هل باتت منطقة شمال أفريقيا جاهزة للارتماء في أحضان روسيا والصين؟

10
هل باتت منطقة شمال أفريقيا جاهزة للارتماء في أحضان روسيا والصين؟
هل باتت منطقة شمال أفريقيا جاهزة للارتماء في أحضان روسيا والصين؟

صغير الحيدري

أفريقيا برس – الجزائر. أثارت تصريحات سياسيين موالين للرئيس التونسي قيس سعيد في شأن دراسة بلادهم للانضمام إلى منظمة “بريكس” التي تضم روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند تساؤلات حول مدى جدية هذا التلويح، خصوصاً أن منطقة شمال أفريقيا برمتها كانت بدأت تستعد للارتماء في أحضان روسيا والصين اللتين تتمددان في القارة السمراء.

وتونس ليست الوحيدة التي بدأ فيها نقاش حول الانضمام إلى “بريكس” وسبقتها الجزائر بخطوات أكثر جرأة من خلال تقديمها العام الماضي طلباً في هذا الاتجاه، وعلى رغم سعيهما المشترك إلى التغلغل في شمال أفريقيا، إلا أن بكين وموسكو لا تستخدمان الأدوات نفسها، ففيما تضخ الصين استثمارات ضخمة لتحقيق ذلك، لا تخفي روسيا اعتمادها على البعد العسكري لترسيخ موطئ قدم لها من خلال تعزيز التعاون مع الحليف التقليدي الجزائر والحضور عبر مرتزقة “فاغنر” في ليبيا.


روسيا قد تراهن على تحالفها التقليدي مع الجزائر من أجل التغلغل في شمال أفريقيا (رويترز)

حلم “بريكس”

ويردد سياسيون موالون لسعيد الذي يقود معظم الصلاحيات منذ فترة أن على تونس الاتجاه شرقاً لبناء علاقة وطيدة مع روسيا والصين مستفيدين من حال الفتور التي تخيم على العلاقات التونسية- الغربية بسبب تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل وأيضاً الوضع السياسي في البلاد.

وبدا سعيد أخيراً حاسماً في هذا الصدد عندما أعلن أنه يرفض “الإملاءات الخارجية” في رد على سؤال حول استعداد تونس لتنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، موضحاً أن “علينا التعويل على أنفسنا” للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها البلاد.

وبعد هذه التصريحات التي قوضت الآمال في التوصل إلى حل قريب مع صندوق النقد الدولي، قال رئيس “حراك 25 يوليو” (تموز) الموالي للرئيس سعيد محمود بن مبروك إن تونس تدرس حالياً تقديم طلب رسمي للانضمام إلى منظمة “بريكس”، معرباً عن أسفه لتخلي الغرب عن دعم بلاده، ولم تمر تصريحات بن مبروك مرور الكرام، إذ علقت عليها الصين التي قالت إنها منفتحة على تعزيز التعاون مع الدول النامية، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين في رد على سؤال للصحافيين في بكين حول التصريحات التونسية إن “الصين ستواصل الحفاظ على روح الانفتاح والشمولية والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة لبريكس والعمل مع شركاء بريكس لتعزيز التعاون مع الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى والمساهمة بشكل مشترك في توسيع عضوية بريكس من خلال مناقشات شاملة وتوافق في الآراء”.

