“اليمين المتطرف الفرنسي لا يمتلك رجل دولة يفهم العلاقة مع الجزائر”

"اليمين المتطرف الفرنسي لا يمتلك رجل دولة يفهم العلاقة مع الجزائر"

أفريقيا برس – الجزائر. في هذا الحوار الخاص مع “الخبر”، يرى برونو فوكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن اليمين الفرنسي يحاول الاستفزاز من خلال طرحه لائحة بإلغاء اتفاق الهجرة بين الجزائر وفرنسا لسنة 1968. ورغم أنه ينتمي إلى المعسكر الرئاسي الواسع، يرفض فوكس الأطروحة التي سوّق لها نائبان من حزب الرئيس ماكرون حول خسائر اتفاق 1968، معتبرا أن ما ورد في تقريرهما البرلماني “مجرد كلام فارغ”. وفي حديثه عن كيفية الخروج من الأزمة الحالية، يدعو الناطق باسم حزب “مودام” إلى ضرورة استعادة الحوار بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون ويعتقد أن هذا الاحتمال ممكن على هامش قمة العشرين المقبلة في جنوب إفريقيا.

كيف تنظرون إلى مبادرة حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف) الذي يعتزم، في إطار فترته البرلمانية، تقديم لائحة لإلغاء الاتفاق الفرنسي الجزائري لعام 1968؟

إنه استفزاز غير ضروري وضار، فعندما يُوقع اتفاق بين طرفين، لا يمكن لأحدهما أن يقرر من جانب واحد إعادة التفاوض عليه أو الانسحاب منه، إذ يجب أن يتم ذلك بين الطرفين، في روح من الحوار والاحترام المتبادل. هذا الاتفاق قد تم تعديله بالفعل عدة مرات، ويمكن تعديله مرة أخرى، لكن فقط بطريقة تشاورية.

ومع ذلك، لا ينبغي أن نولي هذه القضية أهمية أكبر مما تستحق، فهي تندرج في إطار لعبة سياسية فرنسية داخلية في الجوهر، الأمر ليس جديا، فليس بهذه الطريقة تُدار الدبلوماسية بين الدول. هذا يُظهر أنه لا يوجد داخل حزب التجمع الوطني رجل دولة أو امرأة دولة قادرة على تحمل مسؤولية تعقيد العلاقات الثنائية. إن هذا الحزب يستغل العلاقة الفرنسية الجزائرية لتغذية أجندة هوية وشعبوية، دون أي اعتبار للتبعات الحقيقية.

وإذا سألتم حتى بعض النواب الذين وقّعوا على هذا المقترح عمّا تبقى فعليا من اتفاق 1968 مقارنة بنصه الأصلي، فأعتقد أنه يمكن عدّ أولئك الذين يستطيعون إعطاء الإجابة الصحيحة على أصابع اليد الواحدة، وقد أكون هنا كريما جدا معهم.

ما يثير الانتباه أن نائبين من المعسكر الرئاسي الذي تنتمون إليه، نشرا مؤخرا تقريرا قدّرا فيه تكلفة هذا الاتفاق بنحو ملياري يورو سنويا. هذه الأرقام، التي تم انتقادها بشكل واسع، تُستخدم اليوم كحجة سياسية من قبل اليمين المتطرف للمطالبة بإلغائه، هل تتفقون مع هذا التقييم؟

ولِمَ لا خمسة مليارات أو حتى عشرة مليارات؟ أرى في ذلك كلاما فارغا وغير مثمر، في الوقت الذي تمر فيه علاقاتنا الثنائية بمرحلة حساسة، وفي حين يجب أن نركّز على ما ينبغي فعله لاستعادة الحوار.

هذا التقرير نفسه يوضح أنه من المستحيل تقييم هذا المبلغ بدقة، وقبل كل شيء لا يأخذ في الاعتبار الفوائد الإيجابية التي يحققها هذا الاتفاق لكل من بلدينا، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي. بالطبع، لهذا الاتفاق تكلفة، لكن يجب في المقابل النظر إلى المنافع التي يحققها.

إن هذا الكلام الفارغ هو، في رأيي، نتيجة جمود السلطتين التنفيذيتين في بلدينا، مما يترك المجال لتكهنات غير مجدية على المستوى البرلماني.

