أفريقيا برس – الجزائر. رفع الكاتب والإعلامي الفرنسي نيكولا بو من سقف الخوض في تفاصيل الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا منذ عدة أشهر، بتوجيه اتهام صريح لمدير الأمن الداخلي الجزائري عبد القادر حداد، بالوقوف وراء التوتر القائم بين البلدين. واتهم بو حداد بتكوين شبكة من الموالين له، تضطلع بمهمة إشعال فتيل الأزمة. وهذا يدفع للتساؤل عما إذا كان الرجل بصدد خوض حلقة جديدة من مسلسل الابتزاز الذي يميز مساره المهني، أم أنه مكلف بدور جديد في الأزمة القائمة.
وجاء طرح شخصية مدير الأمن الداخلي الجنرال عبد القادر حداد ليؤكد طموح الرجل المتعود على ابتزاز شخصيات ونخب سياسية في العالم العربي. حيث أظهر ورقة ثقيلة يعتقد أنها تحقق له عائدًا، كما حدث في وقت سابق مع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي، والملك المغربي. ولذلك، رمى بصيده عبر مقال نشره في صحيفة “موند أفريك”، ضد أحد الكوادر القيادية في جهاز الاستخبارات الجزائرية.
ووجه الكاتب والاعلامي الفرنسي نيكولا بو، اتهامات صريحة لمدير الأمن الداخلي عبد القادر حداد (ناصر الجن) بالوقوف وراء زعزعة العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وبتشكيل شبكة وخلايا من الموالين له، ينشطون في مجال التدوين على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يضطلعون ببث خطاب ومحتويات تقوم على انتقاد خصومه في السلطة، والمؤسسات الرسمية والنظام السياسي في فرنسا.
وألمح الكاتب، الى أن مدير الأمن الداخلي في الجزائر، سيكون كبش الفداء الذي تتم التضحية به، مقابل التطبيع السياسي بين البلدين، باعتباره صاحب قرار توقيف الكاتب الفرانكو جزائري بوعلام صنصال، وتحويله للقضاء بتهم ثقيلة تندرج في اطار البند 87 مكرر من قانون العقوبات الذي يعالج قضايا الإرهاب.
ويرى عقيد متقاعد فضل عدم الكشف عن هويته، أن تلويح نيكولا بو، بورقة القيادي في جهاز الاستخبارات، هو محاولة لاختيار صيد ثمين، يعتقد أنه سيسقط عليه ممارساته الابتزازية التي مارسها مع شخصيات سياسية عربية بواسطة مؤلفات عن حياتهم الخاصة، وأن مقال “موند أفريك” هو بالون اختبار لرصد ردود فعل الطرف المعني أو السلطة الجزائرية عموما.
وأضاف، لـ”أفريقيا برس”، بأن “اختيار هذا التوقيت هو محالة لاستغلال الأزمة القائمة من أجل الحصول على عائدا ما، سواء في اطار مغامراته الابتزازية المعزولة، أو دور ما يضطلع به بايعاز من جهات فرنسية، وأن الرجل يحاول خلق انطباع حول خلاف ما بين جهاز الاستخبارات وبين قيادة أركان الجيش ورئاسة الجمهورية”.
وتابع “الكاتب يوحي الى محاولة فرنسية لاختراق بنية السلطة الجزائرية، من خلال استهداف دائرة مكافحة الجوسسة (الأمن الداخلي)، التي يديرها الجنرال عبدالقادر حداد، عبر خلق حالة من التجاذب في هرم السلطة، كما كان الأمر خلال سنوات الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة”.
ويبدو أن الكاتب الفرنسي المثير للجدل، يريد الرد عن الخطاب الجزائري الرسمي والإعلامي، الذي ما فتئ يتهم دوائر اليمين المتطرف، بافتعال أزمة بين البلدين تتعدى الخلافات السياسية الى خلفيات تاريخية تترجم المقاربة الاستعمارية القديمة.
وربط الإعلامي الفرنسي، رئيس المخابرات الجزائرية الداخلية عبد القادر حداد، بجناح المدير السابق لجهاز الاستخبارات الجزائرية، الجنرال محمد مدين (توفيق)، واعتبره ذراعه العملية داخل الجهاز، والحامل لأفكاره وطروحاته التي يوحيها له من وراء الستار، رغم أنه أحيل على التقاعد العام 2015، من طرف الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، في اطار المراجعة التي أرادها الأخير على تركيبة وبنية الجهاز آنذاك.
