أفريقيا برس – الجزائر. تأكد رسميا وبما لا يدع مجالا للشك، أن السلطات الفرنسية تستغل اتفاقية 1968 المنظمة للهجرة مع الجزائر، كأداة للصراع السياسي والدبلوماسي مع مستعمرتها السابقة، فقد تراجعت فعليا عن بعض البنود الحساسة في الاتفاقية من جانب واحد، في الوقت الذي تطالب فيه الجزائر بالجلوس إلى طاولة الحوار من أجل مراجعتها، وكأن شيئا لم يكن.
وجاء الكشف عن هذه الفضيحة من قبل مجموعة من خمس منظمات فرنسية قانونية وحقوقية معروفة بدفاعها عن المهاجرين، على غرار كل من “نقابة محامي فرنسا (SAF)”، ومنظمة “محامون للدفاع عن حقوق الأجانب” (ADDE) ورابطة حقوق الإنسان (LDH)، و”مجموعة المعلومات والدعم للمهاجرين” (GISTI)، و”لاسيماد”.
ووقّعت المنظمات سالفة الذكر، على بيان مشترك، جاء تحت عنوان “الاتفاق الفرنسي-الجزائري (اتفاقية 1968) يتعرض للهجوم من كل الجهات: هل يفسح النظام القضائي المجال للسياسة؟”، نددت فيه بـ”الهجمات غير المسبوقة على الاتفاق الفرنسي-الجزائري، والتي يقودها على وجه الخصوص اليمين المتطرف والذين يحنون إلى الجزائر الفرنسية”.
وكشف المصدر عن فضيحة مدوية، تمثلت في إقدام الجانب الفرنسي على إسقاط بعض البنود في اتفاقية 1968، تتعلق خاصة بتصاريح الإقامة الخاصة بالجزائريين، والتي نظمتها الاتفاقية بإحكام، فيما لم تستبعد تورط جهاز القضاء في فرنسا في هذه الفضيحة خدمة لأجندات سياسية.
وانتقدت المنظمات الخمس مجلس الدولة الفرنسي بسبب انخراطه في ما أسمته “تجريد الاتفاقية من جوهرها”. وقالت في البيان الموقّع في السادس من الشهر الجاري “لقد تم توجيه الضربة الأولى (لاتفاقية 1968) في جويلية 2024 بقرار مجلس الدولة، الصادر في 30 جويلية 2024، الحامل للرقم 473675، الذي يفرغ التسوية التلقائية للجزائريين من محتواها، بسبب تواجدهم في فرنسا لمدة عشر سنوات على الأقل، وهو الامتياز الوحيد الذي يوفره هذا الاتفاق، مما أدى إلى إنشاء وهم مفاده أن الجزائري الذي خضع للمنع من العودة إلى الأراضي الفرنسية لا يقيم في فرنسا… والتي لم يغادرها”.
أما الضربة الثانية، وفق ما جاء في البيان، فتتمثل في “الرأي الموجز والمثير للدهشة الصادر في 28 أكتوبر 2025، (الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي) الحامل للرقم 504980، والذي يحرف أحكام الاتفاقية الفرنسية- الجزائرية (اتفاقية 1968) المتعلقة بتجديد تصريح الإقامة، الساري لمدة عشر سنوات”.
وحتى ذلك الحين، يضيف البيان، “كان مجلس الدولة يصر باستمرار على أنه بناء على أحكام الاتفاقية الفرنسية- الجزائرية، التي تنص على التجديد “التلقائي” لتصريحات الإقامة، لا يُمكن لأي قيد أن يمنع تجديد هذا التصريح لوجود تهديد للنظام العام، والذي يُمكن صيانته أيضا من خلال تطبيق إجراء الطرد، استنادا إلى قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 14 فيفري 2001، الذي يحمل الرقم 206914.
وبسبب هذه القرارات، يضيف البيان، أصبح بإمكان المصالح الإدارية المختصة في فرنسا رفض طلبات تجديد تصاريح الإقامة للجزائريين، بداعي وجود “تهديد خطير للنظام العام”، تضيف الوثيقة الصادرة عن فقاء ومختصين في القانون، مضيفة بأن “هذا الرأي في سياق سياسي متدهور يتسم بانتكاسات خطيرة في حقوق المواطنين الأجانب وتزايد خطورة أوضاعهم”.
وخلص البيان إلى أن التصويت التاريخي على اقتراح القرار “بإدانة” الاتفاق الفرنسي-الجزائري لعام 1968 من قبل حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، في الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان) بتاريخ 30 أكتوبر 2025، يشكل إشارة مثيرة للقلق بشكل خاص على عدم قدرة مؤسساتنا على مقاومة الأفكار العنصرية وكراهية الأجانب”.
وتشير تواريخ صدور القرارات السالف ذكرها، إلى وجود نية مبيّتة من قبل الجانب الفرنسي للإضرار بالعلاقات الثنائية، فقرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 30 جويلية 2024، جاء في اليوم ذاته الذي أعلن الرئيس الفرنسي عن دعم مخطط الحكم الذاتي للنظام المغربي بشأن قضية الصحراء الغربية.
في حين أن القرار الثاني الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 28 أكتوبر المنصرم، جاء يومين فقط قبل تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على اللائحة التي تطالب بمراجعة اتفاقية 1968، وهو ما شجع النواب بمن فيهم “الماكرونيين”، على التصويت على هذه اللائحة، ما يؤكد تورط ماكرون بطريقة أو بأخرى في هذا السيناريو.
وتؤكد هذه الحقائق على أن الطرف الفرنسي قد بدأ فعليا بتفكيك اتفاقية 1968 من جانب واحد، ومن دون انتظار الجلوس إلى طاولة الحوار مع الطرف الثاني في هذه الاتفاقية ممثلا في الجزائر، الأمر الذي يعتبر إخلالا خطيرا ببنود هذه الاتفاقية، وهو ما يؤكد زيف المطالب الفرنسية المتكررة من أجل مراجعة الاتفاقية، والتي كانت آخرها، على لسان الوزير الأول الجديد، سيباستيان لوركورنو، قبل أيام فقط، أي بعد قرار مجلس الدولة الفرنسي الأخير الصادر في 28 أكتوبر المنصرم.
وكان نائبان من حزب ماكرون قد أعدا تقريرا برلمانيا زعما من خلاله أن اتفاقية 1968 تكبد الخزانة الفرنسية نحو ملياري أورو في السنة، الأمر الذي يندرج ضمن سياسة فرنسية ممنهجة من أجل الشروع في إفراغ هذه الاتفاقية من محتواها، ما يتطلب ردا قويا من الجانب الجزائري.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