نحن نتقاسم أكثر من ستة ملايين مزدوج الجنسية ومصالح اقتصادية مترابطة ارتباطا وثيقا، وتاريخا مشتركا عميق الجذور. لقد حان الوقت لكي يصبح شعبانا، بدورهما، أكثر استراتيجية، وأن يخرجا من منطق الكلام الفارغ إلى فاعلية العلاقات الملموسة الاقتصادية، الصناعية، الثقافية، فهذه هي التي تخلق الثروة لا المواقف الشكلية.

ألا يعبّر كلامكم فعليا عن وجود تناقضات داخل المعسكر الرئاسي نفسه؟

لا أودّ الحديث عن تناقض، بل عن تعبير عن وجهات نظر مختلفة، وهو ما يعكس ديمقراطية حية يحاول فيها كل طرف تحريك الخطوط.

يستغل حزب مارين لوبان هذا النقاش لتغذية خطاب متطرف قائم على الهوية، ما هي الاستراتيجية التي تعتزم تشكيلتكم الوسطية اتباعها لمواجهة هذا الاستهداف السياسي الذي يضر بالجالية الجزائرية في فرنسا؟

إن استراتيجية الاستفزاز التي يعتمدها حزب التجمع الوطني تؤدي إلى نتائج سلبية للجميع. أما نحن، فلدينا رؤية تقوم على التعاون بين شعبينا، ومن أجل الستة ملايين شخص من ذوي الثقافة المزدوجة الذين نتقاسمهم. مسؤولية التيار الوسطي ليست في الرد على الديماغوجية بالمزايدة، بل بالبراغماتية والمسؤولية، من خلال تعبئة المجتمع المدني وكل قوة الدبلوماسية الشعبية لتحريك الخطوط. لقد دعوت بنفسي نظرائي الجزائريين إلى إعادة فتح هذا الحوار بشكل مباشر، ومن دون التفاف، لأن النقاش هو الأداة الوحيدة التي تتيح التقدم.

إن التشدد الظاهر في الخطاب لا يؤدي إلى أي نتيجة، خصوصا عندما يُنظر إليه أحيانا على أنه مجرد استعراض للعضلات. ذلك يغلق الأبواب ويمنع أي فاعلية دبلوماسية من خلال تجميد كل طرف في منطق الموقف الدفاعي.

وقد لاحظنا ذلك في مسألة أوامر الإبعاد (OQTF)، التي كانت قد فجّرت الجدل. الأرقام تتحدث عن نفسها: منذ تجميد العلاقات، لا يُرحَّل سوى شخص أو اثنين من الرعايا أسبوعيا، في حين أن التعاون الهادئ في السابق كان يسمح بإيجاد حلول أسرع وأكثر عددا.

وفي الوقت نفسه، خلال الربع الأول من عام 2025، انخفضت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر بنحو 260 مليون يورو، أي بتراجع قدره 21% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024. كما تأثرت أيضا طلبات التأشيرات، إذ سُجل انخفاض يُقدّر بنحو 28% في عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين.

تُظهر هذه العراقيل حقيقة بسيطة: منطق القوة له دائما عواقب، ليس فقط على العلاقة بين فرنسا والجزائر، ولكن أيضا على الشعوب والعائلات ومصالحنا الاقتصادية المشتركة.

إن إنهاء هذه الأزمة أمر عاجل، ويقع أولا على عاتق رئيسي بلدينا. بعد ذلك، يجب على وزارتي الخارجية، بالتنسيق مع إداراتهما المعنية، تنفيذ تعاون عملي. وأخيرا، على البرلمانيين والدبلوماسية الشعبية والمجتمع المدني أن يتجندوا لترجمة هذه التوجهات على أرض الواقع. لذلك، أدعو الرئيسين إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون إلى إعادة فتح حوار مباشر وصادق دون تأخير، وإعادة بناء الثقة، وإعادة النظام إلى شراكتنا، فذلك يصب في مصلحة شعبينا.

مرور برونو روتايو بوزارة الداخلية ترك أثرا سلبيا كبيرا في العلاقات الفرنسية الجزائرية، ما تقييمكم لفترته؟

لقد جعل برونو روتايو النقاش أكثر حدة، وسمّى أزمة كان كثيرون يرفضون رؤيتها. جاء رد فعله في سياق هجوم مولوز الذي تورط فيه أحد الرعايا الجزائريين الخاضعين لأمر إبعاد (OQTF)، وفي ظل وضع الكاتب بوعلام صنصال الذي كان غير مقبول، لكن كما قلت لكم في ربيع العام الماضي في صفحات جريدتكم، وأكرر اليوم: إن سياسة المزايدة والمواجهة لم تنتج أبدا نتائج دائمة.

الحزم ضروري، بالطبع، لكن الحزم دون حوار هو طريق مسدود، فعندما تتحول الكلمة العامة إلى منافسة في التصريحات، تتراجع الدبلوماسية وتتآكل الثقة. والثقة بين فرنسا والجزائر هي رأس مالنا الأثمن، تُبنى ببطء، ويمكن أن تُفقد بسرعة كبيرة.

ما حدث في الأشهر الأخيرة ترك أثرا، نعم، لأن بعض الكلمات وبعض الأفعال فُهمت على أنها إهانات، وما زلت أعتقد أن الطريق الوحيد الممكن هو طريق الحوار الجاد والمطالب. في هذا النوع من الأزمات، يتحدث كل طرف إلى رأيه العام الداخلي، لا إلى شريكه، وهذا بحد ذاته دليل على أن العلاقة الفرنسية الجزائرية تعاني من ازدواج في الانغلاق: انغلاق سياسي في فرنسا وهوياتي في الجزائر.

خلفه لوران نونيز تبنى خطابا يسعى إلى التهدئة، وأكد أن إعادة النظر في الاتفاق “ليست مطروحة على جدول الأعمال”. هل تؤيدون هذا التوجه؟ وهل تعتقدون أنه يمكن أن يعيد فعلا حوارا بنّاء مع الجزائر؟

إن الخروج من الأزمة بين فرنسا والجزائر سيمر أولا عبر رئيسي بلدينا، ثم من خلال وزارتي الشؤون الخارجية، وبعدها عبر البرلمانيين والشعوب نفسها.

لذلك، لا بد من مؤشرات واضحة وإرادة متبادلة من كلا الجانبين. وفي هذا الصدد، أعتقد أن لوران نونيز يسير في هذا الاتجاه. فخلفيته مختلفة أماما عن برونو روتايو، إذ هو رجل ميدان ومسؤول إداري سابق رفيع وليس سياسيا يبحث عن الظهور الإعلامي، وهذا تحديدا ما تحتاجه هذه العلاقة اليوم: القليل من الخطابات والمزيد من المنهجية.

لكن من الضروري أيضا الذهاب أبعد في التفكير حول الطريقة التي نتصور بها هذه العلاقة. فلا يمكن أن تُحصر المسألة في زاوية وزارة الداخلية فقط. فالقضايا المتعلقة بالهجرة ليست سوى جزء من منظومة أوسع، يجب أن تندرج ضمن رؤية استراتيجية تقودها وزارة الخارجية تعمل فيها وزارة الداخلية بالتنسيق لا في الخط الأمامي، لأن العلاقة بين فرنسا والجزائر، في جوهرها، لا تختزل في إدارة تدفقات بشرية، إنها علاقة حضارية، إنسانية، اجتماعية، اقتصادية، تاريخية وجيوسياسية.

تمر العلاقات الفرنسية الجزائرية بمرحلة من التوتر المزمن الذي يتغذي باستمرار على القضايا السياسية ومسائل الذاكرة. ما هو، في رأيكم، الطريق الأكثر واقعية للخروج من هذه الأزمة؟

أعتقد أنه حان الوقت لاستعادة روح التوازن وإعادة الدبلوماسية إلى قلب علاقتنا. إن الخروج من الأزمة، في نظري، يعتمد على ثلاث أولويات بسيطة ومتكاملة.

أولا، يجب القطع مع المزايدات اللفظية، فالدبلوماسية لا تُمارس وسط الضجيج الإعلامي، بل تقوم على احترام الكلمات والاتساق والثبات. استعادة نبرة خطاب هادئة، رزينة وذات مصداقية هو الشرط الأساسي لاستعادة الثقة.

ثانيا، لا بد من خطوات ملموسة من الطرفين، من الجانب الفرنسي، وبعد أكثر من ستة أشهر من الانتظار، يجب اعتماد القناصل العامين الجزائريين الذين تم تعيينهم عام 2025. هذه خطوات منتظرة ومشروعة، وقد أبلغني العديد من محاوريّ بأهميتها خلال لقاءاتي.

أما من الجانب الجزائري، فإن القيام بمبادرة إنسانية سيكون لها أثر بالغ، أفكر هنا في الكاتب الكبير بوعلام صنصال، المسن والمريض، إن الإفراج عنه لأسباب صحية سيكون إشارة قوية للتهدئة واستعادة الثقة.

ثالثا، يجب إعادة تفعيل قنوات الحوار، ويقع ذلك بطبيعة الحال على عاتق الجهازين التنفيذيين ووزارتي الخارجية، لكن أيضا على عاتق البرلمانيين والدبلوماسية الشعبية الذين لهم دور أساسي في هذا المسار.

وهذا هو جوهر مبادرتي كرئيس للجنة الشؤون الخارجية: إعادة إطلاق الدبلوماسية البرلمانية واستئناف الاتصالات المباشرة بين النواب الفرنسيين والجزائريين. فالحوار من منتخب إلى منتخب، القائم على الاستماع والصراحة، يمكنه في كثير من الأحيان أن يفتح الطرق التي تصطدم فيها الدبلوماسية الرسمية بعقبات سياسية.

وأخيرا، يجب على سلطاتنا التنفيذية أن تعيد مضمونا حقيقيا للعلاقة عبر مشاريع ملموسة. استمرارا لما بدأه جان-نويل بارو خلال زيارته إلى الجزائر في ربيع 2025، علينا أن نعيد تفعيل التعاون الأمني والقضائي، وأن نعزز المبادلات الاقتصادية ونستعيد روح الشراكة المتكافئة والهادئة والمستدامة.

لكن في سياق سياسي فرنسي لا يملك فيه الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبية مستقرة، تبدو قدرته على إطلاق مبادرات دبلوماسية قوية محدودة. برأيكم، ما هو هامش المناورة الحقيقي لديه اليوم لرأب الصدع في العلاقات مع الجزائر؟

إن الشؤون الخارجية تقع ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو المجال المحفوظ الذي يملك فيه الكلمة الفصل.

ثم إنني لا أشارك الرأي القائل بأن الرئيس بات ضعيفا على الساحة الدولية، بل على العكس تماما. فقد أظهر إيمانويل ماكرون خلال الأشهر الأخيرة أنه فاعل رئيسي في الدبلوماسية العالمية. في الملف الأوكراني، يقف في الصف الأول، خصوصا من خلال اقتراحه إنشاء قوة أوروبية للضمان الأمني، وهو ما يشكل إشارة قوية لأوكرانيا. أما في الشرق الأوسط، فقد لعب دور الوسيط المتبصر، بدفاعه النشط في الأمم المتحدة عن حل الدولتين واعترافه بدولة فلسطين، وجَرِّه عددا كبيرا من الدول نحو هذا المسار.كل هذه مؤشرات على القيادة، فالرئيس يتمتع بنفوذ حقيقي وأدوات دبلوماسية فعالة تمكنه من التحرك حتى في سياق برلماني معقد.

فيما يتعلق بالجزائر، تقع على عاتقه مسؤولية تحويل هذه الديناميكية الدولية إلى منهج ثنائي واضح: وضع خارطة طريق محددة، القيام بإشارات ثقة واستعادة علاقة متوازنة موجهة نحو المستقبل. ليست المسألة مسألة أغلبية برلمانية، بل مسألة إرادة ورؤية. ومن هذا المنطلق، أعتقد أنه يمتلك الوسائل والشرعية الكافية للقيام بذلك.

هل تعتقدون أن لقاء بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وعبد المجيد تبون يمكن أن يُعقد على هامش قمة مجموعة العشرين المقررة في نوفمبر المقبل بجنوب إفريقيا، كما تشير بعض المصادر؟

هذا احتمال واقعي، وأعتقد أنه ينبغي الترحيب به بحرارة. لكن الرهان لا يكمن فقط في أن يلتقيا، بل في أن يتحاورا فعلا ويفهما بعضهما البعض. فلقاء من هذا المستوى لا معنى له إلا إذا كان يندرج ضمن خارطة طريق واضحة ومشتركة.

اليوم، بلدانا بحاجة إلى لحظة حقيقة دبلوماسية، لا إلى مجرد تبادل مجاملات. الصورة الفوتوغرافية لم تعد كافية. ما نحتاجه هو منهج واتجاه ورؤية. فإذا تمكن هذا اللقاء من أن يكون نقطة انطلاق لحوار استراتيجي واقعي ومستدام، فسيكون ذلك تقدما كبيرا. إن فرنسا والجزائر تتقاسمان تاريخا مشتركا ومصالح إنسانية واقتصادية وأمنية عميقة جدا، ولا يمكنهما الاستمرار في العيش وسط سوء فهم دائم.

المصدر: الخبر

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here