءة وسرعة، وتجنب أي مشاكل قد تحدث نتيجة لبطء الإجراءات.

وأكد أن المصرف المركزي بحاجة إلى مراقبة أداء السوق ومواكبة التطورات في احتياجات السوق المحلي وتوفير العملة الأجنبية بأسعار عادلة.

هل يمكن أن يكون لهذا التعديل في الضريبة تأثير إيجابي على الوضع المعيشي للمواطنين؟

أشار ددش إلى أنه في حال تنفيذ الإجراءات الرقابية الصارمة على الأسواق والتهريب بشكل فعال، فإن هذا التعديل في الضريبة قد يكون له تأثير إيجابي على المواطنين.

إذ من الممكن أن يؤدي تخفيض الضريبة إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، إذا تم القضاء على السوق الموازية وتحسين عملية استيراد السلع بشكل رسمي.

وفي حالة تضافر الجهود بين المصرف المركزي والجهات المعنية لمراقبة السوق وضبط حركة العملات الأجنبية، قد تكون هذه خطوة إيجابية نحو تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة.

ومع ذلك، يتطلب ذلك إرادة سياسية قوية وتنفيذًا فعالًا لتلك السياسات من أجل ضمان نجاحها.

في الختام، تعد مسألة فرض الضريبة على النقد الأجنبي أحد القرارات الاقتصادية المثيرة للجدل في ليبيا، والتي ما زالت آثارها واضحة في الاقتصاد المحلي. ورغم تخفيض الضريبة مؤخرًا إلى 15%، إلا أن الطريق نحو استعادة الاستقرار الاقتصادي في البلاد ما زال طويلًا ومعقدًا. يتطلب الأمر استمرار التنسيق بين المصرف المركزي، الحكومة، والقطاع الخاص، بالإضافة إلى وضع سياسات نقدية طويلة الأمد تركز على استقرار سعر الصرف، تعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين قدرة المواطن الليبي على مواجهة التحديات الاقتصادية اليومية.

إذا تمت متابعة هذه الإجراءات بفعالية، فإنها قد تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي بشكل تدريجي وتضمن استقرارًا في المستقبل القريب.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here