أفريقيا برس – الجزائر. قال حسني قيطوني، الباحث في التاريخ الاستعماري في جامعة إكستر البريطانية، إن المشكل مع فرنسا يكمن في اليمين المتطرف الذي لا يزال يعيش في مرحلة ما قبل الاستقلال في سنة 1962، باستمراره في رفض التوجه نحو تصحيح الأمور العالقة بين البلدين، وأرجع قيطوني ما يحصل اليوم للمصالح الفرنسية في الجزائر، إلى تراجع نفوذها بسبب اندثار النخب الجزائرية التي كانت تدافع عنها.
وأوضح الباحث في التاريخ الاستعماري، أن من يحكمون اليوم في فرنسا أو يديرون دواليب السلطة هناك من خلف الستار، “لا يؤمنون بإقامة علاقات ندية مع الجزائر، بل يرون بضرورة خضوع الجزائر وليس إقامة علاقات وفق مبدأ رابح ـ رابح بين البلدين، لأنهم يعتبرون استقلال الجزائر خسارة كبيرة لفرنسا”.
وبرأي حسني قيطوني الذي كان من بين المشاركين في ملتقى تجريم الاستعمار بقاعة المؤتمرات عبد اللطيف رحال نهاية نوفمبر المنصرم، فإن “مصالح فرنسا ضاعت في الجزائر منذ سنة 2019. فرنسا فقدت قوتها الاقتصادية والعسكرية وكل ما كانت تحتاجه الجزائر منها، ولم يعد ينظر إليها كدولة محورية”، وهو المعطى الذي لعب دورا مهما في قرار السلطات الجزائر بسن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر.
ولم تصل العلاقة بين البلدين إلى هذا المستوى من التردي بين عشية أو ضحاها، بل كان نتيجة لتراكمات امتدت لعقود، يقول الباحث في التاريخ الاستعماري بجامعة إكستر البريطانية، الذي أرجع السبب إلى “ميلاد نخب جزائرية لم تكن قد تلقت تكوينها في فرنسا، وهو ما ساهم في خلق رأي عام نخبوي يرى بأن مصالح الجزائر لم تعد في فرنسا، بل في دول أخرى أهم من فرنسا مثل الصين وتركيا”.
وعلى الرغم من استمرار توافد بعض النخب الجزائرية للتكوين في فرنسا، إلا أن ذلك يبقى محدودا، يقول حسني قيطوني: “لم يتبق في فرنسا إلا القليل من النخب الجزائرية. لقد أصبحت أغلبية النخب اليوم معربة”، وحتى البعض منها قرر ترك فرنسا إراديا باتجاه دول أخرى صاعدة بقوة، بسبب الممارسات العنصرية والتضييق الممنهج في التشغيل والتعليم وحتى الحريات العامة.
ويعتقد الباحث في التاريخ الاستعماري أن فرنسا خسرت الكثير من الأوراق التي كانت بيدها تجاه الجزائر: “لو أرادت فرنسا أن تضر الجزائر فلن تستطيع”، في ظل التحولات التي شهدتها الجزائر منذ سنة 2019 إلى غاية اليوم، والتي طبعها إبعاد الكثير ممن كان يدافع عن المصالح الفرنسية.
وأشار إلى أن قانون تجريم الاستعمار في سنة 2010 لم يمر، لأن فرنسا كان لديها نفوذ قوي، واليوم الوضعية اختلفت لم يعد لفرنسا نفوذ في الجزائر ولهذا مر القانون. لا يوجد اليوم من يدافع عن فرنسا في الجزائر، والنخب لم تعد مرتبطة بفرنسا، التي أصبحت ثانوية بالنسبة للجزائر.
“مادمتم ترفضون الاعتذار فسنجابهكم بالقانون”
يعتقد المؤرخ حسني قيطوني أن فرنسا لم تعرف كيف تتأقلم مع التطورات التي عاشتها الجزائر، لأن الفرنسيين وعلى مدار عقود، لم يجدوا سبيلا إلى إقامة علاقات ندية مع مستعمراتهم السابقة وفي مقدمتهم الجزائر، ولذلك “يمكن القول إن فرنسا ضيعت نفوذها في الجزائر إلى الأبد”، فهي لم تستفد من تجارب جيرانها الأوروبيين من الدول المستعمرة مثل بلجيكا التي اعتذرت عن ممارساتها الاستعمارية في الكونغو وإنجلترا في كينيا وألمانيا في ناميبيا..
ومن شأن سن قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، أن يفتح الطريق على مصراعيه أمام بقية الدول التي تضررت من الاستعمار الفرنسي في إفريقيا مستقبلا. يقول حسني قيطوني: “تبادلت أطراف الحديث مع مختص كاميروني في ملتقى تجريم الاستعمار بقاعة المحاضرات بالجزائر في نهاية نوفمبر المنصرم، فقال لي: الجزائر بالنسبة لنا شمس تنير لنا الطريق، لأنها هي الوحيدة التي أخرجت الاستعمار بالقوة العسكرية. في الكثير من الدول المستعمرة لا يزال هناك معمرون (أوروبيون)، إلا في الجزائر”.
أما بخصوص الرسائل السياسية التي أرادت الجزائر توجيهها لفرنسا من راء قانون تجريم الاستعمار، فهي: “ما دمتم ترفضون الاعتذار سنجابهكم بالقانون”، يقول الباحث بجامعة إكستر البريطانية، الذي حمل مسؤولية ما يحصل اليوم من تدهور في العلاقات الثنائية لباريس.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