وقال “المخابرات الفرنسية تعتبر الجنرال عبدالقادر حداد، هو المحرض الحقيقي على الحملة العنيفة التي يقودها الناشطون الجزائريون في فرنسا. ولا يهاجم هؤلاء المعارضين للنظام فحسب، بل يهاجمون أيضا الرجلين القويين في البلاد، الرئيس تبون والجنرال شنقريحة. ويقوم مرتزقة التضليل هؤلاء بمهاجمة الحياة الخاصة للرجلين وأسرتيهما وحلفائهما داخل الحكومة. لكن الروابط بين هؤلاء النشطاء ورئيس مكافحة التجسس أصبحت الآن مؤكدة ومعروفة في باريس والجزائر”.
ويقصد بذلك بعض الناشطين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين شنوا حملات مضادة استهدفت معارضين للسلطة في فرنسا، والذين أوقف الأمن الفرنسي عددا منهم بتهم ترويج خطاب الكراهية والعنف والإرهاب، وقامت وزارة الداخلية بترحيلهم قسرا الى بلدهم الأم، غير أن السلطات الجزائرية رفضت استلام اثنين منهم.
ويشير الى وجود مفاوضات سرية، يتابعها قصر الإليزيه عن كثب، بين باريس والجزائر من أجل إطلاق سراح الكاتب الفرانكو جزائري بوعلام صنصال، الموقوف منذ منتصف شهر نوفمبر الماضي، بتهم تهديد الأمن القومي والمساس بأمن واستقرار البلاد.
وقال “المحادثات السرية التي بدأت بين مؤسستي الرئاسة في باريس والجزائر، بشأن الإفراج المحتمل عن بوعلام صنصال، امتدت إلى عدد معين من القضايا الحساسة، حيث حدد كل طرف شروطه قبل التوصل إلى حل ينهي العلاقات التي أصبحت متوترة للغاية بين البلدين بعد الاعتقال التعسفي للكاتب”.
وركز الكاتب على موقع وثقل الضابط السامي الجزائري، عبر استعراض مسيرته منذ علاقته الوثيقة مع مدير جهاز الاستخبارات السابق (توفيق)، أين اشتغل الرجلان معا في نفس الجهاز بين 1992 و1998، وهي الفترة التي شكلت ذروة الحرب الأهلية في الجزائر، ثم عودته من اسبانيا العام 2020 لشغل منصب مسؤول دائرة مكافحة التخريب، بعدما فر اليها خوفا من أن يلقى نفس مصير السجن، لما كان قائد الجيش السابق، الجنرال أحمد قايد صالح، بصدد إعادة ترتيب أوراق المؤسستين العسكرية والأمنية، وتطهيرهما من العناصر المحسوبة على الجهاز السابق، بدعوى محاربة الفساد.
ولفت الى أن “هذه الشخصية القوية كان بإمكانها أن تحد من مساحة تحرك الرئيس المنتخب تبون. من الأفضل أن يكون معك وليس ضدك. وتلت ذلك فترة طويلة من المفاوضات، أدت في النهاية، خلافا لكل التوقعات، إلى تعيينها رئيسا لجهاز مكافحة التجسس، ولكننا نعلم أن ذلك تم بعد أن تظاهر بالانضمام إلى عشيرة الرئاسة”.
وتوقع الكاتب، أن “يتم تهميش هذا الرجل القوي في الأجهزة الجزائرية في الأسابيع المقبلة باسم التسوية الواسعة النطاق التي يتم تشكيلها بشكل مؤلم بين باريس والجزائر. في الواقع تعتبره الأجهزة الفرنسية المحرض الحقيقي للحملة التي أطلقتها في فرنسا على شبكات التواصل الاجتماعي، ضد بعض الشخصيات من الدرجة الثانية ذات الملفات الشخصية المشكوك فيها، والتي تبدو مصممة على مهاجمة الجالية الجزائرية في فرنسا، التي تعد موطنا للعديد من المعارضين للنظام الجزائري”.
ويرى بأنه “في نظر مستشاري الرئيسين تبون وماكرون، فإن رحيل رئيس مكافحة التجسس الجزائري فقط من شأنه أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، والتي من شأنها أن تسمح، بالمناسبة، بوضع حد للمخرجات غير المجدية المتمثلة في حبس كاتب استفزازي، معروف بعدائه لبلاده في كثير من الأحيان، بسبب جريمة رأي بسيطة. بشرط أن يتوقف جزء من الطبقة السياسية الفرنسية الذي لا يزال معادياً بشدة للجزائر عن إصدار تصريحات مضادة ضد الدولة الجزائرية المتهمة بكل الشرور”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس