حميدتي يقر بالهزيمة ويغازل حركات الكفاح المسلح

5
حميدتي يقر بالهزيمة ويغازل حركات الكفاح المسلح
حميدتي يقر بالهزيمة ويغازل حركات الكفاح المسلح

عوض حسن إبراهيم

أفريقيا برس – السودان. في حشد مصنوع ومكان مجهول خاطب حميدتي قواته قائلا: “أخرجونا من مناطق عزيزة وسنعود إليها بعزة”، فماذا يقصد حميدتي بالمناطق العزيزة؟

عندما هاجمت قوات الدعم السريع منزل القائد العام للقوات المسلحة في القيادة العامة للجيش بمئات الجنود، بالتزامن مع هجومين منفصلين على مطار الخرطوم والقصر الجمهوري، خرج قائد الدعم السريع في أول تصريح بأنه لا سبيل أمام قائد الجيش السوداني سوى الاستسلام وإلا سيكون مصيره الاعتقال، مستندا إلى تقديرات ميدانية خاطئة صورت له أن قواته المحتشدة في المواقع الاستراتيجية دانت لها كامل السيطرة على العاصمة وبعض المطارات الولائية، وكان الظهور الوحيد له منذ انطلاقة الحرب في مدخل القصر الجمهوري وهو يتأهب لتلاوة بيان الانقلاب واستلام السلطة خلال نصف ساعة حسب الخطة (ب) بعد فشل الاتفاق الإطاري في إيصاله للسلطة صحبة حلفائه السياسيين.

حينها أوصد حميدتي الباب أمام المبادرات الرامية لإسكات البنادق، وعندما وافق على الذهاب إلى منبر جدة برعاية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية كان مفاوضوه يتحدثون بلغة المسيطر على الأرض متمسكين بأماكن تواجدهم (العزيزة)، التي سيطروا عليها في أيام الحرب الأولى، وأصبحت تمثل رمزية النصر فحشدوا لها قوات النخبة والتسليح النوعي والإمداد المفتوح، وفي مقدمة هذه المواقع القصر الجمهوري ومطار الخرطوم ومقر الإذاعة والتلفزيون ومصفاة الجيلي للبترول وقاعدة طيبة العسكرية جنوبي الخرطوم، فهذه المواقع شكلت ملامح سيطرة شكلية على العاصمة مع بعض الجسور، لكنه فشل في السيطرة على مقار الجيش رغم حصارها الطويل بفضل الثبات الأسطوري للجيش في القيادة العامة والمدرعات وسلاح المهندسين والإشارة وحطاب ووادي سيدنا والسلاح الطبي.

كانت الآلة الإعلامية لقوات الدعم السريع تمارس الحرب النفسية لترسيخ مفهوم سيطرتها على 90 في المائة من العاصمة ومعظم الولايات، بعد تقدمها في ولايتي الجزيرة وسنار.

وريثما يعيد الجيش تنظيم صفوفه استولت قوات الدعم السريع على قيادة الجيش في أربع ولايات من أصل خمس، وبقيت الفاشر صامدة أمام مئات الهجمات منذ بداية الحرب.

في المقابل، كانت قيادة الجيش السوداني تخطط لعملية شاملة للعودة وإخراج الدعم السريع من الخرطوم والجزيرة وسنار، وهو ما تحقق بعد عامين من بداية الحرب.

حررت قوات الجيش السوداني إحدى القلاع الحصينة في مقر الإذاعة والتلفزيون في العاصمة الوطنية امدرمان، بعد عملية حصار محكم وفتح الطريق بين قاعدة وادي سيدنا وسلاح المهندسين ليُحكم الجيش السيطرة على أجزاء واسعة من امدرمان والمدينة القديمة، مفسحا الطريق أمام آلاف من مقاتليه للتمركز عند مداخل جسري السلاح الطبي والحلفايا تأهبا للمرحلة الثانية من خطة التحرير الشامل.

في محور آخر كانت متحركات الجيش السوداني والقوات المساندة تحكم الحصار على وسط السودان في الجزيرة وسنجة وجبل موية، ولم تستغرق العملية وقتا طويلا فدحرت قوات الدعم السريع من تلك المحاور وانسحب ما تبقى منها نحو الخرطوم.

ومنذ بداية الحرب تتحصن مجموعات من قوات نخبة الدعم السريع في مصفاة الجيلي للبترول شمال الخرطوم بحري، متحصنة بالمنشآت المدنية والتضاريس الجغرافية المحيطة بالمصفاة، مع إجبار العاملين فيها على تشغيلها لإمداد القوات المنتشرة في المنطقة بالوقود، بل واتخذتها قاعدة للهجوم على بعض محليات ولاية نهر النيل، فاكتسحها الجيش بعد حصار محكم عقب عملية عبور الجسور الشهيرة إلى الخرطوم وبحري.

وبناء على هذا الواقع، بدأت مجموعات كبيرة من قوات الدعم السريع والمتعاونين معها بمغادرة الخرطوم باتجاه حواضنهم الاجتماعية في كردفان ودارفور، وسط اختفاء تام لقيادة الدعم السريع التي بدأت عمليا نقل إدارة عملياتها إلى دارفور؛ بعد تسريبات عن نقل أسرى من الجيش السوداني وسياسيين إلى نيالا جنوب دارفور.

في هذه الظروف فتحت وحدات من الجيش الطريق الرابط بين القيادة العامة وسلاح المدرعات ليتم فك حصار القيادة كاملا بعد وصول طلائع الجيش إليها من بحري عقب تحرير المصفاة، ولم يتبق من الدعم السريع سوى مجموعات معزولة داخل القصر الجمهوري وجزيرة توتي ومنطقة المقرن.

لحقت تلك الهزائم المتتالية بالدعم السريع لأسباب عديدة؛ أهمها غياب القيادة والخلافات القبلية وفشل جولات القائد الثاني للدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، في ضواحي كردفان ودارفور ودول الجوار لاستقطاب مقاتلين جدد بعد هلاك القوة الصلبة في معارك تحرير الخرطوم.

استغرقت عملية تحرير الخرطوم عاما كاملا منذ تحرير الإذاعة والتلفزيون وانطلاق قوات الجيش السوداني لتحرير المتبقي من مثلث العاصمة في الخرطوم وبحري، وتحت ضغط وحصار محكم أُجبرت قوات الدعم السريع على إخلاء آخر معاقلها ورمزيتها في وسط الخرطوم، بعد خسارة خيرة مقاتليها وهروب ما تبقى منهم إلى جسر جبل أولياء في طريق العودة إلى دارفور، وما تبقي منهم في صالحة غادرها لاحقا بعد ارتكاب مجازر انتقامية بحق المواطنين.

الواقع أن قوات الدعم السريع ومع دخول الحرب عامها الثالث أجبرت على التراجع للدفاع عن مناطق حواضنها الاجتماعية في دارفور وكردفان بعد ضربات وخسائر تكبدتها في مختلف المحاور، وانعدام الدافع وسط المقاتلين واتساع الهوة بين مكوناتها الاجتماعية، وحملة التخوين لقادة بارزين بالتعاون مع الجيش السوداني.

يبدو أن المعطيات المذكورة دفعت قائد الدعم السريع حميدتي، قبل أيام، للظهور العلني الثاني وسط جنوده منذ صبيحة الخامس عشر من نيسان/ أبريل، في مسرح تم إعداده بعناية، فهو أراد بهذا الظهور أن يثبت أنه على قيد الحياة، منهيا الجدل حول ما يشاع عن إصابته ومقتله في بدايات الحرب. كما أن لغة الخطاب حملت اعترافا بالهزيمة وبحملات الرفض الواسعة له وسط السودانيين بسبب الانتهاكات غير المسبوقة لقواته في مناطق سيطرتها، وفقدان مناطق مهمة يحلم بتعويضها بدخول ولايتي الشمالية ونهر النيل، وأن دخول قواته المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا سيسهم في تأمين الحدود ويكافح الهجرة غير الشرعية والتهريب، وغيرها من الظواهر التي تسبب صداعا لدول الجوار، لكن اللافت في خطاب حميدتي إعلانه فتح علاقة جديدة مع مصر التي ظل يتهمها بمساندة الجيش السوداني منذ بداية الحرب، بل إن دخول قواته مطار مروى واعتقال ضباط مصريين كان بسبب اعتقاده أن الطيران المصري يهاجم قواته في مقراتها باستمرار.

كما غازل حميدتي لأول مرة قادة قوات الكفاح المسلح في دارفور (جبريل ومناوي) مرحبا بالتحالف معهم وهو تحول جديد في استراتيجية الدعم السريع التي تعتبر كل حلفاء الجيش أعداء لمشروعها القديم المتجدد.

ويبدو ان حميدتي يرغب بالاستثمار في خلافات مزعومة تؤخر تشكيل حكومة “الأمل” التي أعلن عن ملامحها الدكتور كامل إدريس وشرع في تكوينها بتسمية حقيبتي الدفاع والداخلية، ورشحت أنباء تفيد عن خلافات بين رئيس الوزراء والموقعين على اتفاق سلام جوبا بشأن الحقائب الوزارية الممنوحة لشركاء السلام، لكن اجتماعات قيادية نجحت في احتواء الخلاف.

ويمنّي حميدتي نفسه بفض الشراكة والتحالف بين الجيش السوداني وحركات الكفاح المسلح التي تقاتل الدعم السريع وتلعب أدوارا مؤثرة في معركة الكرامة، إلا أن المسافة ما تزال واسعة بين الدعم السريع وأطراف سلام جوبا، بعد الانتهاكات الكبيرة التي ارتكبت بحق الأخيرة في الجنينة والفاشر ومناطق واسعة تحت سيطرة الدعم السريع.

وملخص الأمر أن حميدتي يخطط لمرحلة جديدة؛ أهم ملامحها مغازلة خصومه الحاليين داخليا وخارجيا، لأنه بالرغم مما يجده من دعم خارجي طوال العامين الماضيين، إلا أن المحصلة النهائية كانت أن يخاطب جنوده على الحدود بينما كان يخاطبهم من بوابة القصر الجمهوري بداية الحرب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here