أفريقيا برس – الجزائر. إتهم الضابط السابق والإعلامي الجزائري المعارض هشام عبود، سلطات بلاده بالتخطيط وتمويل عملية اختطافه على الأراضي الإسبانية، والسعي إلى ترحيله سرا، قبل أن يتدخل الدرك الإسباني في اللحظات الأخيرة ويتم تحريره من الخاطفين، الذين وصفهم بالمنظمة الارهابية المكونة من عدة جنسيات، وفيما لم يصدر أي تعليق من طرف السلطات الجزائرية، طفت الى السطح فرضية الفبركة، حيث لم تستبعد أن يكون السيناريو حلقة من مسلسل تصفية الحساب بين المعارض المدعوم من طرف النظام المغربي وبين السلطة الجزائرية.
نفى الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الجزائرية والإعلامي المعارض المقيم في الأراضي الفرنسية هشام عبود، في تصريح له لقناة المعارض أنور مالك، على منصة يوتيوب، أن تكون له عداوات أو خصومات مع أي طرف تصل لدرجة الاختطاف، وجزم بأن العملية تقف وراءها السلطات الجزائرية، التي “خططت ومولت العملية عبر تنظيم إرهابي دولي”.
وذكر في الرواية التي قدمها على قناة المعارض الجزائري، الموالي للنظام المغربي أنور مالك، بأن المخطط بدأ “برصد تحركاته انطلاقا من مقر سكنه في ضاحية “روبيه” بمحافظة ليل الواقعة في الشمال الفرنسي، حيث استقل القطار نحو بروكسل، ومن هناك عبر الطائرة الى برشلونة الاسبانية، حيث تفاجأ بأربعة أشخاص عند مدخل مقر اقامته، أجبروه بالقوة رغم مقاومته على ركوب سيارة ثم تغطية رأسه والانطلاق الى وجهة مجهولة”.
عملية الاختطاف التي تمت الخميس الماضي دامت قرابة 24 ساعة قبل أن يتم تحريره بالصدفة من طرف الدرك الاسباني في منطقة ليبريخا بمقاطعة اشبيليا، لكن الرجل مازال الاتصال به غير ممكن بسبب فقدانه لأجهزة هواتفه الخاصة وجهاز الحاسوب الذي كان بحوزته الى غاية يوم السبت، بحسب ما أدلى به في قناة صديقه أنور مالك.
وذكر أن هاجس ترحيله سرا الى الجزائر ظل يراوده منذ ركوبه واحدة من سيارات الخاطفين، رغم محاولات هؤلاء طمأنته بأن الغرض ليس ذلك، وأنه حاول في العديد من المرات التمرد على خاطفيه وحتى الصراخ وطلب النجدة للفت انتباه الناس، مما ألحق به أضرارا جسدية لاسيما وأنه كان مقيدا ومعصب الرأس، ونادرا ما كان يرفع عنه الغطاء، كتلك التي وجدوا فيها حاجزا أمنيا اضطرهم الى تغيير المسار وقطع مسافة محدودة سيرا على الأقدام تفاديا لرجال الأمن.
سجل حافل بمحاولات الاختطاف والتصفية
وأضاف “المسافة كانت طويلة علما أنها تقدر بألف كلم بعد الوصول الى اشبيليا في الجنوب، ولم يكن يسمح له برفع الغطاء الا في مرات نادرة ولوقت قصير، وأن الخاطفين حدثوه على أنهم سيأخذونه الى زعيمهم لعرض تعاون، وأكدوا له أنه سيطرح عليه ثلاث أو أربع أسئلة وبناء على اجاباته سيتحدد مصيره بترسيم التعاون أو اطلاق سراحه دون التفكير في التبليغ عنهم، لأنهم سيتخلصون منه وأنهم يعرفون كل تفاصيل حياته وبيته وعائلته”.
وتابع: “الخاطفون ربطوا الاتصال بينه وبين الزعيم المفترض الذي كان يتحدث فرنسية بلكنة مغربية وأنه طمأنه بأنه لن يتم ترحيله سرا الى الجزائر، وطلب منه عدم ذكر هذا البلاد على لسانه، لكن الهاجس بقي يؤرقه الى غاية الوصول الى شاطئ فيه عدة يخوت، وهناك طلب منه ركوب أحدهم لمقابلة الزعيم بداخله، وهناك تعاظم الشك لديه وأدرك أن ركوبه اليخت سيكون حيلة لترحيله، ولذلك رفض وقاوم الخاطفين الذين اضطروا لأخذه الى بناية في المنطقة”.
وواصل في روايته بأنه علم من خلال تبادل الحديث مع الخاطفين بأنهم من جنسيات مختلفة، إسبانية وسنغالية وأغلبيتهم مغاربة، وأنه لما أخذ الى البناية أحضروا له أكلا لم يتناول منه الا قليلا وطلب الوضوء للصلاة، فتردد الخاطفون في قبول طلبه الا أن الفرد السنغالي أقنع رفاقه بالسماح له بالصلاة، وعلم من تبادل الحديث معه أنه مسلم وأن والده إماما، وهناك لم يبق الا الدعاء والتضرع الى الله عزوجل لفك كربته، وتخيل سيناريو استقباله من طرف خصومه في السلطة الجزائرية، كالرئيس عبد المجيد تبون، ومدير الاستخبارات الداخلية عبدالقادر حداد، وقائد أركان الجيش سعيد شنقريحة”.
وتابع “بعدها مسكني الخاطفون الأربعة بالقوة، اثنين من الرجلين واثنين من الكتفين وساروا بي فيما علمت بعد ذلك أنه الوادي الكبير المعروف في المنطقة، وفجأة أطلق من كانا يمسكان به من الأسفل رجليه وهمّا بالفرار، وبينما الاثنين الآخرين كانا يحاولان سحبه الى الخلف، لكن عناصر الدرك الاسباني حاصروا المجموعة بمن فيهم هو شخصيا، لكن سرعان ما لفت انتباههم تقييده وتغطية رأسه، وأعلمهم أنه مختطف من طرفهم وليس عنصرا منهم، ومنذ تلك اللحظات بدأوا يتعرفون عليه شيئا فشيئا انطلاقا من البحث عن هويته وشخصيته من شبكة الاينترنت”.
في انتظار نتائج التحقيق الاسباني
هشام عبود، أكد في تصريحه بأن الدرك الاسباني كان يلاحق شبكة الاتجار في الممنوعات، وأن العثور عليه كان صدفة رغم أن البلاغات كانت منتشرة لدى الأمن الاسباني حول اختطافه، وأن اثنين من الخاطفين فرا، بينما ألقي القبض على الاثنين الآخرين، أحدهم السنغالي المدعو “ديانغ”، ومن هناك تم تحويله الى المستشفى ومقر الدرك الاسباني، وأخضع للتحقيق من طرف عدة أجهزة أمنية اسبانية، فضلا على قاضي التحقيق.
ووجه المتحدث أصابع الاتهام لـ”جهاز الاستخبارات الجزائرية بالوقوف وتمويل العملية والتعاقد مع منظمة إرهابية دولية متعددة الجنسيات”، وشدد على أنه “ليس لديه خصوم أو أعداء الا النظام الجزائري الذي حاول اختطافه في 2021 وحتى اغتياله في بلجيكا وتسميمه في إحدى المرات، وأن مدير الأمن الداخلي عبدالقادر حداد، والرئيس عبدالمجيد تبون، شخصيا وقائد أركان الجيش، هم من دبروا ووافقوا على عملية الاختطاف والترحيل السري”.
وذكر أن “معلومات وردته، حول حالة ابتهاج كبيرة وانتظار وترقب ساد الدوائر المذكورة تحسبا لوصوله بين الفينة والأخرى مساء السبت”.
في المقابل تباينت الروايات حول الاختطاف المفترض للمعارض هشام عبود، بين ما ورد على لسان المدون ومالك موقع “ألجيري بارت” وقناة “22” عبدالرحمن سمار، الذي ذكر بأن “هشام عبود، سافر من باريس الى مدريد، وأن الخاطفين نقلوه الى برشلونة، واستبعد فرضية وقوف جهة جزائرية ما وراء العملية، وأن اثنين من الخاطفين الأربعة قد تم القاء القبض عليهم”.
لكن المحامي الشخصي لصاحب كتاب “مافيا الجنرالات” الصادر منذ عدة سنوات، المغربي عبد الجليل الصقلي، اتهم عبدالرحمن سمار، بالحديث نيابة عن رواية معينة، أريد لها توجيه الأحداث الى زاوية معينة، وهي تبرئة خصوم هشام عبود من العملية، وهو ما أكده المعني بالأمر، حينما ذكر بأنه شاهد أشخاصا عن بعد خلال توقيفه بالبناية رجح أن يكونوا جزائريين، وأنهم كانوا يقومون بتصويره من حين لآخر، للتأكيد للجهة المدبرة بأن المختطف بحوزتهم وأن الاتفاق نُفذ، بحسب روايته.
الولاء للمغرب يعزز فرضية الفبركة
وأبدى الاعلام الاسباني كصحيفة “الباييس” متابعة للحادث، لكن تقاريره المستندة الى مصادر أمنية أوردت تفاصيل محدودة ولم تتطرق الى التكهنات أو الفرضية التي جزم بها هشام عبود، لكن السلطات الرسمية التي تواصل التحقيق في العملية لم يصدر عنها أي تعليق أو إشارة الى دور جزائري ما.
في المقابل لوحظ اهتمام لافت للاعلام المغربي بعملية اختطاف المعارض هشام عبود، وعملت محطات ومواقع إخبارية على غرار “ميدي 1″، و”هسيبريس” وغيرهما على تخصيص تغطية للحدث، الأمر الذي عزز العلاقة التي تربط الرجل بدوائر سياسية وإعلامية وأمنية مغربية، بدأت منذ ظهوره في مدينة العيون الصحراوية راقصا ومدافعا على الطرح المغربي في حل النزاع المذكور، وناقدا للنظام السياسي الجزائري.
لكنه من جهة أخرى لم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب الجزائري، بينما انتشت بعض الصفحات والمدونات الالكترونية بالاختطاف، نكاية في مواقف الرجل الموصوف لديهم بـ “العميل” و”الخائن”، بينما لا يتوانى هو بعلاقاته الطيبة مع المغرب ويزعم أنه مواطن “مغاربي” نسبة الى المغرب العربي.
ولا يستبعد أن يكون المعارض المذكور الى جانب معارضين آخرين على غرار الضابط السابق والكاتب أنور مالك، والإعلامي عبدالرحمن سمار، أن يكونوا من الأذرع التي تجندها المخابرات المغربية لضرب الجزائر في اطار العداء المستفحل بين النظامين السياسيين في البلدين، ولذلك عادة ما يظهر هؤلاء دائما ناقدين للنظام الجزائري، مقابل مدح النظام المغربي والاشادة بما يصفونه “الرقي والتطور المغربي”.
وسبق لهشام عبود، الذي بدأ مساره ضابطا في جهاز الاستخبارات الذي غادره في مطلع التسعينيات، أن أطلق عدة صحف مطبوعة في الجزائر انتهت الى التوقيف كما هو الشأن بالنسبة لصحيفتي “جريدتي” و”مون جورنال” اللتين أطلقهما في 2013، وذلك بسبب مواقفه وآرائه المعارضة للسلطة، قبل أن يقرر الإقامة في فرنسا واطلاق مسار سياسي واعلامي ناقد للسلطة، مقابل توطيد علاقات مشبوهة مع الدوائر الرسمية في المغرب، وعلى رأسها جهاز المخابرات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس