الحركة الشعبية بقيادة الحلو .. قراءة في مراحل التأسيس

49

بقلم : خالد الفكي

أفريقيا برسالسودان. ربما لم يُكن يدرى قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان من غير الجنوبيين حينها بأن إنشطار الوطن الواحد إلى سودان شمال وآخر جنوب سيجعلهم وفقاً لللهجة المحلية “سيفرزون عيشتهم”، عقب هذا الانفصال الذي تم في يوليو من العام 2011، حيث آلت رئاسة الحركة الشعبية والتي تم اضافة كلمة “شمال” إليها، إلی عبدالعزيز الحلو، فيما تولى مالك عقار منصب نائب الرئيس و ياسر عرمان رئاسة الأمانة العامة وذلك قبل انقسام الحركة في عام 2017 إلى جناحين أحدهما ترأسه الحلو في مناطق جبال النوبة والآخر قاده عقار بالنيل الأزرق.
ووقع الحلو على إعلان قوى الحرية والتغيير بحكم عضوية حركته بالجبهة الثورية السودانية، إحدى مكونات قوى الحرية والتغيير التي أطاحت بحكم نظام عمر البشير.

خلاف

دون شك أن التناحر ومحاولات الاقصاء التي كانت تجري داخل أروقة الحركة الشعبية – شمال، خاصة بين جناحي القائد الحلو ومناصريه من أبناء جبال النوبة، والجناح الآخر الذي تزعمه مالك عقار نائب رئيس الحركة برفقه مسانده الاول ياسر عرمان الامين العام للحركة كانت بمثابة الشقة التي قصمت ظهر البعير ليكون الشقاق بين الطرفين خلال العام 2017.

ربما كانت بعض الاجراءات المتخذة من قبل الحلو تجاه الطرف الاخر بقيادة عقار واصدار قرار فصله بجانبه ياسر عرمان اللذين تمسكا بمنصبيهما، هي شرارة النار التي أضُرمت في جسد الحركة ، فكل طرف من الفريقين يدعي امتلاكه الشرعية والأحقية في قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.

كما أن ووفقاً لمراحل ومسارات الخلاف بين الطرفين نجد انه يقوم على أربعة أركان رئيسية، تشمل من جهة مجموعة الحلو، عدم اعتراف رئيس الحركة بالقرارات التي أصدرها مجلس التحرير والتي قضت بإبعاد الأمين العام من منصبه، وسحب ملفات التفاوض منه، هذا بالاضافة إلى جهة الأهمية، بعدم اقتناع الرئيس (عقار) وكبير المفاوضين بالدعوة لحق تقرير المصير لمنطقة جبال النوبة.

مالك عقار

ويري الصحفي والمحلل السياسي محمد إبراهيم أن خلاف الحلو وعقار ربما كان يتمثل بالوضع في النيل الأزرق بعد الحرب التي دارت فيه، مشيراً إلى أن ملفي الدستور والمانفستو تُعتبر من مسببات خلاف الرجلين وانشطارهم لفريقين كل منهم مثل منطقة جغرافية واثنية وضعت لنفسها خارطة طريق جديدة.

ويلفت ابراهيم خلال حديثه لموقع أفريقيا برس إلى ان هذا التشظي مثل صدمة للكثيرين من مناصري الحركة الشعبية بجانب انه كون ارضية صلبة لمواجهة جديدة بين شعبي جنوب كردفان والنيل الازرق بعد ان كانت احلامهم ورؤيتهم موحدة تحت مظلة قيادة واحدة.

وشدد على التاثيرات السالبة ربما بدأت من المرحلة الاولى للنقسام حيث عمد كل فريق إلى وضع العراقيل امام الطرف الاخر وان بدأت غير واضحة بشكل صريح بيد انها ملموسة من خلال تصريحات الطرفين والانتقادات المستمرة لرؤية الاخر بشأن مستقبل العملية السلمية والتفاوض مع الحكومة خاصة في مايتعلق بأجندة الحوار ومطالب المرحلة التي تعقب سقوط نظام البشير.

يُذكر بان المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية بقيادة (عقار)، مبارك اردول والذى اعلن انسحابه من الحركة ويشغل حالياً مدير الشركة السودانية للموارد المعدينة التابعة لوزارة المعادة في الحكومة الانتقالية ، كان قد قال ان ماجري مابين الحلو وعقار ودون شك هو انقلاب كامل عبر مجموعة محددة في مجلس التحرير، بدأ التخطيط له منذ فترة .. مُضيفاً “كنا نعلم تفاصيله من خلال حصولنا على معلومات من قبل المجموعة نفسها، قبل حدوثها”.

وأفاد اردول في افادته (اعترف لنا أحدهم في اجتماع بما قاموا به، وهذا اجتماع كان على هامش لقاء لمجلس التحرير جمعنا مع الأمين العام وقادة كبار في الجيش، وما حدث ليس له أي علاقة بالديمقراطية لا من قريب أو بعيد، بل هو تزوير حقيقي، وسطو على رأي المجلس نفسه، ناهيك عن إرادة الجماهير).

في المقابل، قال قمر دلمان، الناطق باسم إقليم جبال النوبة بقيادة الحلو: القول إن ما حدث انقلاب، هو تعبير عن الفشل وإقرار بالهزيمة، والمؤسسات التي أصدرت قرارات الإقالة هي مؤسسات دستورية ومارست سلطاتها، وهذا الحدث التاريخي لا يولد سوى حركة قوية ومتماسكة وموحدة ومبنية على أسس سليمة، وقادرة على تجاوز المنعطفات، ولا يمكن بيعها في سوق الصفقات.

ويظل السؤال المشروع والقائم إلى أي مدى أفلحت الحركة الشعبية في تحقيق آمالها وأحلامهم بعد الإنقسام عن عقار ورفاقه بقيادة ياسر عرمان والذى يعتبر أبناء الشمال الذي انتمى إلى الشعبية منذ ثمانيات القرن الماضي مؤمناً بفكر ومبادئ المؤسس العقيد جون قرنق.

ويرى الصحفي والمحلل السياسي محمد علي فزاري بأن الوقت مازال فيه متسع لأجل الاجابة على مثل هكذا سؤال، مبيناً أن مراحل تكوين وتأسيس الشعبية جناح الحلو لم تعدي أصابع اليد الواحدة رغم الخبرة التراكمية الكلية من الانضمام الى الحركة الشعبية الام التي قاتلت نظام البشير في جنوب السودان والمنطقتين (جنوب كردفان النيل الأزرق).

وأفاد فزاري بأن الحركة الشعبية كان تخطط وتحلم بحكم السودان من منفستو المؤسس قرنق، بيد انه عقب انفصال الجنوبيين وتكوين دولتهم من رحم الدولة الام السودان أصبحت الحركة الشعبين منقسمة وبعد أقل من نحو أربعة اعوام إلى جناح الحلو وعقار وهذا أجهض الحلم الكبير بحكم السودان وفقاً لرؤية قرنق الكلية وانعكس سلباً على طرح وتطبيق الفكرة ليقود تأسيس الحلو لحركة جديدة متخلياً عن رفاق الامس إلى تنافرات وتباين في وجهات النظر ربما تتطورات في أكثر من مرة إلى حرب كلامية بين الطرفين.

كما يرى الصحفي والمحلل السياسي محمد على فزاري بان جولة التفاوض التي تجري حالياً في جوبا عاصمة جنوب السودان خاصة تواجد ممثليين من كبريات الدول والمنظمات والمؤسسات الاقليمية والدولية، بجانب قبول الحكومة الانتقالية بالتفاوض يمثل اعترافاً بحركة الحلو والتي فقدت أبرز قياداتهم بيد انها مازالت ترتكز على قوة عسكرية ضخمة في أرض جبال النوبة تمنحها ارادة في ادارة التفاوض وفقاً للاجندة التي تطرح والتي تشمل فصل الدين عن الدولة وحق تقرير المصير والتي قبل بهما رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان خلال ماعرف بإعلان المبادئ بين الطرفين والذى يعتبر الاساس للجولة الحالية من مفاوضات جوبا اثنان.

في عام 2019 التقى الحلو برئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك في مدينة كاودا معقل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال للتشاور حول سبل إحلال السلام في السودان، كما التقى الرجلين في العاصمة اديس ابابا ووقعا مذكرة وجدت انتقادات كبيرة من داخل مؤسسات الحكومة الانتقالية خاصة عضو المجلس السيادي من المكون العسكري الفريق الكباشي والذي وصفه اتفاق حمدوك والحلو بـ (عطاء من لايملك لمن لايستحق).

فزارى يرى خلال حديثه إلى موقع أفريقيا برس ان مستقبل الحركة الشعبية بقيادة الحلو لحكم السودان يجب ان يكون من خلال وضع خارطة طريق تبدأ بالتحول الى حزب سياسي يمتلك العضوية الأكبر والأوسع وهم شعب جبال النوبة، منبهاً ان التركيز على القوة العسكرية لإجل إنجاز ملف التفاوض ينبغي ان لا يكون أساساً لو ودت الحركة تحقيق مرماها الاكبر، كما شددت على أن فرض الرأي بشأن علمانية الدولة يمثل عقبة في طريق الحلو ومناصريه للجلوس على عرش الحكم في السودان الذي يتطلع شعبه الى وضع أسس ومعايير تقوم على المواطنة وحفظ الحقوق وسيادة حكم القانون والممارسة الديمقراطية الراشدة والمساواة العادلة بين جميع أبناء شعبه دون تمييز واقصاء.

الحركة الشعبية بقيادة الحلو كانت قد دخلت في خلافات مع التحالف الاكبر والذى أسقط البشير وهو تحالف الحرية والتغيير رغم التوقيع علي مذكرة اعلان يناير من العام 2019، وربما عدم توافق مكونات التحالف المدنية والعسكرية على رؤية مابعد إسقاط نظام البشير قد وسعت من الخلاف وباعد وجهات النظر، وجعل الحلو يقرر ان يخوض التفاوض مع الحكومة منفرداً ومجافياً تحالف الجبهة الثورية التي وقعت اكتوبر من العام الماضي على اتفاق سلام جوبا واحد.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here