أفريقيا برس – الجزائر. طوى الطرفان الجزائري والفرنسي صفحة الأزمة المتصاعدة بينهما في الأشهر الأخيرة، بعد الزيارة التي أداها وزير الخارجية الفرنسي الى الجزائر، لكن رغم الإقرار بالاتفاق على فتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، وعلى مواصلة الحوار والتعاون الشامل، إلا أن التحديات تبقى قائمة في ظل عدم توفر ضمانات بعدم العودة الى نقطة التوتر.
أشار وزير الخارجية الفرنسي جان نويل باري، من بعيد الى موقف بلاده من قضية دعم المقاربة المغربية في حل ملف الصحراء الغربية المتنازع عليها بين الرباط وجبهة البوليساريو، واكتفى بترديد ما ورد في البيان المشترك بين رئيسي البلدين، لما تحدث عن دعم الشرعية الدولية في ملفات إقليمية، وهو ما يوحي الى أن باريس ليس في منظورها مراجعة موقفها نزولا عند رغبة الجزائر.
استبعد المحلل السياسي عمر براس، أن تكون التوافقات المعلنة في الجزائر من طرف وزير الخارجية الفرنسي، انهاء لأسباب الأزمة بين بلاده والجزائر، بسبب تعقيداتها وتشابك المصالح والأمزجة مع السياسة والتاريخ والتركة الاجتماعية، ولذلك فان العودة الى الوضع الطبيعي لا يعني نهاية الأسباب الخلافية بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية.
وأوضح، لـ “أفريقيا برس”، بأن “أهمية كلا البلدين للآخر تضع العلاقات الثنائية محور تداول داخلي ومادة دسمة للنقاش السياسي لدى الطرفين، فهي تقع في صلب الصراع الانتخابي بين مختلف التيارات الأيديولوجية الرغابة في الفوز بقصر الاليزي العام 2027، وفي الجزائر تتسابق القوى السياسية الممثلة في البرلمان على كسب شرف استصدار قانون تجريم الاستعمار أمام الشارع الجزائري بعدما تعطل عدة مرات”.
وأضاف: “حتى الندية التي تحدث عنها وزير الخارجية، تبقى غير واضحة، فالعفو المنتظر عن الكاتب بوعلام صنصال، كواحد من المطالب الصريحة لتطبيع العلاقات الثنائية، لم تقابله مطالب مماثلة، لأن الجزائر بحوزتها أيضا لائحة من المطلوبين الكبار، يأتي على رأسهم وزير الصناعة الأسبق عبدالسلام بوشوارب، الذي رفض القضاء الفرنسي تسليمه الى الجزائر، الى جانب وجوه أخرى تنتمي الى حركة “ماك” المصنفة كيانا إرهابيا من طرف الجزائر.
وخلص المتحدث الى أن العديد من المحاور والتفاصيل تبقى محل خلاف بين البلدين، وهو يفضي الى أن التسوية المعلنة مؤخرا للأزمة، لا تعني أن أسبابها اختفت تماما، وقد تعود مجددا الى الواجهة، في ظل تشعب وتداخل العلاقات الثنائية ووقوعها تحت مؤثرات وفاعلين من مختلف المستويات.
ويبدو أن رئيس الديبلوماسية الفرنسية تعاطى ببراغماتية محضة مع ما تحقق في الأسابيع الأخيرة، حيث ركز على ما أسماه، بـ “طي صفحة الأزمة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الندية بين البلدين”، وعن “الاتفاق عن الاستمرار في الحوار والتعاون الشامل”، في تلميح الى أن الملفات المتراكمة بين البلدين والتي عمقت الأزمة بينهما خلال الأشهر الماضية، كالهجرة والتعاون الأمني والقضائي وعودة المؤسسات الفرنسية للجزائر، والتأشيرات الديبلوماسية، قد تم التوافق بشأنها.
ويرى متابعون للعلاقات الجزائرية- الفرنسية، أن الوفد الفرنسي حمل خطاب “الحزم وعدم التهاون”، الذي ردده جان نويل بارو أمام الجمعية العامة خلال زيارته للجزائر، ولذلك ظهرت ملامح تشنج وقلق بين الطرفين، مما أعطى الانطباع بأن التوتر يخيم على لقاءت الطرفين.
وبدا هؤلاء أنهم في سباق مع الزمن، لتحقيق طفرة نوعية، تنهي فصول الأزمة وتفتح أفاقا جديدة، عبر رسم أجندة دقيقة، تم الكشف عن بعض محطاتها، كزيارة قريبة لوزير العدل جيرالد ديرمانان، والتئام اللجنة المختلطة لمعالجة ملف التاريخ والذاكرة المشتركة.
وأعلن في هذا الشأن، رئيس الوفد الجزائري لحسن زغيدي، بأنه “ذاهب الى باريس في اطار اللقاءات الدورية لأعضاء اللجنة المشتركة، وأن الموعد سيتحدد بناء على نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجزائر، وسيذهب لأجل تحصيل الأرشيف الوطني وليس لنقاشات أخرى”.
وبالموازاة مع ذلك برمجت مصالح الداخلية الفرنسية ومسؤولي المحافظات الفرنسية لقاءا مع القناصلة الجزائريين لدراسة لائحة الأشخاص الجزائريين غير المرغوب فيهم والتي تريد السلطات الفرنسية ترحيلهم، واستصدار التصاريح القنصلية التي تسمح لهم بالمرور في المطارات الفرنسية.
ويرى المحلل السياسي عمر براس، في هذا الشأن، بأن “الحديث عن استلام الجزائر لشخصيات مطلوبة لديها لا زال محل أخذ ورد، ولم يتم ضبط لائحة نهائية لحد الآن، لتكون مقابلا للعفو عن الكاتب بوعلام صنصال، لكن في المقابل استلمت لائحة أولية لستين شخصا سيتم ترحيلهم في القريب العاجل”.
ولفت الى أن مكاسب تسوية الأزمة ستتجلى تباعا في المدى القريب والمتوسط بين الجزائر وفرنسا، لكن النوايا الحقيقية في عدم العودة الى مربع الصفر، والتوجه نحو علاقات ندية يسودها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، تحتاج الى وقت طويل والى نفس أطول، لأن إرادة القياديتين السياسيتين لا تكفي وحدها، ويتوجب تأطير المؤثرات الخارجية الأخرى، كالتيارات السياسية والأيديولوجية المتطرفة.
وقال نويل بارو بعد اللقاء الذي استمر ساعتين ونصف ساعة مع الرئيس عبد المجيد تبون، عبرنا عن “الرغبة المشتركة في رفع الستار من أجل إعادة بناء حوار هادئ، والاستئناف الشامل للعلاقات الثنائية، وأن فرنسا والجزائر اتفقتا على استئناف التعاون في جميع القطاعات، وذلك بعد يوم من المحادثات الهادفة إلى استئناف الحوار بعد خلافات على مدار أشهر، وأننا نعود إلى الوضع الطبيعي، ولنكرر كلمات الرئيس عبد المجيد تبون، فقد رفع الستار”.
وركز المتحدث، على طي صفحة التوتر بين بلاده والجزائر، وأن الأخيرة وعدت بمنح الشركات الفرنسية، بما فيها العاملة في القطاع الزراعي، قوة دافعة جديدة، وهو ما يترجم تضرر القطاع، خاصة انتاج القمح من القطيعة التجارية غير المعلنة التي طبقتها الجزائر خلال الأشهر الأخيرة، حيث أصدر ديوان الحبوب المحلي، دفتر شروط أقصى بشكل غير معلن، القمح الفرنسي والممونين الفرنسيين من عدة مناقصات دولية.
وكان مصدر دبلوماسي فرنسي، قد وصف المحادثات بين بارو، وعطاف، كانت معمقة وصريحة وبناءة تماشيا مع الاتصال بين الرئيسين ماكرون وتبون، وركزت على القضايا الإقليمية والعلاقات الثنائية، ولا سيما قضايا الهجرة”. لكنه لم تتم الإشارة الى أي مراجعة لموقف الاليزي من قضية الصحراء الغربية.
وأوضح، أن “فرنسا يجب أن تستغل النافذة الدبلوماسية التي فتحها الرئيسان الفرنسي والجزائري للحصول على نتائج بشأن قضايا الهجرة والقضاء والأمن والاقتصاد”.
ويعود بداية التوتر بين البلدين، الى الصائفة الماضية، لما أعلن قصر الاليزي عن تأييده للمقاربة المغربية في حل نزاع الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو، ثم جاء توقيف الكاتب بوعلام صنصال، في الجزائر منتصف شهر نوفمبر الماضي، ليعمق الأزمة بين البلدين، ويزيد من حدة السجال بين الدوائر السياسية والإعلامية لدى الطرفين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس