ستفشل الثورة على الثورة

31
Clenched fist held in protest vector illustration. Panoramic

بقلم: بولبابه سالم، كاتب و محلل سياسي

يحيي التونسيون اليوم 17 ديسمبر ذكرى اندلاع الثورة في سيدي بوزيد ، و تتزامن هذا العام مع اطلاق حملة السترات الحمراء التي تتخفى وراء مطالب اجتماعية و شعبوية لكن مطلبها الاخير فضحها حيث دعت الى تغيير النظام السياسي وهو مطلب رئيس الدولة والحاشية المحيطة به.

لا يصدق عاقل ان الثورات تنطلق من النزل و تسبقها ندوات صحفية و تمويلات مشبوهة من رجال اعمال فاسدين ، وتاريخ الثورات في تونس يؤكد انها تندلع من الدواخل المهمشة لتصل الى المركز و لا تبدأ من العاصمة و ضواحيها .

و من عجائب الامور ان انتفاضة السترات الصفراء في فرنسا تريد الحد من صلاحيات الرئيس الشاب بينما يتبنى جماعة السترات الحمراء في تونس مطلب توسيع صلاحيات الرئيس المسن .

لهذا السبب فشلت حركة السترات الحمراء قبل ان تبدأ بعد كشف حقيقة اهدافها و مموليها و شهدت صفحات التواصل الاجتماعي و بعض المنابر الاعلامية سخرية من اصحابها و تحذير للتونسيين من الانخراط فيها خاصة اثر اعتزام مجموعة فاسدة من النظام القديم المشاركة فيها واختاروا لها يوم 17 ديسمبر لضرب رمزية هذا التاريخ الذي اسقط نظامهم و افقدهم مصالحهم و صوابهم .

وكانت الحكومة حذرت من اغراق تونس في الفوضى خلال شهر جانفي وتحدث النائب الصحبي بن فرج عن مخطط اصحاب السترات الحمراء بعد عجز رئيس الدولة الباجي قايد السبسي عن اسقاط رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وكانت اجهزة الدولة قد حجزت في صفاقس مخزنا يحتوي على 50 ألف سترة حمراء على ملك رجل اعمال خرج من السجن بسبب قضية فساد، كما تمكنت قوات الامن في سيدي بوزيد من العثور على مخزن سلاح على ملك أحد باعة الخمر خلسة.

وبالعودة الى ثورة 17 ديسمبر فانها و رغم الانتكاسات و الهزات العنيفة تبقى شمعة مضيئة فقد أزالت كابوس الخوف وأطلقت الألسن وحررت العقول ،، كان المنجز السياسي وبناء المؤسسات الدستورية والتأسيس الجديد صعبا لكن المنجز الاقتصادي والاجتماعي دون المأمول من شعب ثار على التهميش و البطالة.

و لكن تاريخ الثورات يشهد انتكاسات فقد نسي الفرنسيون ثورتهم و خلع نابيليون خلعا وأرسل الى جزيرة صغيرة في المحيط الاطلسي وصعد شقيق الملك لويس السادس عشر الى العرش باسم لويس الثامن عشر و عاد البذخ والفساد قبل ان يعود وهج الثورة مجددا .

الثورة مزعجة لذلك تنشأ ثورة مضادة لضربها وارباكها من المستفيدين والمتمعشين من النظام القديم الذين يسعون الى بث الاحباط و ترذيل الشرفاء و يعملون عبر ابواق التضليل و الكذب الذين سمّاهم بورديو بكلاب الحراسة الجدد الى ممارسة الحرب النفسية و تصعيد التافهين و سقط المتاع لتمييع الرأي العام و ضرب الرموز و القيم .

لكن روح الثورة لازالت حية لدى الشباب التونسي الذي افتك حريته و حرر الفضاء العام ، صحيح انه يعاني من خيانة بعض المثقفين و الأحزاب الذين يبحثون عن غنائم السلطة لكنه لن يسمح أبدا بدكتاتورية جديدة او انقلاب و سيظل الصندوق الانتخابي هو الطريق للوصول الى السلطة .

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here