هل يؤجل تعثر ملف الذاكرة زيارة تبون لفرنسا مجددا؟

3
هل يؤجل تعثر ملف الذاكرة زيارة تبون لفرنسا مجددا؟
هل يؤجل تعثر ملف الذاكرة زيارة تبون لفرنسا مجددا؟

عباس ميموني

أفريقيا برس – الجزائر. تصر الجزائر على “معالجة منصفة” لملف الذاكرة، مع اتهامات لفرنسا بـ”الانتقائية والتقاعس” عن حسم تداعيات استعمارها للبلاد (1830-1962).

ومع هذا الوضع، تُظهر العلاقات بين البلدين تباطؤا في إمكانية التعافي، تجلى في تأجيل متكرر لزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس.

وبمناسبة اليوم الوطني لملف الذاكرة، الموافق 8 مايو/ أيار، أكد تبون أن هذا الملف “لا يقبل التنازل والمساومة”، والجزائر “لن ترضى إلا بمعالجة منصفة”.

تمسك تبون بملف الذاكرة يستبق زيارة من المقرر أن يجريها إلى باريس بين نهاية سبتمبر/ أيلول وبداية أكتوبر/ تشرين الأول المقبلين، حسب اتفاقه مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ولم يزر تبون فرنسا منذ أن تولى الرئاسة في 2019، وكانت زيارته مقررة أولا بداية مايو 2023، لكنها أُرجئت إلى يونيو/ حزيران من العام نفسه، قبل أن تتأجل مرة أخرى.

وفي أغسطس/ آب الماضي، أعلن تبون أن زيارته إلى فرنسا “لا تزال قائمة”، لكنها تعتمد “على برنامج” الإليزيه، وأكد أن “زيارة الدولة لها متطلبات”، و”ليست زيارة سياحية”.

وحسب محلل جزائري، فإن بلاده تنظر إلى الملف على أنه “حق سيادي لا يسقط بالتقادم”، ورأى أن لجنة المؤرخين المشتركة يمكن أن تحرز تقدما لأنها “تعمل بموضوعية” بعيدا عن التجاذبات.

بينما رأى رئيس جمعية معنية أن الجانب الفرنسي “يتقاعس ولا يتجاوب إيجابيا” في ملف الذاكرة، وتوقع أن تتأجل زيارة تبون إلى فرنسا مرة أخرى، لا سيما أن هذا الملف كان سببا في تأجيلها أكثر من مرة.

اجتماعان وصعوبات

وفي أغسطس 2022، وقع تبون وماكرون، خلال زيارة الأخيرة للجزائر، اتفاقا من “أجل الشراكة المتجددة” شمل تعزيز الحوار السياسي والتعاون الاستراتيجي في الأمن والطاقة، والتاريخ والذاكرة.

وبموجبه، شكل البلدان لجنة تضم 5 مؤرخين من كل منهما لـمعالجة جميع القضايا، وبينها فتح وإعادة الأرشيف والممتلكات ورفات قادة المقاومة الجزائرية من فرنسا، والتجارب النووية الفرنسية بالجزائر.

ويقود الفريق الفرنسي المؤرخ بنيامين ستورا، فيما يقود المؤرخ لحسن زغيدي الفريق الجزائري، إلى جانب كل من المؤرخين محمد القورصو، وجمال يحياوي، وعبد العزيز فيلالي، وإيدير حاشي.

ومنذ تشكيلها، اجتمعت اللجنة مرتين، الأولى بمحافظة قسنطينة الجزائرية (شرق) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، والثانية بباريس في فبراير/ شباط الماضي.

وقال زغيدي للإذاعة الرسمية في 8 مايو الجاري، إن “الطرف الفرنسي تعهد في اللقاء الأول بتسليم مليوني وثيقة، بالإضافة إلى الوثائق التي جرى نقلها (إلى فرنسا) وتعود إلى ما قبل 1830 (الحقبة العثمانية)”.

ولم يقدم زغيدي أي تفاصيل عن فحوى الاجتماع الثاني، لكنه أفاد بأن الفريق الجزائري زار كل المناطق والمراكز التي يتواجد بها الأرشيف الجزائري “ورأينا هول الهول” دون توضيح.

وشدد على أن الطرف الفرنسي يضع صعوبات أمام “المعالجة البناءة والجادة لملف الذاكرة”، و”يضعون قوانين تعتبر أن كل ما نُقل إلى فرنسا من مسروقات ومنهوبات وغيرها، جزء لا يتجزأ من السيادة الفرنسية”.

ونهاية 2023، أكد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في مقابلة مع منصة “أثير” التابعة لقناة الجزيرة، أن ملف الذاكرة من الأسباب المباشرة التي أدت إلى تأجيل زيارة تبون لفرنسا أكثر من مرة.

وأوضح أنه “كان مبرمجا أن يزور الرئيس تبون قصر أمبواز الذي اعتُقل فيه الأمير (عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة) من 1848 إلى 1852”.

وأردف: “طلبنا أن تسلم فرنسا سيفه وبرنوسه (زي تقليدي) في خطوة رمزية، ولكن تم الرفض بمبرر الحاجة إلى وضع قانون يجيز ذلك”.

وفي 20 مايو الجاري، ستعقد اللجنة المشتركة للمؤرخين اجتماعها الثالث بالجزائر العاصمة، في لقاء وصفه زغيدي بـ”الإجرائي والعملي، ولا يمكن الكشف عن تفاصليه حاليا”.

لا تنازل أو مساومة

وردا على الجمود في معالجة تداعيات الاستعمار، قال تبون في 8 مايو إن “ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات”.

وشدد على أنه “لا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته، معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية”.

وباستثناء اجتماعات لجنة الذاكرة، لم يصدر عن البلدين ما يفيد بتحقيق تقدم ملموس في معالجة الملفات الرئيسية الأربعة المطروحة على الطاولة.

وتتمسك الجزائر باستعادة جماجم ورفات قادة المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي المحتجزة في متاحف فرنسية، واسترجاع الأرشيف كاملا، وتحديد مصير المفقودين، ومعالجة مخلفات التجارب النووية التي أُجريت في الصحراء الجزائرية.

اعتراف وتعويض

محمد عباد رئيس جمعية “مشعل الشهيد” (أهلية) توقع، أن تتعثر زيارة تبون إلى فرنسا مرة أخرى، لا سيما أن “الذاكرة كانت سببا في تأجيلها”.

وأردف: “بما أننا مقبلون على الاحتفال بالذكرى الـ70 لاندلاع ثورة التحرير (1954-1962) في الفاتح من نوفمبر المقبل، والانتخابات الرئاسية (الجزائرية) في 7 سبتمبر المقبل، من المنتظر تأجيل الزيارة إلى موعد لاحق”.

واعتبر عباد أن “الجانب الفرنسي يتقاعس ولا يتجاوب إيجابيا في ملف الذاكرة”.

وأضاف أن الفرنسيين يتعاملون بـ”انتقائية” بينها “خطوات رمزية” تتعلق بـ”مجازر” مظاهرات باريس في 17 أكتوبر 1961، التي راح ضحيتها أكثر من 300 جزائري.

ونهاية مارس/ آذار الماضي، تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) قرارا يدين هذه “المجازر” التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية بحق الجزائريين الذين كانوا يطالبون باستقلال بلدهم.

وقال عباد: “وكأن الجزائريين الذين استشهدوا في باريس، ليسوا مثل الجزائريين الذين استشهدوا في وطنهم (بينما كانوا) يقاومون الاستعمار طوال 132 سنة”.

ومشيرا إلى تمسك تبون بـ”معالجة منصفة لملف الذاكرة”، شدد عباد على أنه دون هذه المعالجة لا يمكن “بناء مستقبل بين الشعبين والدولتين”.

ورأى أن “عمل لجنة المؤرخين يجب ألا ينتهي عند اعتراف فرنسا بجرائمها، بل عليها القيام بخطوات عملية على غرار تعويض المتضررين”.

وأشار في سياق التعويضات إلى “ضحايا تجاربها (فرنسا) النووية وألغامها الأرضية وتنظيف المناطق التي لازالت تعاني من الإشعاعات النووية”.

حق سيادي

وحسب المحلل السياسي عبد الحكيم بوغرارة، فإن تمسك بلاده “بملف الذاكرة يزعج بعض الغرف المظلمة الحاقدة.. على غرار السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر كسافيي دريانكور، الذي يشن هجمات على الجزائر”.

واعتبر بوغرارة، وهو أيضا أستاذ جامعي، أن حديث تبون عن الذاكرة “جاء بمناسبة التطرق إلى موضوع الذاكرة، وليس من باب رد الفعل”.

وزاد بأن “الجزائر تنظر إلى الملف على أنه حق سيادي لا يسقط بالتقادم، وتضعه كالتزام مع الشعب الجزائري”.

ورجح أن عمل لجنة المؤرخين المشتركة يمكن أن يحرز تقدما في الملف لأنها “تعمل بموضوعية وذكاء، بعيدا عن التراشقات الإعلامية أو التجاذبات السياسية”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here