رأى موقع «لوب لوغ» الأميركي أن إنهاء الحرب الأهلية في ليبيا ممكنًا، لكن شريطة توافق مختلف الأطراف على عدد أمور من بينها هيكل أمني للبلد وشكل الحكومة، إلى جانب إحجام الدول الإقليمية والأجنبية عن تقديم الدعم للأطراف المحلية، محذرًا في الوقت نفسه من فشل العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، الأمر الذي قد يفاقم العنف الذي تحفزه الرغبة في السيطرة على موارد البلد.
وقال الموقع إن الحرب الأهلية التي اندلعت في منتصف العام 2014 ليبيا هي الحرب الأكثر تعقيدًا التي لا تزال مستمرة، مضيفًا أنه إلى جانب الانقسام السياسي، فقد دخلت قوات متطرفة مثل «تنظيم داعش» الحرب الأهلية وزادت من تعقيد الديناميكيات القبلية القائمة في منطقة فزان الجنوبية التي تفتقر إلى سلطة القانون في أغلب الأحيان.
الأزمة لا تزال تتفاقم بغض النظر عن حافز العديد من اللاعبين المحليين والأجانب المتدخلين في الحرب الأهلية بأن الصراع يجب أن يحل سلميًا
وأضاف الموقع، في تقرير أمس الأربعاء أعده جورجيو كافيرو، أنه من منظور الدول الأوروبية وجيران ليبيا، فإن استمرار الأزمة يفرض عدد لا يحصى من التحديات الأمنية، مشيرًا إلى أن الأزمة لا تزال تتفاقم بغض النظر عن حافز العديد من اللاعبين المحليين والأجانب المتدخلين في الحرب الأهلية بأن الصراع يجب أن يحل سلميًا.
وبحسب التقرير، فقد عرقلت بعض الدول الأجنبية إمكانية التوصل إلى مصالحة وطنية في ليبيا، في سعيهم خلف مصالحهم الجيوسياسية والأيدولوجية.
ورأى كاتب التقرير أنه يتحتم على المجتمع الدولي لكي يساعد الليبيين على نحو مسؤول للمضي قدمًا إلى سلام واستقرار دائمين أن يخاطب الدول الإقليمية التي ترعى عملائها في ليبيا التي مزقتها الحرب.
إرث الديكتاتور
وقال موقع «لوب لوغ» إن «طبيعة حكم معمر القذافي الذي استمر 42 عامًا تساعد في تفسير العديد من المشكلات التي لا يزال الليبيون يكافحون لتخطيها بعد ثمان سنوات من إطاحة القذافي»، موضحًا أن ثورة العام 2011 أطاحت بمتخذ القرارت الوحيد في البلد، الذي شكلت مؤسساته ليبيا على مدار عقود وحددت كيف تخصيص وتوزيع الثروة النفطية.
وتابع أن ليبيا أصحبت بلدًا خاليًا من أي مجتمع مدني أو أي نظام يحميان الحقوق السياسية للافراد والحريات المدنية، وأضحت غارقة بالأسلحة وعدد لا يحصى من الجماعات التي تملأها روح الانتقاك والعزم على تسوية حسابات قديمة.
وأشارت الموقع إلى أنه وسط حالة عدم الاستقرار الفوضوية التي أعقبت الثورة، لم تحدث عملية انتقال ديمقراطية، بل على العكس فقد كان الهيكل الأمني الجديد منقسمًا وغير مركزي إلى نحو كبير، مضيفًا أنه في ظل هذا الوضع لم يكن هناك هوية وطنية ليبية قوية للتصدي إلى الانقسامات العرقية واللغوية والأيدولوجية والجغرافية والقبلية التي تصدرت المشهد ولتوحيد المواطنين سويًا.
وبناء على ذلك، شلكت تلك التطورات إلى حد كبير المشهد في ليبيا، مما عرقل صعود أي مؤسسات وطنية فعالة منذ الثورة، وفقًا لتقرير «لوب لوغ»، الذي أشار إلى أن حالة الانقسام العميقة في ليبيا تسببت في إحباط الدول الغربية -الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا- لعدم إحراز تقدم ديمقراطي ونتيجة لذلك صرفت تلك الدول انتباهها بعيدًا عن البلد.
