أفريقيا برس – الجزائر. فتحت الجزائر وحلف الناتو المجال أمام تعاون استراتيجي بين الطرفين، يتعلق بتأمين مصادر انتاج ونقل وتموين الطاقة، والهجرة السرية والأمن ومحاربة الإرهاب، وهو ما يشكل تحولا لافتا في خيارات الجزائر، لاسيما فيما يتعلق بعقيدة السيادة التي ظلت تخيم على استغلال القطاعات الاستراتجية في البلاد، خاصة النفط والغاز الذين ظلا طيلة العقود الماضية تحت حصرية الدولة، سواء في الاستثمار أو التأمين، رغم محاولات أطراف داخلية التوجه الى انفتاح شامل، بما في ذلك التخلص من قيد الأغلبية في أي مشروع أو شراكة أجنبية.
تباينت القراءات المتعلقة بمخرجات اللقاء البرلماني الذي احتضنته الجزائر، بين البرلمان المحلي ونظيره في المجموعة البرلمانية لحلف شمالي الأطلسي، بين متفائل حول حماس الطرفين لبلوغ درجة متقدمة من التعاون الشامل في مجال الطاقة، خاصة استفادة الجزائريين من خبرات الأطلسيين في مجال التأمين والتكنولوجيا وتطويق المخاطر وحماية البيئة، وبين متشائم من إمكانيات التفريط في سيادة الدولة على مصالحها الاستراتجية بارساء شراكة أمنية تستغل لتمرير أهداف أخرى.
وصرح القيادي في حزب العمال جلول جودي، بأن “حزب العمال متمسك بسيادة الدولة على المصالح الاستراتجية والثروات الباطنية، وأنه كما ضغط في مطلع الألفية على الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، من أجل اجهاض مشروع قانون الطاقة الذي أعده حينها الوزير الفار حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية شكيب خليل، سيناضل من أجل عدم المساس بسيادة وأحقية الجزائريين خاصة الأجيال الصاعدة في ثروات بلادهم”.
وأضاف في تصريحه لـ”أفريقيا برس”، بأن “مخرجات اللقاء البرلماني لا يمكن أن تمثل إرادة الجزائريين، لأن الجميع يعلم الظروف التي كونت البرلمان الحالي، وأن ما يعتقد أنها مكاسب وطنية تساعد على الاستفادة من خبرات وامكانيات دول الناتو، لا يغفل مدى المجازفة بسيادة البلاد، فقد يبدأ الأمر من تعاون أمني وتكنولوجي وينتهي هيمنة على مقدرات البلاد”.
لكن الخبير الاقتصادي أحمد حيدوسي، ذهب الى عكس ذلك تماما، ويرى أن البراغماتية الاقتصادية تملي على الجزائر الانفتاح على جميع الشراكات وفي مختلف القطاعات، ويبرر ذلك بكون الاقتصادات الحديثة تقوم على الغاء الحدود الجغرافية والاستناد الى العائدات والفوائد المحققة، خاصة وأن المسائل الحساسة تكمن في خطوات إرساء الاتفاق وصيانة المصالح، قبل الدخول في المراحل الأخرى.
وقال، لـ”أفريقيا برس”، بأن “تطوير قطاع الطاقة الجزائري في حاجة الى استثمارات مالية ضخمة والى تكنولوجيات عالية، بما فيها وسائل التأمين، وأن احترام التشريعات الدولية في مجال البيئة وتسرب الغازات، يتطلب تعاونا مثمرا، وحتى الأخطار الكبرى يتوجب أن يتحملها الجميع بما في ذلم المنتج والمستهلك”.
وشكل إقرار وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، ببحث بلاده عن فرص تعاون مع حلف الناتو، لتأمين منشآت الطاقة، والأمن السيبراني، ونقل التقنيات المتقدمة، منعرجا لافتا، خاصة في ظل التوترات الاقليمية المتصاعدة في المنطقة، ويعكس مدى توجس الجزائر من أخطار محدقة بمصالحها الاستراتجية، مما يستدعي آلة أمنية تضمن وصول صادراتها الطاقية الى أوروبا.
فرناندو غوتيرز، ممثل الوفد البرلماني المشترك عن الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)
وذكر في اللقاء البرلماني المشترك، بين نواب البرلمان الجزائري ونظرائهم في الجمعية البرلمانية لمنظمة حلف شمال الأطلسي، على الأهمية البالغة لأمن المنشآت الطاقية في بلاده، وأنه بغية تعزيز التدابير الأمنية حول البنى التحتية الاستراتيجية، خاصة في قطاعات النفط والغاز، تم وضع تدابير أمنية ورقابة في إطار خطة شاملة لتأمين وحماية البنى التحتية الطاقية، التي تعتمد على التنسيق بين قوات الأمن العامة ووحدات الجيش الوطني الشعبي، مما يضمن مقاربة قوية ومنسقة ومنسجمة لضمان أمن البنى المذكورة في مواجهة المخاطر المحتملة.
وذكّر المتحدث بـ”محاور التعاون المثمرة بين الجزائر وحلف الناتو، وخاصة ما يتعلق بأمن المنشآت، والأمن السيبراني، ونقل التقنيات المتقدمة، وبإمكانية التعاون في إدارة المخاطر والاستجابة لحالات الطوارئ، وتطوير الكفاءات التقنية من خلال برامج تدريبية متقدمة”.
وبينما لم يفصح الوزير الجزائري، عن شكل وطبيعة الأخطار الممكنة المهددة للمنشآت الطاقية في البلاد، فان المتابعين يربطونها بالتوترات الأمنية المحيطة بالبلاد، خاصة على الحدود الجنوبية والشرقية، أين ترتكز كبريات محطات ومنشآت النفط والغاز.
ومنذ حادثة “تيغنتورين” بجنوب البلاد، لما نفذت مجموعة جهادية موالية لتنظيم القاعدة العام 2013، عملية اقتحام وحجز عاملين جزائريين وأجانب، على أمل الضغط على السلطة لاطلاق عناصر جهادية في قبضتها، غيرت الجزائر طريقة تأمين المشاريع الاستراتجية، حيث تم اخضاع كل شركات الحراسة الخاصة لادارة الأمن والجيش.
ويبدو أن الجزائر الباحثة عن التموقع الطاقي الجيد في السوق الأوروبية، تريد تقديم ضمانات لذلك، عبر فتح فرص التعاون الأمني مع حلف شمال الأطلسي، والاستفادة من خبراته في تأمين منشآت ومصادر الإنتاج والنقل والتخزين.
وطرح الوزير الجزائري، أهداف بلاده لأن تكون مصدرا أساسيا للهيدروجين الأخضر، وللطاقة الاندماجية، وجعله ناقلا استراتيجيا، احتراما منها لاِلتزاماتها المناخية، وبرنامجها المتعلق بالانتقال الطاقي، خاصة وأنها تتمتع بمميزات هامة تؤهلها لأن تصبح رائدا إقليميا رئيسيا في هذا المجال، لا سيما بفضل إمكاناتها في مجال الطاقة الشمسية وتوفر شبكة نقل واسعة للكهرباء والغاز وقدرات كبيرة من وحدات تحلية المياه وتوفرها على الثروات المعدنية.
وشدد الوزير الجزائري، على أن بلاده دولة منتجة ومصدرة رئيسية للطاقة، وأن مفهوم الأمن الطاقي يعني تأمين تلبية احتياجاتنا الطاقية على المدى البعيد، والمساهمة في الأمن الطاقي العالمي من حيث الانتظام والاستقرار والمصداقية في التموين فيما يتعلق بالنفط والغاز ومصادر الطاقة الأخرى، وهو ما يبرز رغبة الجزائر في جعل الشراكة أكثر من علاقة بين منتج ومستهلك، لتمتد الى جميع مراجل الإنتاج والتطوير وحماية المناخ والقطاعات ذات الصلة.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون، قد استقبل وفدا عن الجمعية البرلمانية لحلف الشمال الأطلسي، (ناتو) يترأسه فرناندو غوتيريز، الذي أكد للصحفيين ” دور الجزائر في استتباب الأمن بالمنطقة، وقناعة الحلف أن أمن بلدان شمال البحر الأبيض المتوسط مرتبط بأمن بلدان الضفة الجنوبية.
ولفت إلى أن “أعضاء الوفد قاموا خلال الزيارة التي قادتهم إلى الجزائر بتبادل الآراء مع ممثلي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، حول العديد من القضايا من بينها الأمن والهجرة والإرهاب والطاقة والمناخ والنزاعات، فضلا إلى ملفات أخرى”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس