أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. قال النائب البرلماني بيرام الداه اعبيدي إن الوقت الحالي يعد مناسباً لتقريب وجهات النظر بين أطياف المعارضة الموريتانية ومواجهة من وصفهم بـ”الغلاة” في نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وأضاف بيرام، في حوار مع “أفريقيا برس”، إن الفرصة مواتية لاختراق الموالاة الجادة التي تقف مع النظام، والعمل على إقناعها بالعودة إلى صفوف المعارضة. وأشار إلى أن نظام الرئيس ولد الغزواني يشهد صراعاً داخلياً محتدماً، وفق تعبيره.
وفي تعليقه على الخطاب الأخير للرئيس بمناسبة عيد الاستقلال، وصف بيرام النظام الحالي بأنه أعاد تكرار نموذج الالتفاف على المؤسسات الذي شهده نظام عام 1978، كما أسهم في تعزيز التفرقة بين الموريتانيين وفشل في تحقيق الوحدة الوطنية.
نبذة عن بيرام الداه اعبيدي:
– ولد في عام 1965 في جنوب موريتانيا، ويعد أحد أبرز الحقوقيين في البلاد.
– زعيم “مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية” المعروفة اختصاراً بحركة “إيرا”، ورئيس حزب “الرك” غير المرخص.
– ترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2014 أمام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وحل ثانياً.
– شارك في الانتخابات الأخيرة، ووفقاً للنتائج المعلنة من اللجنة المستقلة للانتخابات، حصل على المركز الثاني، وهي نتائج رفضها بيرام واعتبرها مزورة وغير معبرة عن إرادة الشعب الموريتاني.
– تعرض للاعتقال عدة مرات بسبب مواقفه السياسية ونشاطه في الدفاع عن حقوق قوم الحراطين.
ما مدى جدية دعوتكم لتحالفات شاملة بين الفاعلين السياسيين ونقابات العمال لمواجهة النفس القبلي وغياب الحكامة؟ وهل تعتقدون أنها ستلقى صدى في ظل تراجع صوت المعارضة؟
الصوت المعارض، الذي كان يمثله في السابق الأحزاب والشخصيات السياسية المعروفة، واجه تحييداً واضحاً. ومع ذلك، المعارضة اليوم لم تختفِ بل أعادت تشكيل نفسها عبر الشارع، حيث ازداد تأثيرها من خلال نشاط المدونين والمؤثرين. ظهرت تيارات معارضة أكثر ديناميكية، من أبرزها الكتلة الداعمة للمرشح بيرام الداه اعبيد خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. الجماهير أصبحت أكثر حضوراً وتفاعلاً، كما وفر الإعلام البديل فضاءً حراً لإسماع الأصوات المختلفة، بعدما أصبحت وسائل الإعلام الرسمية والتقليدية تحت سيطرة السلطات.
العمل السياسي المعارض الجاد لم يتراجع، خاصة أن وجود المعارضة يظل ضرورياً لضمان التوازن السياسي. الوضع الحالي يعيد إلى الأذهان نموذج الالتفاف على المؤسسات الذي عُرف في فترة 1978، والذي أدى إلى تدمير أسس الدولة، وانتشار الزبونية والمحسوبية، وتهميش الكفاءات، ما أفشل مشاريع الديمقراطية آنذاك. هذا المسار لا يزال يعوق أي جهود لخلق بيئة ديمقراطية شفافة، وهو ما يجعل من الضروري اليوم التحرك لمواجهة التحديات التي تهدد المجتمع.
الانتخابات الأخيرة قدمت درساً يجب أن يستفيد منه النظام الحاكم. الوضع الراهن غير مواتٍ، ووعي الشعب لا يمكن أن يقبل بنهج يتعارض مع القيم الديمقراطية.
دعوتم إلى مواجهة قطب المحافظين داخل النظام بالفصائل الأقل غلوًا، واعتبرتم ذلك شرطًا وحيدًا للخروج من الأزمة الحالية، كيف تقيّمون هذا الطرح؟
أرى أن مواجهة قطب المحافظين والغلاة داخل النظام ليست مجرد خيار، بل هي من بديهيات السياسة ومقتضيات تحقيق التوازن. هؤلاء الظلاميون أصحاب غلو سياسي يشكلون خطرًا كبيرًا على الوطن، إذ لا يزنون أعمالهم بميزان المصالح العامة، بل يقودهم تصور خاطئ بأنهم يخدمون النظام. التاريخ مليء بالشواهد على مخاطر هذا النهج، وما حدث في “ألمانيا هتلر” دليل واضح. رغم تقدمها العلمي والعسكري، قادها الغلاة إلى حروب متعددة الجبهات، مما أدى إلى دمارها.
في موريتانيا، لا شك أن هناك غلاة سياسيين داخل النظام، والتعامل معهم ليس بالأمر السهل. هؤلاء لا يحدهم علم أو وطنية، بل يواصلون نهجهم باعتقاد خاطئ أنهم يخدمون النظام، وربما أتاح لهم النظام الحاكم الفرصة لممارسة هذا الغلو. نحن كدعاة للإصلاح الديمقراطي نسعى باستمرار لإقناع الساسة الجادين داخل النظام بالعودة إلى مواقعهم الطبيعية في صفوف المعارضة. تفكيك هذا الحلف الغالي داخل النظام يتطلب وقتًا وجهدًا، وقناعتنا أن المعارضة يمكن أن تكون ملاذًا آمنًا لمن يعمل من أجل المصلحة العامة.
كما أود الإشارة إلى أن النظام الحالي يشهد صدامًا داخليًا غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية الموريتانية. هذا الوضع يذكّرنا بما حدث في فترة السبعينات، وبالتحديد عام 1978، عندما شهدت البلاد صراعات مشابهة داخل مراكز القرار.
أشرتم في الورقة المنشورة إلى خطوات من أجل التقارب، فهل سيقتصر ذلك على صف المعارضة أم أنه سيشمل فاعلين سياسيين من داخل الموالاة أيضاً؟
هذه مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد تستدعي تحولاً حتمياً، فقد قطعت هذه المرحلة الحبل مع الانتهازيين والمصفقين، لكنها أيضاً قطعت الحبل مع بعض الشخصيات الجادة والموثوقة التي تبنت الموالاة انطلاقاً من أسباب وإكراهات معقولة. رغم هذا التحول الذي يقطع الصلات والعلاقات بين الشخصيات المحيطة بالحاكم، فإن السلطة لا تخلو من شخصيات ذات توجهات ومواقف تستند إلى مبررات يمكن تفهمها.
في الواقع، الساسة المحيطون بالرئيس خلقوا صراعاً داخلياً يتمحور حول أولوية خلافة الرئيس، ما أدى إلى حالة من عدم الانسجام داخل النظام. هذا الصراع لا يخدم الوطن ولا المصلحة العامة، بل هو مضيعة للجهود. ومع ذلك، هناك شخصيات داخل صفوف النظام تعي خطورة هذا الوضع، وقد أنهكتها حالة عدم الانسجام. هؤلاء يسعون اليوم إلى راحة أكبر من خلال البحث عن نظام يكتسب شرعيته من النضال الشعبي، أصوات الجماهير، ومصداقية الخطاب السياسي الوطني الحريص على خدمة الوطن.
لذلك، نحن نسعى لكسب الشخصيات التي تمتلك مواقف حقيقية ضد الفساد والمحسوبية داخل النظام، ونوفر ملاذاً حقيقياً لكل من يطمح إلى تغيير سياسي جاد.
وجهتم انتقادات كثيرة للنظام الحاكم تتعلق بفيضانات الضفة، وأزمة العطش، والانقطاعات المتكررة للكهرباء، وتدني مستوى الصحة. هل تعتبرون ذلك دليلًا على فشل النظام؟
النظام الحاكم أظهر فشلًا واضحًا في مختلف المجالات، وهو فشل يدركه حتى غير المطلعين على تفاصيل الوضع. على المستوى الديمقراطي، النظام عجز عن خلق جو ديمقراطي حقيقي، كما حرم المعارضة الحقيقية من امتلاك أحزاب سياسية تعبر من خلالها عن تطلعات الشعب. كما فشل في تأسيس حالة مدنية قوية تضم جميع الموريتانيين، وإنشاء مكاتب تصويت ولجنة مستقلة نزيهة تُجري انتخابات شفافة تعبر عن إرادة الشعب.
إلى جانب ذلك، سياسات النظام ساهمت في تعميق الانقسامات بين الموريتانيين بدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية. ففي الوقت الذي يحتفل فيه جزء من الموريتانيين بعيد الاستقلال الوطني، هناك آخرون يحيون ذكرى ضحاياهم الذين تعرضوا للتنكيل والتصفية، ما يعكس انفصامًا مؤلمًا ومشينًا.
أما على صعيد مكافحة الفساد، فالنظام فشل في بناء مؤسسات قوية تراقب وتكافح أشكال الفساد المختلفة. الفساد مستشرٍ في مجالات متعددة مثل التعليم والصحة، حيث باتت ظواهر مثل تزوير الأدوية والبضائع، والتحايل الجمركي، والتلاعب بأملاك الدولة، أمورًا شائعة للأسف.
وفيما يتعلق بالفيضانات الأخيرة في مناطق الضفة، فإن الدولة كانت على علم مسبق بحدوثها من خلال تقارير الخبراء، لكنها فشلت في اتخاذ التدابير الاستباقية اللازمة. بعد وقوع الكارثة، اقتصر جهدها على الخطابات والتصريحات الزائفة، بينما كانت الاستجابة الفعلية ضعيفة وغير فعالة. الرئيس، رغم نيته الجيدة، يبدو محاصرًا في محيط غير داعم ومساعد، ورغم وجود أصحاب المقاصد الحسنة فإن ذلك انعكس سلبا على الواقع، مما يعكس عجز النظام عن التعامل مع الأزمات بجدية وفعالية.
خطاب رئيس الجمهورية الأخير تزامن مع ذكرى الاستقلال الوطني، حيث تحدث عن التراتبية الوهمية، الغبن، الفقر، والعصبيات القبلية، مشيراً إلى أن عمل الحكومة كُرّس لمحاربة ذلك. ما مدى نجاح هذه الجهود؟ وهل يُعد الاعتراف بهذه المشكلات خطوة في الاتجاه الصحيح؟
الاعتراف بالمشكلات خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنه يبقى ناقصاً إذا لم يُترجم إلى أفعال حقيقية على أرض الواقع. ما نراه اليوم يدل على أن التراتبية الوهمية والاستعلاء قد ترسخت بالفعل في ظل هذا النظام. الحكامة السياسية لا تُبنى بالخطابات فقط، بل بالعمل الفعلي الذي يحقق نتائج ملموسة.
الوضع الحالي يكشف عن ممارسات تعكس تمييزاً واضحاً، حيث تُعين أسر بأكملها في مناصب رفيعة، بينما يتم إقصاء الكفاءات المتميزة التي أظهرت إخلاصها في خدمة الوطن. هذه الكفاءات غالباً ما تُستبعد لأنها لا تنتمي إلى أسر أو قبائل بعينها. التعيينات التي تُبنى على أسس اللون أو القبيلة هي جزء من خطة هذا النظام في تسيير شؤون البلاد، وهو ما يُكرس التراتبية والغبن الذي تحدث عنه الرئيس.
