افريقيا برس – الجزائر. بطالون و”أميّون” في السياسة يترشحون!
ويقول (محمد.ج) موظف بإحدى بلديات الجزائر العاصمة، في 35 من عمره، أنّه قرّر ولأول مرة في حياته دخول عالم السياسة من بوابة البرلمان ضمن قائمة حرة رغم انه لا يفقه في السياسة، لكن تغيير النظام، وانتقاد البرلمانيين السابقين، بعث فيه الأمل لذا ترشح”.
ويتفاءل محدثنا، بفوزه لأنه “معروف في حيّه ” ولديه أصدقاء وعدوه بمساعدته في جمع التوقيعات.
وعن رأيه في العمل البرلماني في حال فوزه في الانتخابات، خاصة وأنه لا يفقه شيئا في الموضوع، ردّ بثقة: “وهل من سبقنا للبرلمان، كانوا يفهمون.. غالبيتهم تجار وحفافات، سأتعلم.. !! ”
أمّا مُحام من ولاية البليدة، فوجد صعوبة في إقناع النساء بالترشح ضمن قائمته الحُرّة،رغم اتّصاله بجميع معارفه وقريباته، وحسبه “النساء لم تعد تستهويهن فكرة الترشح، في ظل إلغاء نظام الكوطة، وإلزامهن بتأكيد حضورهن ميدانيا، وبسبب ما طالهن من انتقاد خلال العهدة البرلمانية السابقة، ونعتهن بالحفافات”.
أما أغرب تصريح، فجاء على لسان شاب من ولاية عين الدفلى، بطال وحائز على شهادة ليسانس في المحاسبة. ترشّح ضمن أحد الأحزاب الصغيرة، فقال لنا “ترشحتُ وأتمنى الفوز، لأضمن منصب عمل لأربع سنوات، ومرتب محترم شهريا؟
حملات انتخابية عبر ” فايسبوك”.. ونواب سابقون مصرّون على الترشح
اختلفت أساليب المُترشحين لإغراء الناخبين، فمثلا رؤساء الجمعيات الخيرية، يُذكرون بأفعالهم الخيرية وخرجاتهم الميدانية، وينشرون الصور عبر ” الفايسبوك”. وآخرون ينشرون تسجيلاتهم في الحراك، والبعض يضع صورا تجمعه مع شخصيات سياسية معروفة.
أمّا نواب البرلمان المنتهية عهدتهم، فلم يفوتوا فرصة الإشهار لحصيلتهم البرلمانية، عبر منصات التواصل الاجتماعي، من خلال نشر أسئلتهم الكتابية والشفوية المطروحة على الوزراء أثناء عهدتهم النيابية وزياراتهم الميدانية، ماعرّضهم للهجوم والانتقاد.
بدلة “نص كُم” الراعي الرّسمي للتشريعيات!
ولم يخل الموضوع من بعض الطّرافة والسخرية كالعادة، فنشر كثيرون صور البدلة الرسمية ذات الأكمام القصيرة، والتي ظهرت السنوات الأخيرة، ودشنها النائب السابق المعروف بـ ” سبيسيفيك “. والبدلة اقترنت لاحقا بنواب البرلمان، والأميار…وصورة البدلة انتشرت على نطاق واسع بمجرد الإعلان عن تنظيم التشريعيات، وتحتها تعليق “..الراعي الرسمي لتشريعيات 2021”. فيما علق البعض على ترشح رقاة معروفين: “البرلمان سيكون محصنا من الجن”، و”ستغيب البدلة ويحضر القميص في البرلمان”.
أمّا أغلبيّة التعليقات، فتُؤكّد أن المُترشحين غالبيتهم يبحثون عن مُرتّب شهري، في ظل انهيار القدرة الشرائية بسبب جائحة كورونا.
بن خلاف: المُغريات المادية حمّست الشباب وسنرى “العجب العُجاب” في الحملة الانتخابية
ولا يرى النائب السابق عن حركة مجتمع السلم، عبد الناصر حمدادوش، إشكالا في ترشح أي مواطن للانتخابات، مهما كان جنسه أو شهادته أو ميوله السياسية. وقال لـ “الشروق”، من حق أي جزائري تتوفر فيه الشروط أن يترشح للتشريعيات، لأن الشعب هو من سينتخب على هؤلاء، أي أنه هو الحكم والفصل في الموضوع “.
وإلى ذلك يعتبر النائب السابق، لخضر بن خلاف في تصريح لـ ” الشروق”، بأن استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لإعلان الترشح وجمع التوقيعات وطلب التزكية والتصويت، أمر بديهي جدا، ولا ضرر فيه.
وقال “هذه المرة الذين يستعملون منصات التواصل، هم عموما شباب، اقتنعوا بالتقدم للانتخابات التشريعية، ليس حبّا من طرف غالبيتهم في هذه الانتخابات، أو لقناعة جدّية، وإنّما بسبب المُغريات المادّية التي قدمتها السلطة للشباب، وتشبيب للبرلمان، بعدما وعدتهم بمعُونة 50 مليونا لتمويل حملاتهم الانتخابية “.
واعتبر مُحدثنا، أنّ الأمر فيه تمييز بين الشباب المهيكل في الأحزاب وغير المهيكل، الذي ينتمي إلى القوائم الحرّة، كما يعتبر “غيابا لمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين.. وهذه ليست دعما للشباب، بل هو دعم للقوائم الانتخابية المُستقلة، والتي تضمّ شبابا وكهولا ونساء” على حدّ قوله.
“العزل السياسي” للنّواب السابقين وإبعادهم غير قانوني
وأشار بن خلاف، أنّ صدور إجراء “العزل السياسي” على النواب الذين قضوا أكثر من عهدة بالبرلمان، بدوره شجع الشّباب على الترشح للتشريعيات، “وإن كنا نرى الإجراء غير قانوني، إذ كان من المفروض تطبيقه على الأحزاب المعروفة بالتزوير سابقا، وليس على مُترشحين، قد يختارهم الشعب مُجدّدا بإرادته الحُرة، والذي يُعتبر مصدر السّلطات”.
وهذه المغريات،حسبه، ألهبت وسائل التواصل الاجتماعي، وحمّست الشباب للترشح، وهو نفس السيناريو الذي عشناه في الانتخابات الرئاسية الماضية” أين ترشح كل من هب ودب، لدرجة عشنا مسرحيات كوميدية مع بعض الوجوه المترشحة ما يعتبر تمييعا للمجالس المنتخبة ولصفة الناخب، وتشويه للعملية الانتخابية”.
وبخصوص تعليمة اشتراط المناصفة بين الرجل والمرأة في القوائم الانتخابية، حيث تضم القائمة المكونة من 10 مترشحين، 5 نساء و5 رجال، ويكون فيها شباب أقل من 40 سنة وثلثهم أصحاب شهادات جامعية.
ويرى النائب السابق، بأن مثل هذه التعليمة ستظلم النساء ” فقد نجد نساء جامعيات في القوائم، وسنهن أقل من 40 سنة، ولكن يتصدر القائمة رجال كهول، وبالتالي سينتفع الرجال الكهول على ظهر النساء، واللاتي قد لا يصوت عليهن الناخبون، فيفوز الرجال”.
سمّاري: المناصفة في القوائم تحتاج جهدا وثقافة تراكمية
أمّا الوزير الأسبق، والذي شغل أيضا منصب نائب رئيس البرلمان ورئيس لجنة الشؤون السياسية ولخارجية للبرلمان العربي سابقا، عبد القادر سماري، فاعتبر عبر “الشروق” أن المرأة الجزائرية، أثبتت قدرتها على رفع التحدي في جميع المجالات، ولطالما امتلكت بلادنا نساء نماذج في العمل السياسي، ولكن في موضوع المناصفة بين النساء والرجال في القوائم الانتخابية ” فذلك يحتاج إلى جهد وسلوك وثقافة تراكمية، وليس قرارات وتعليمات”.
ولأن بعض الأحزاب والقوائم الحرة، وجدت صعوبة في تحقيق قانون المناصفة في بعض الولايات، حسبه، الأمر الذي جعل السلطة الوطنية للانتخابات، تستدرك الأمر، وأصدرت تعليمة جديدة مفادها عدم إلزام بعض القوائم بالمناصفة بين الرجل والمرأة في حال لم يتمكنوا من تحقيق ذلك في بعض المناطق.
ليتساءل سماري، هل التعليمة ستكون عامة على مستوى كامل الولايات، أم لمناطق معينة فقط. وبالتالي هذا الإستدراك جاء ” تلبية لواقع ثقافتنا ومجتمعنا، فحتى مع وجود نساء رائدات ونماذج في مختلف القطاعات بمجتمعنا، ومع ذلك، تبقى مسألة ترشح المرأة للانتخابات غير مقبولة لدى كثيرات منهن، لأسباب عديدة “.
وثمن محدثنا في هذا السياق، الحركات أو الأحزاب “الإسلامية” التي تمتلك نساء مناضلات، وقال: “مثلا في حركة مجتمع السلم، تواجدت أول امرأة جزائرية شغلت منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، وهي عائشة بلحجار التحقت بالبرلمان في 1997، وانتخبت لمنصب نائب الرئيس في 2001 “.
وأضاف محدثنا، أن عملية ترشيح النساء للانتخابات، تحتاج إلى “ثقافة مجتمع، مع تحسين ظروف الممارسة السياسية”.
النائبة السابقة فريدة غمرة: المناصفة فرصة ذهبية للتخلص من “برلمان الحفافات”
اقتربنا من النائبة السابقة عن ولاية سطيف، فريدة غمرة لأخذ رأيها، باعتبارها ناشطة سياسيا، فقالت بأنها يثمن تعليمة المناصفة بين الرّجال والنساء في القوائم الانتخابية، وفتح المشاركة أمام الشباب وتعتبرها ايجابية وأكثر شفافية وديمقراطية.
وبخصوص الانتقادات الموجهة للتعليمة، على أنها تجعل من المرأة مجرد واجهة في القوائم، فأوضحت ” ممكن أن بعض الأحزاب المتعودة على التزوير، هي من تظلم النساء، وتجعلها مجرد ديكور في القوائم الانتخابية، كما أن المجتمع الذكوري أحيانا، يحرم المرأة من حقها في المشاركة السياسية، بحجة عدم قدرتها على إدارة حملة انتخابية ميدانية، وبالتالي تحرمها من التواجد على رأس القائمة الانتخابية، وأخريات يتعرضن لمساومات”.
ولكن بالمقابل نرى أحزابا أخرى، تحترم المرأة وتعطيها الحق لتبوأ المناصب القيادية، والتواجد على رأس القائمة الانتخابية، وبالتالي فإن قانون الانتخابات الجديد أكثر ديمقراطية وعدالة”.
أما نظام “الكوطة”، الذي كان سابقا، ورغم أنه أنصف المرأة، وفتح لها الباب واسعا لولوج العملية السياسية، ولكنه حسب قولها ” انعكس لاحقا سلبا على المرأة، فوجهت لها اتهامات بعدم الكفاءة، لدرجة تم وصف البرلمان ببرلمان الحفافات سخرية من بعض النائبات، رغم عدم وجود فرق بين كفاءة الرجل والمرأة.
وبخُصوص التخوّفات من عدم قدرة المرأة على القيام بالحملة الانتخابية الميدانية، قالت محدثتنا: “صحيح أن المرأة لا تخرج للمقاهي ولا للشوارع، ولكن بإمكانها إدارة حملتها من منابر وسائل التواصل الاجتماعي، ومقرات الجمعيات والأحزاب..
قوراية: المناصفة بين المرأة والرجل.. احتقار وانتقاص من شخصية النساء
ومن الناحية النفسية، اعتبر البروفيسور في علم النفس، أحمد قوراية، أن إجبار المترشحين للتشريعيات على إعداد قوائم مناصفة بين الرجل والمرأة، هو “احتقار للمرأة، وانتقاص من شخصيتها ومواطنتها”، متسائلا: “ما المانع أن تكون القائمة كلها نساء أو رجال، أو تضم امرأة واحدة فقط أو اثنتين فقط؟ فهذه حرية شخصية للجميع، لا يجب أن تُقيد بقوانين”.
وبالتالي، فالأصل، حسبه، أن تترك الحرية للرجال والنساء المترشحين للتشريعيات، “لأن القانون ينظر بنظرة شمولية، ولا يهم جنس المترشح مهما كان امرأة أو رجلا، فالإجبار على وجود قائمة تضم 50 بالمائة نساء، من الناحية النفسية يعتبر إقصاء وتهميشا أو مزايدة، ولا تخدم المجتمع..كما كان علينا مراعاة طبيعة بعض المناطق المحافظة”.
حريشان: نجاح المرأة مرهون بتكوينها سياسيا وتأهيل المجتمع بأهمية دورها
ومن جهتها، تعتقد رئيسة جمعية ” حورية ” للمرأة الجزائرية، عتيقة حريشان حسب تصريحها لـ “الشروق”، أن موضوع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، مر بعدة مراحل انتقالية بالجزائر، حيث فرض القانون العضوي للانتخابات السابق “الكوطة” في الترشح والنجاح، فيما ألزم القانون الحالي “المناصفة” في الترشح، ولم يتحدث عن النجاح.
ورأت حريشان، أن نظام الكوطة ” رفع نسبة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، وسمح لبعض الكفاءات النسائية لإبراز قدراتها في العمل السياسي، إلا أنّ فرض هذا النظام دون العمل على رفع الوعي لدى المرأة، وعدم تغيير ذهنيات كثير من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، لم يحدث تغييرا كبيرا في واقع المشاركة السياسية للمرأة”.
وأضافت “لذلك نحن مقتنعون، بوجود تقدير انتقالي لمشاركة المرأة وقضية الكوطة والمناصفة، والحقيقة أن القضية تتطلب رؤية جديدة، تخرجها من الانتقالي إلى المستدام، مبنية على التأهيل وتكافؤ الفرص والكفاءة الذاتية للمرأة، ونزاهة الاقتراع وتغيير البيئة المجتمعية، بتعميم الوعي العام التي تشارك فيها كل مؤسسات صناعة الوعي في المجتمع”.
وختمت محدثتنا، بالتأكيد على أن جهود تعزيز تواجد المرأة في الحياة السياسية ورفع تمثيلها في المجالس، من خلال فرض قوانين وأنظمة انتخابية، وبرامج تكوينية للتأهيل، وتمكينهن من أدوات العمل السياسي، مع العمل على التنشئة الاجتماعية الصحيحة لدى الشباب بأهمية مشاركة المرأة في الشأن العام، وإلا لن يتغير الواقع.