وفي المقابل، أصبحت الدول الإقليمية منخرطة في ليبيا على نحو متزايد، إذ كان جيران ليبيا وتركيا والممالك الخليجية مصرين على تعزيز وضع عملائهم في البلد عن طريق العلاقات الجغرافية والأيديولوجية، بحسب التقرير.
وقال الموقع إن «الصراع الليبي والطرق التي اقحمت بها الدول الإقليمية نفسها في الحرب الأهلية تعكس انقسام عميق في العالم الإسلامي السني الأكبر».
وأوضحت أن تلك الدول انقسمت إلى كتلتين، الأولى مناهضة لجماعة الإخوان المسلمين وتشمل مصر والسعودية والإمارات وقد دعمت الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، والثانية تدعم للفصائل الإسلامية في ليبيا والتي تشمل قطر وتركيا والسوادن وساندت ميليشيات من مصراتة، مشيرًا إلى أن التنافس بين الكتلتين في العالم الإسلامي السني ساهم في اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا في العالم 2014 وما تلاه من انقسام.
المعركة من أجل فزان
وقال موقع «لوب لوغ» إن الجيش الوطني الليبي يعمل من خلال العملية العسكرية الذي بدأها بفزان في يناير الماضي على «توسيع نطاق المناطق الخاضعة لسيطرته لإضعاف سلطة حكومة الوفاق الوطني في البلد»، مضيفًا أن العملية «بعثت برسالة إلى طرابلس حول مدى قوة قوات حفتر وإصرارها على إثبات النفوذ السياسي والعسكري في المناطق الغنية بالنفط في ليبيا التي هي محل تنافس مثل حقل الشرارة، ونتيجة لذلك أصبحت تسيطر حاليًا على ثلثي ليبيا وكل الحقول النفطية البرية تقريبًا».
ورأى أن العملية العسكرية للسيطرة على فزان تؤثر على العلاقات المعقدة بين مختلف الجماعات العرقية والقبلية في الجنوب الليبي، لافتًا إلى أن الجبهة المناهضة لحفتر من قبيلتي التبو والطوارق، اللتان سبق وأن تغلبتا على مظالمها لتتوحدا ضد حفتر، ستمر باختبار مع سعي الجيش الوطني لترسيخ سيطرته على فزان.
وأضاف أنه «إذ تمكنت قوة التبو- الطوارق من الصعود كقوة عسكرية كبيرة في فزان، فستؤثر على نحو كبير في البنية الأمنية الليبية المستقبلية في فزان».
لإحلال السلام
رجح موقع «لوب لوغ»، إنجاح العملية التي يقودعها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا لبناء مؤسسات تمثل مختلف الأطياف في ليبيا ممكنًا، لكنه قال إن ذلك يتوقف على أمرًا ضروري وهو أن توصل الدول الأجنبية والإقليمية، التي ترعى لاعبين مختلفين في ليبيا، إلى عملائها رسالة مفادها أن مقاطعة العملية السيايسة ليست خيارًا. لكنه قال إن ذلك لن يكون أمرًا سهلًا
واشترط كذلك لإنهاء الحرب الأهلية أن يكون هناك توافق بين مختلف اللاعبين حول هيكل أمني للبلد، وشكل للحكومة، وإصلاحات سياسية وموقع جغرافي للمؤسسات الكبيرة وغيرها من المسائل، مضيفًا أن إضفاء الشرعية على تلك الإصلاحات والمؤسسات من خلال استفتاءات عامة قد يتطلب أن يتقبل مختلف اللاعبين نتائجها بغض النظر عن ماهيتها.
وأشار الموقع إلى أن الوصول لتلك النتيجة عن بعد لن يكون ممكنًا إلا إذا قلل اللاعبون الأجانب من دعمهم للقوى الرافضة في ليبيا، مضيفًا أن ذلك الأمر تطلب عمليًا تدابير تقررها الأمم المتحدة لوقف صادرات النفط غير الشرعية.
وحذر تقرير «لوب لوغ» من أن الفشل في إنفاذ العملية التي تقودها الأمم المتحدة سيعرض ليبيا لتهديدات أخطر من الانشقاق واحتدام العنف الدائر حول السيطرة على المورد الطبيعي.