الحكامة السيئة هي التي تقول شيئاً وتفعل نقيضه، بينما تعني الحكامة الصحيحة تنفيذ وعودها وتجسيد الأفعال على أرض الواقع. التعيينات يجب أن تعتمد على الكفاءة والإرادة الحقيقية للإصلاح، لا على الولاءات الضيقة.
مثال على خطوة إيجابية كان تعيين ولد انجاي وزيراً أول، حيث مثّل طيفاً داخل النظام يملك توجهاً يخدم الصالح العام. مثل هذه الخطوات يمكن اعتبارها في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، كما يقول المثل الإفريقي عن رقصة “التانغو”، قد تُتبع خطوة إلى الأمام بخطوات إلى الوراء، فوجود طيف داخل النظام قد يرجح كفة الصالح العام، وتعيين وزير أول من هذا الطيف عمل في الاتجاه الصحيح، وخلافه خطوة في الاتجاه الخطـأ.
الرئيس تحدث عن تشنج سياسي وأشار إلى أن حكومته عملت على خلق جو من الانفتاح السياسي والحوار. لماذا دعوتم في وثيقتكم إلى إيجاد أجواء سبقكم النظام إلى التهيئة لها حسب خطاب الرئيس؟ ومعروف لدى المراقبين أن نظام ولد الغزواني نجح إلى حد بعيد في استيعاب الطيف السياسي أكثر من سلفه.
لم أشهد انفتاحاً سياسياً حقيقياً يمكن أن يُعتمد عليه كدليل على التحول السياسي. في أي شيء يتجسد هذا الانفتاح؟ هل تم رفع الحظر عن الأحزاب القوية التي قارعت النظام وتملك القدرة على تغييره؟ هل توقفت اللجنة المستقلة للانتخابات عن ممارساتها التزويرية؟ هل حُسنت أوضاع الإحصاء الذي حرم العديد من الموريتانيين من حقوقهم؟ وهل التقطيع الانتخابي المصمم لخدمة النظام قد تغير؟ أو عُدلت المدونة الانتخابية التي تُستخدم كأداة لتزوير الإرادة الشعبية من خلال التسجيل عن بعد وفرض النسبية في الانتخابات البلدية والجهوية؟
لا شيء من هذا تحقق. ولا يمكن الحديث عن انفتاح سياسي حقيقي فقط لأن بعض المعارضين السابقين انضموا إلى صفوف النظام. هذه ليست تهدئة سياسية حقيقية بل تغييرات سطحية لا تعكس واقعاً يعزز الديمقراطية أو يحسن أوضاع البلاد.
ما زلنا نعيش في ظل تفرقة عنصرية، وانتشار العبودية، واحتكار المناصب والاستفادة من ثروات الوطن لفئات محددة، إضافة إلى تفشي الفساد والنهب، وتردي الاقتصاد الوطني، وانعدام الشفافية في التسيير، وتدهور الخدمات. في ظل هذه الظروف، لا يمكن الحديث عن تهدئة سياسية جادة.
وأنا من هذا المنبر، أطالب بحوار حقيقي وجاد، ليس كالذي نظمته وزارة الداخلية سابقاً حيث اقتُسمت فيه الأدوار على حساب الشعب الموريتاني. أما عن “استيعاب الطيف”، فالحقيقة أن من اكتفى بمجرد لقاء مع الرئيس قد تم احتواؤه بالفعل، لكن الشكل العام للنظام وطريقة تعاطيه مع القضايا الوطنية والحكامة أظهرت تراجعاً كبيراً.
الرئيس لم يمد يده للجميع كما يُشاع. كنا شركاء معه ورحبنا بخطوة الشراكة للإصلاح والتغيير بصدق، لكن مع مرور الوقت تبين أن الرئيس لا يعمل للصالح العام، وأن الزعم بأنه صاحب أخلاق وتربية لا يكفي لحل القضايا الوطنية التي تتطلب عزماً وإرادة حقيقية وعملاً على أرض الواقع، وليس مجرد وعود وخطابات.
الرئيس تحدث عن انتخابات حظيت بإجماع وطني، وأُجريت وفق أسس وقواعد اللعبة السياسية، بينما أنتم أعلنتم عن عدم شفافية هذه الانتخابات. كيف تردون؟
أي إجماع وطني يمكن أن يُقال إنه تحقق في هذه الانتخابات؟ الحوار الذي سبقها، والذي دار بين الأغلبية والمعارضة، كان معروفاً بأنه أُجري مع إقصاء الطرف المعارض الحقيقي، بما في ذلك القوى السياسية الأهم التي يمثلها بيرام الداه اعبيد. خلفي جماهير واسعة من الشعب الموريتاني، أظهرت صناديق الاقتراع قناعتها بمشروعي السياسي، وهي الجماهير التي قال النظام نفسه إنها بلغت 220 ألف ناخب.
هذا الحوار أُقصي منه المنافس القوي، وأما الحديث عن أن الانتخابات جرت وفق قواعد اللعبة السياسية، فإن كانت تلك القواعد هي ذاتها التي مورست خلال 1978، بفهذا وصف دقيق. لكن إذا كان المقصود قواعد الديمقراطية، فإن الحقيقة مختلفة تماماً.
هذه الانتخابات كانت مزورة بكل المقاييس، واستُخدمت فيها كل الأدوات الممكنة لعرقلة الإصلاح وسلب إرادة الشعب الموريتاني. السلطات أوعزت لرؤساء المراكز بملء المحاضر لصالح مرشح النظام، فأي لعبة ديمقراطية يمكن أن تكون هذه؟
النظام بحاجة ماسة للخروج من هذه الزاوية الضيقة التي وضع نفسه فيها، والبحث عن طريقة مغايرة لإنقاذ موريتانيا، عبر تأسيس انطلاقة جديدة تُبنى على قواعد ديمقراطية حقيقية، تعبر عن إرادة الشعب، وتحقق العدالة والمساواة.
جاء في كلمة الرئيس اهتمام النظام بالشباب ودمجهم في الحياة النشطة، وكذلك تطوير القضاء، الفصل بين السلطات، وتعزيز الحريات. هل يتوافق ذلك مع موجات الهجرة الأخيرة، مستويات البطالة، والاعتقالات التي طالت الشباب والناشطين السياسيين؟
الشباب الموريتاني هاجر بحثاً عن الكرامة، وركب المخاطر التي تهدد حياته، فكيف يمكن الحديث عن دمجه في الحياة النشطة؟ عندما تعلن الحكومة عن امتحان للضباط بمعدل عشرة أشخاص لكل سلك، يتقدم آلاف الشباب، في صورة واضحة تعكس عمق البطالة والتيه الذي يعانيه الشباب. أين هي الورش والمشاريع الزراعية أو الصناعية التي توفر فرص العمل؟ دمج الشباب يتطلب مشاريع عملاقة تستوعب البطالة وتوفر فرصاً بالتساوي والشفافية. أما الاكتفاء بالحديث عن ذلك فهو تلاعب بالعقول لا أكثر.
أما بشأن فصل السلطات، فإن النظام لم يسعَ لتحقيق ذلك. كيف يمكن الحديث عن فصل السلطات الآن، بينما نظام 1978 سبق وقال إنه فصلها عام 1992؟ هل أُعيد فصلها من جديد؟
الحديث عن تطوير القضاء يبدو بعيداً عن الواقع. قانون الرموز، الذي أُضيف مؤخراً، يمثل تراجعاً خطيراً يضع البلاد في مرحلة غير حضارية ومنافية للحريات العامة والديمقراطية.
إذا كان “تطوير القضاء” يعني منع القضاة من النظر في قضايا العبودية، أو تجاهل قضايا قتلى كيهيدي الذين سقطوا في عسكرة الانتخابات الماضية، فهذا ليس تطويراً، بل انتكاسة. بالنسبة لتعزيز الحريات، فهو حديث معاد ومكرر. كيف يمكن الحديث عن حرية في ظل قمع المعلمين، والأساتذة، والأطباء، والأرامل، والأيتام الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم خلال أحداث 1990؟
الوضع الحالي يهدد الثقة بالنظام، ويخلق شعوراً بالخوف والقلق، بدلاً من الراحة. هذه الخطابات التي لا تنعكس على الواقع هي سبب رئيسي في انعدام الحوار الجاد مع النظام، ما يجعلها مهددة لمستقبل البلاد بشكل عميق. هذا النوع من الخطابات مهدد للثقة ومخيف جدا وغير مريح بالنسبة لمن ينتظرون حوارا جديا مع النظام.
تحدث الرئيس عن مشاريع منجزة في مجالات الزراعة، صيانة الثروة السمكية، المياه، شبكة الطرق، التأمين الصحي، وتطوير البنية التحتية. هل هناك صدى واقعي لهذه المشاريع؟
لا أرى صدى حقيقياً لهذه المشاريع على أرض الواقع. كيف يمكن الحديث عن التأمين الصحي في ظل مؤسسات صحية تعاني من نقص فادح في المعدات والطواقم البشرية؟ وكيف يمكن الوثوق في هذا التأمين بينما يتعرض الأطباء للتعنيف والتنكيل، والمضايقة، ويُجبر المرضى على السفر إلى الدول المجاورة للحصول على خدمات صحية تليق بالإنسان؟
أما الحديث عن شبكة الطرق، فهو أمر مكشوف. تُنفق الأموال سنوياً على إنشاء طرق مترهلة يعاد تقشيرها كل عام، مما يعكس ضعف التخطيط وغياب الرقابة. وفيما يخص الثروة السمكية، فإن الواقع يشير إلى استغلالها بشكل فوضوي ومجحف لصالح الأتراك والصينيين عبر اتفاقيات غير عادلة تُنهب من خلالها موارد البلاد. المواطن الموريتاني لا يستفيد من هذه الثروة، بل يُحاصر بالغلاء وتردي الخدمات.
تحدث الرئيس عن المدرسة الجمهورية والإصلاحات في مجال التعليم، بينما نشهد حراكاً نقابياً قوياً ومطالبات وممارسات يقول المعلمون إنها أضرت بالتعليم وأفقدت المدرسة العمومية هيبتها، والأستاذ مكانته. كيف تقيمون هذه الإصلاحات؟
واقع التعليم يمكن قراءته بوضوح من خلال متابعة القمع الذي يواجهه الأساتذة والمعلمون. لقد شاهدنا حادثة التعنيف الأخيرة التي أحدثت ضجة كبيرة، وما زلت أتابع تداعياتها حتى أثناء وجودي خارج الوطن. كيف يمكن الحديث عن “المدرسة الجمهورية” بينما لم نشهد مضاعفة رواتب الأساتذة والمعلمين بنسبة 200%، على سبيل المثال؟ هل فُتحت فرص جديدة للتكوين والتدريب؟ وهل تم التغلب على التلاعب بالمعدات المدرسية، التي أصبحت وسيلة لتمويل بعض الوزراء والنافذين؟
كيف يمكن الحديث عن إصلاح التعليم بينما يلجأ العديد من الأسر الموريتانية إلى البحث عن مؤسسات تعليمية خارج البلاد، في السنغال والمغرب والدول المجاورة، لضمان تعليم أبنائهم؟ ما الفائدة التي جناها المدرس من مشروع المدرسة الجمهورية حتى الآن؟ كيف يمكنه أداء مهمته بشكل كامل في ظل هذه الظروف؟
بالإضافة إلى ذلك، هناك فصول دراسية تم منعها من المدارس الخصوصية، ثم أعطيت بموجب قرارات تخدم مصالح النافذين. أما الجامعة، فقد اشترطت الإمارات بناءها في موقع بعينه. فهل هذه هي الأجواء المناسبة لإنشاء “مدرسة جمهورية” تعكس تطلعات الشعب وتحقق إصلاحاً حقيقياً في التعليم؟
ورد في خطاب الاستقلال الحديث عن بعض التحسينات المالية في مجالي التعليم والقوات المسلحة. ألا يُعد ذلك إنجازاً مهماً يخطو بالبلاد خطوات إلى الأمام؟
لا يمكن الحديث عن تحسينات مالية في مجال التعليم دون مضاعفة رواتب المعلمين والأساتذة مرتين أو ثلاثاً، وفتح فرص واسعة للتكوين والتأهيل. التعليم يحتاج إلى وضع مناهج وكتب مدرسية تواكب متطلبات عالم اليوم. أما تخصيص علاوة لمدرسي السوادس فقط، فهو إجراء جزئي لا يعبر عن إصلاح شامل. جميع طواقم التعليم بحاجة إلى تحسينات مادية عاجلة وظروف عمل أفضل.
فيما يتعلق بالقطاع العسكري، يجب أن تشمل التحسينات المالية الفئات الدنيا، وخاصة الضباط وضباط الصف، الذين يعيشون أوضاعاً مزرية ومثيرة للشفقة، سواء أثناء الخدمة أو بعد التقاعد. تحسين واقع القوات المسلحة ينبغي أن يشمل الجميع، بما في ذلك الشخصيات الوطنية التي قدمت تضحيات كبيرة، مثل القائد أبريكه ولد امبارك، الذي أفنى عمره في خدمة الوطن والدفاع عنه في الصفوف الأمامية. عدم رد الاعتبار له ولأمثاله يجعل هذه الإجراءات قاصرة وغير ذات معنى.
الرئيس وعد بحوار شامل خلال الأيام المقبلة. ما هي الضمانات الكفيلة بخلق حوار جاد يحل الإشكالات الوطنية؟ وما هي مقترحاتكم بهذا الصدد؟
الحوار والوعد به ليس جديداً، فقد روجت له الأنظمة السابقة، والرئيس الحالي تحدث عنه مراراً، لكن الواقع لم يشهد خطوات حقيقية لتحقيقه. ظل الحوار مجرد فرصة يستغلها الموالون لبناء أوهام وأكاذيب، تُروج للخارج عبر السفراء كوسيلة لجذب التمويل الأجنبي. الحوار مع معارضة جادة تتبنى موقفاً سياسياً ثابتاً ورؤية وطنية لا يحظى بتشجيع الأنظمة، بل إن الأنظمة تفضل معارضة يمكن استمالتها بسهولة وتبديل مواقفها وفقاً للطلب.
ما نشهده اليوم، في رأيي، هو تراجع على كافة الأصعدة، ومحاولات لتوتير الواقع الموريتاني بدلاً من تهدئته. الحوار الوطني لا ينبغي أن يكون حول نقاط وحقوق كفلها الدستور بالفعل، مثل الحق في تأسيس الأحزاب، حق التظاهر، الأوراق الثبوتية، حرية الصحافة، أو ضمان شفافية الانتخابات. هذه حقوق مصادرة، والدعوة للحوار بشأنها تبدو عبثية.
في مهرجان “التحدي” خلال الانتخابات الأخيرة، وفي ظل التوتر الذي مارسه وزير الداخلية، دعونا إلى ممهدات لحوار وطني حقيقي. ركزنا على ضرورة إلغاء قانون الرموز، التحقيق في الممارسات غير القانونية، التجاوزات، وعمليات القتل في مخافر الشرطة، وضمان الشفافية في آليات محاربة الفساد. البلاد بحاجة إلى حوار يُبنى على أسس واضحة تضمن الحقوق الأساسية وتؤسس لمرحلة جديدة قائمة على الشفافية والإصلاح.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس