أفريقيا برس – الجزائر. صادق نواب المجلس الشعبي الوطني الأربعاء بالإجماع على مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي بادر به نواب العهدة التاسعة والمتضمن 27 مادة قانونية تجرم فرنسا الاستعمارية وتطالبها بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن 132 سنة من الاستعمار، لتُسجل بذلك للمرة الأولى خطوة تشريعية رسمية تجرم المستعمر الغاشم.
من المقطع الرابع للنشيد الوطني “قسما”، تعالت داخل مبنى البرلمان أصوات النواب وأعضاء الطاقم الوزاري الحاضر جلسة التصويت التاريخية، وهم يرددون أبيات “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب…” في مشهد وطني استثنائي تزامن مع عرض المقترح على جدول الأعمال للتصويت عليه بعد أن تم الشروع في إعداد هذه الوثيقة بداية السنة الجارية تحت إشراف رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي.
وخلال جلسة المصادقة بالمجلس الشعبي الوطني، ظهر نواب الغرفة السفلى للبرلمان وأعضاء الحكومة متوشحين العلم الوطني، وسط حضور واسع لممثلي الشعب، إلى جانب شخصيات وطنية وأصحاب مبادرات سابقة طالبت بتجريم الاستعمار، حيث انطلقت الجلسة على الساعة الحادية عشر صباحا، وخصصت للمصادقة على خمسة قوانين، من بينها مقترح قانون تجريم الاستعمار.
وقبل الشروع في الأشغال، تدخل منسق اللجنة الوطنية للتاريخ والذاكرة، محمد لحسن زغيدي، بكلمة تحت تصفيقات الحضور، مستعرضا دلالات عرض المقترح، ومعبرا في نفس الوقت عن فخره ببلوغه قبة البرلمان، خاصة وأن هذه الوثيقة مرت بعدة تعديلات ناهيك عن مقترحات عديدة طرحت طيلة السنوات الماضية، غير أنها لم تر النور حينها.
وأشار زغيدي الذي توسط جموع النواب من رؤساء الكتل إلى رئيس المجلس إلى أن هذا المطلب ظل مطروحا منذ سنة 1962، مضيفا أن الجزائر اليوم بهذا القانون الذي رأى النور تُمثل رمزا للمقاومة، موجها رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أنه لا مكان لتمجيد الاستعمار، داعيا في نفس الوقت إلى محاربته وإدانته.
كما وجه زغيدي بالمناسبة نداء إلى البرلمانات الإفريقية والعربية والآسيوية من أجل الإسراع في تجريم الاستعمار، مؤكدا أن اللجنة الرئاسية للتاريخ والذاكرة ستكون في مستوى طموحات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وتطلعات النواب، قبل أن يتقدم بالشكر لأعضاء البرلمان على دعمهم لهذا المسار.
قانون يضع الجزائر ندا لند في مواجهة المستعمر
وفي كلمته بعد المصادقة بالإجماع على مقترح القانون، أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، عبد المالك تاشريفت، أن المقترح المقدم من قبل النواب يرقى إلى مستوى يسمح للجزائر بالوقوف ندا لند في مواجهة المستعمر الغاشم، مشيرا إلى أنه يمثل خطوة نوعية في مسار الدفاع عن الذاكرة الوطنية والحقوق التاريخية.
وأوضح تاشريفت أن القانون يضمن الحقوق بكل موضوعية وتجرد، بعيدا عن منطق الإنكار أو التشويه من قبل المستعمر، مؤكدا أن الاستعمار ارتكب انتهاكات جسيمة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، امتدت آثارها إلى الأرض والإنسان معا.
وأضاف الوزير أن واجب العدالة التاريخية، وهو الحد الأدنى من الإنصاف، يفرض على من اقترف هذه الجرائم تحمل مسؤوليته التاريخية كاملة، من خلال تقديم اعتذار رسمي وصريح، إلى جانب مواصلة إدانة هذه الأفعال وعدم طيها بالنسيان.
وشدّد تاشريفت على أن المقترح المقدم من النواب يمثل التزاما أخلاقيا وتاريخيا تجاه الشعب الجزائري والأجيال القادمة، مؤكدا أن بناء علاقات دولية سليمة ودائمة لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس الحقيقة والاعتراف والاحترام المتبادل، وليس على أساس الإنكار أو تجاهل الوقائع التاريخية.
كما عبر الوزير عن تقديره للنواب وللمؤسسة البرلمانية على المبادرة، مؤكدا على أن القانون يعكس إرادة شعبية صادقة ووعيا جماعيا بضرورة حماية الذاكرة الوطنية من أي محاولة إنكار أو تزييف.
رؤساء الكتل البرلمانية يشيدون بالخطوة
رحب رؤساء الكتل البرلمانية الست الممثلين بالمجلس الشعبي الوطني بالتصويت على مقترح قانون تجريم الاستعمار، معتبرين الوثيقة انتصارا سياسيا واستراتيجيا للجزائر ودعوة قوية لفرنسا لتحمل تبعات استعمار دام 132 سنة.
واعتبر رؤساء الكتل أن قانون تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر لا يمثل مجرد نص تشريعي، بل هو موقف سياسي حازم يعكس إرادة الجزائر في الدفاع عن تاريخها وذاكرتها الوطنية، مؤكدين أن القانون يشكل رسالة واضحة إلى فرنسا والمجتمع الدولي، مفادها أن الاعتراف بالجرائم التاريخية والاعتذار عنها لم يعد خيارا، بل واجب لا يمكن تجاهله.
وأضاف النواب أن هذه الخطوة تشكل ضغطا دبلوماسيا وسياسيا من أجل إجبار فرنسا على مواجهة تاريخها الاستعماري والاعتراف بما ارتكبته من انتهاكات وجرائم.
للإشارة فإن مقترح قانون تجريم الاستعمار، الوارد في خمسة فصول تضمن 27 مادة، تحدد الهدف من سن هذا القانون، والمتمثل في تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر خلال الفترة الممتدة من 1830 إلى 1962، مع تحديد الطبيعة القانونية للجرائم المرتكبة، إلى جانب إدراج أحكام قانونية تتعلق بمسؤولية الحكومة الفرنسية عن ماضيها الاستعماري، وآليات مطالبتها بالاعتراف والاعتذار الرسميين عن تلك الجرائم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