وعلق مدير المركز المغاربي للدراسات رشيد خشانة أن “تونس لا يمكن أن تقضي بجرة قلم على 70 عاماً من التحالفات التونسية التي كانت مدروسة في وقتها وجعلت البلاد تختار أثناء الحرب الباردة المعسكر الليبرالي على حساب المعسكر الاشتراكي”، وتابع “عندما نقارن وضع تونس بوضع دول عربية أخرى كان لها خيار آخر وقتها أي الانحياز للمعسكر الاشتراكي، فإن وضع تونس أفضل بكثير على رغم الصعوبات الحالية، والتعاون مع العالم الحر كما كان يسمى بعد الحرب العالمية الثانية مكّن البلاد من تحقيق نجاحات تنموية مهمة”، ولفت إلى أنه “يبدو لي أن من المغامرة أن نستبدل صديقاً بصديق آخر، بخاصة أن ليست هناك أسس موضوعية لعلاقة تونسية مع روسيا، وليس هناك تبادل للزيارات على مستوى الرؤساء مثلاً بين روسيا وتونس لذلك من الممكن إضفاء تعديلات على خياراتنا من دون تغيير تحالفاتنا الإستراتيجية بين عشية وضحاها لأن ذلك سيفقد البلاد مصداقيتها وصداقاتها التي أقامتها على مدى الأعوام”، ورأى خشانة أن “هذه الصداقات لها مزايا مثل التعاون ضد الإرهاب أو كما نتذكر مثلاً الاعتداء الإسرائيلي على منطقة حمام الشط، فلا يمكن التضحية بذلك على رغم ضرورة وجود سياسة وطنية مستقلة عن هذه الأقطاب لأن هذه الحرب ستجعل روسيا تتراجع في عدد من المجالات، لذلك لا أرى فائدة في المراهنة عليها”.

تراجع غربي

وكانت الجزائر قدمت ملفاً رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، للانضمام إلى “بريكس”، مما سلط الضوء على هذه المنظمة التي تعد تكتلاً لأكثر الدول نمواً في العالم، ورأى الباحث السياسي الجزائري جيلالي كرايس أن “روسيا والصين لديهما خطة وإستراتيجية، وهما تتحركان وفقهما لإعادة هندسة العلاقات الدولية وخلق تحالفات جديدة، والدول الصغيرة سئمت من تعامل الغرب معها على أساس غالب ومغلوب، وناهب ومنهوب، وهي تريد أن يكون لها دور آخر، والمحور الروسي- الصيني أصبح يستهوي كثيراً من الدول سواء في الخليج العربي أو في منطقة شمال أفريقيا”، وأضاف أن “منظمة بريكس تبحث عن قوى إقليمية تكون أكثر انسجاماً في مواقفها، والأمر نفسه بالنسبة إلى دول المغرب العربي التي تريد علاقة جديدة مع الغرب، هذه العلاقة تبدأ بتعدد الأصدقاء والحلفاء والشركاء وبألا يكون المغرب العربي حديقة خلفية للغرب، لذلك الحضور الروسي بات واضحاً في كل من ليبيا وفي دول الساحل، وهو حضور أمني لتعويض الانسحاب الفرنسي، وكذلك لطمأنة هذه الدول بأن موسكو قادرة على توفير الأمن”، وشدد على أن “تونس أصبحت أكثر ميلاً إلى المحور الروسي – الصيني بعد التضييق الغربي والتلويح بطرح قضية حقوق الإنسان وافتعال قضية المهاجرين، وهي أمور لا يهتم لها الصينيون والروس كثيراً، والجزائر هي الأخرى تريد أن تكون صاحبة دور في المغرب العربي وفي العالم، وبريكس فرصتها لذلك، على رغم أن الجزائر ضد الحضور الأمني وأبدت امتعاضها من مجموعة فاغنر في مالي وفي ليبيا”.

وأوضح كرايس أن “الجزائر تبحث عن الشراكات القائمة على رابح – رابح وليس استبدال تبعية بتبعية، لكن لكل دولة ظروفها، كما أن المحور الصيني – الروسي يبحث عن مصالحه، فهو لا يشكل جمعية خيرية تبحث عن رقيّ الشعوب، بل إن إستراتيجيته في التوسع تقوم على سياسة عدم التدخل في الدول، بل عقد تحالفات معها”.

وشهد المعسكر الغربي، خصوصاً فرنسا التي كانت تحظى بنفوذ قوي سواء في دول الساحل والصحراء أو ليبيا، صدمات متتالية بعد الموجة المعادية لها في دول مثل مالي وتشاد وغيرهما والتدخل الروسي في ليبيا.

وقال كرايس إن “الغرب دخل مرحلة التراجع من حيث الحضور والتأثير في المغرب العربي وفي عموم أفريقيا، لكن ليس إلى الحد الذي ندعي فيه نهاية النفوذ الغربي، فهو يمتلك أذرعاً وشبكات مصالح ويمكنه الضغط وخلق أزمات ربما تعجز دول المغرب العربي وحتى الأفريقية عن حلها، والغرب لن يتنازل ببساطة عن مناطق نفوذه لمصلحة روسيا، بل سيكون هناك نوع من الصراع المحتدم بين تلك القوى وعلى دول المنطقة أن تستعد لهذا الصراع”.

تخبط سياسي شمال أفريقيا

وبخلاف الجزائر التي أعلنت عزمها الانضمام إلى “بريكس” وقدمت طلبها، لا تزال تونس تلازم الصمت تجاه هذه القضية على رغم أن الحديث عنها تصاعد خلال الأيام الأخيرة ووصل إلى حد الترويج أن السلطات بدأت تبحث في ذلك، وليبيا التي غرقت في الفوضى بعد سقوط العقيد معمر القذافي عام 2011 باتت محطة للمسؤولين الأميركيين في مسعى لإخراج مرتزقة “فاغنر” التي يتهم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بالاستعانة بهم.

وقال الدبلوماسي الليبي السابق عثمان البدري إن “العالم يشهد تحولات كبيرة وهناك إعادة رسم للخريطة الجيواستراتيجية، فنشاهد أن القطب الروسي – الصيني بدأ يتحرك ويحاول قدر الإمكان أن يكون منافساً للقطب الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة وأوروبا”، وأضاف أن “الروس والصينيين لديهم حضور قوي في القارة الأفريقية بشكل عام، ومنطقة شمال أفريقيا دخلت بالفعل في حساباتهم والدليل حضور روسيا في ليبيا من خلال مجموعة فاغنر ومحاولة موسكو أن يكون لها وجود اقتصادي من خلال السعي إلى إحياء الاتفاقات الاقتصادية التي أبرمتها في السابق مع نظام معمر القذافي”، وأكد أن “تونس والجزائر بلدان مهمان جداً في المنطقة، بالتالي، لا أتصور أن روسيا ستكون بعيدة من الحضور في هذه المناطق، بينما شمال أفريقيا حيث تواجه بعض دوله مثل ليبيا وتونس مشكلات اقتصادية وسياسية، وجدت نفسها في وضع صعب جداً في هذه المرحلة في ظل هذه التغيرات”، وبيّن أن “على العرب في هذه البلدان أن يتنبهوا إلى هذه التحولات لأنهم ربما يكونون أوراقاً بيد هذه الأطراف التي تحاول إعادة تشكيل نفسها على الخريطة الدولية، وهذه المنطقة ستتجاذبها هذه الأطراف الآن وربما يصل ذلك إلى حد التنازع على النفوذ في شأنها، لكن لم يتم حتى اللحظة حسم الأمر بالنسبة إلى قيادات هذه الدول”. وحذر البدري من أن “هناك تخبطاً سياسياً في هذه الدول وهو أمر خطر لأن عليها اختيار طريقها وتوجهاتها في ظل النظام العالمي الذي هو بصدد التشكل وهو أمر لا يتم إلا باستقرار سياسي”.

المراهنة على الجزائر

والتسلل الروسي- الصيني إلى شمال أفريقيا ربما لا يكون صعباً، إذ لدى بكين وموسكو فرص من بينها المراهنة على التحالف التقليدي بين روسيا والجزائر لترسيخ موطئ قدم لهما في المنطقة، لا سيما أن تونس على سبيل المثال باتت أقرب بشكل كبير إلى الجزائر، وقال رشيد خشانة إن “هناك مخططاً روسياً للوصول إلى شمال أفريقيا من خلال تطوير العلاقات مع الجزائر باعتبارها نقطة ارتكاز في أفريقيا، ونظراً إلى العلاقات المتطورة بين البلدين على رغم أن مراقبين يقولون إن هناك فترة فتور حالياً في العلاقات بين موسكو والجزائر”، لكن أي تغلغل روسي – صيني في شمال أفريقيا قد يسرع ببروز احتكاك مباشر في المنطقة، خصوصاً أن الولايات المتحدة ترفض أي دور لموسكو في المنطقة حيث تسعى منذ أعوام إلى طرد مجموعة “فاغنر” من ليبيا، لكن ذلك لم يتحقق بعد، وسبق أن أقر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مايو (أيار) 2022 بوجود “فاغنر” في ليبيا قائلاً إنهم “هناك على أساس تجاري”.

وأوضح خشانة أن “هناك اليوم مواجهة غير مباشرة بين قوى محلية على الأرض، الأميركيون يركزون أساساً على إخراج الروس من ليبيا ثم من دول جنوب الصحراء أولاً، وذلك بعد تواتر الزيارات للمسؤولين الأميركيين إلى ليبيا”، مردفاً أن “القضية المركزية للأميركيين الآن هي إخراج فاغنر من ليبيا ثم التوجه إلى بلدان الأخرى مثل السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهي دول دخلت معها الولايات المتحدة في شراكات لمنع مزيد من توغل فاغنر في القارة الافريقية” ولافتاً إلى أن “هناك مخططاً لفاغنر للتوسع باعتبار أن القارة الأفريقية مطمع لكل القوى، وستكون هناك حرب ضارية دبلوماسية وسياسية ربما لا تتطور إلى حرب نارية بين الروس والأميركيين والأوروبيين حول شمال أفريقيا والقارة بأسرها”.

ماذا عن المغرب؟

ومن غير الواضح ما إذا كان المغرب سيلحق هو الآخر بركب الدول الأفريقية الطامحة لتعزيز علاقاتها مع الروس والصينيين على حساب الحلفاء التقليديين، وعلى رغم حال الفتور التي تمر بها العلاقات المغربية – الأوروبية إلا أن مراقبين مغاربة يستبعدون تغيراً قريباً في السياسات الخارجية، مرجحين أن الرباط ستستمر في تنويع شراكاتها الخارجية من دون أي تغيير كبير. وقال الباحث السياسي المغربي حسن بلوان إن “المغرب لا يزال يحتفظ بعلاقات قوية مع حلفائه ويعمل دائماً على تنويع شراكاته لكن من دون أن تكون هذه الشراكات على حساب شراكات أخرى أو على حساب مصالحنا”، وأضاف “من السابق لأوانه الحديث عن سيطرة مطلقة لروسيا والصين على منطقة شمال أفريقيا، بخاصة أن هذه الدول ما زالت ترتبط بعلاقات وثيقة مع الغرب، لكن هناك تغلغلاً واضحاً لا تقدر الدول الغربية على الحد منه الآن للصين من خلال شراكات إستراتيجية”، وقال “أعتقد بأن الدول المغاربية، لا سيما الجزائر، لها علاقات وثيقة مع روسيا والصين، لكن بقية الدول قامت بربط علاقات أكثر متانة مع روسيا والصين في إطار سياسة تنويع الشراكات”.

وتابع بلوان “إذا كان من حق جميع الدول تنويع شراكاتها والانفتاح على الشرق، فإن بعض الدول تحاول أن تخطو هذه الخطوات ليس فقط للبحث عن مصالح إستراتيجية بل لمحاصرة الغرب في العمق الأفريقي وشراكاته مع بقية الدول، لكل دولة حساباتها الخاصة في التعامل مع الصين وروسيا في المنطقة المغاربية على رغم أن هذه الدول لا تملك الجرأة الكافية للإعلان عن قطيعة تامة مع الغرب”، وختم “لكن في الوقت نفسه، يمكن الحديث عن أفول نجم الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا التي تفقد نفوذها التقليدي في شمال أفريقيا، سواء في الجزائر أو المغرب أو ليبيا، وعلى رغم ذلك فإن الغرب لا يزال يحتفظ ببعض الأوراق، لكن موسكو وبكين بصدد زيادة نفوذهما من بوابة الاستثمارات الاقتصادية وغيرها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here