الجزائر تطلق جبهة للدفاع الإعلامي تحسبا لحروب الجيل الخامس

1
الجزائر تطلق جبهة للدفاع الإعلامي تحسبا لحروب الجيل الخامس
الجزائر تطلق جبهة للدفاع الإعلامي تحسبا لحروب الجيل الخامس

أفريقيا برس – الجزائر. تواصل الحكومة الجزائرية تعبئة قطاع الاعلام من أجل تأسيس جبهة دفاع، لصد حملات الاستهداف والتشويه، عبر منصات الاعلام التقليدي وشبكات النت والتواصل الاجتماعي، ففي حملة خاضها وزير الاتصال عبر أربعة لقاءات جهوية في ربوع البلاد، عبر فيها الرجل بنبرة حادة عن ضرورة تشكيل حرس اعلامي تشترك فيه كل الفواعل الإعلامية بالبلاد، لكن الطرح لا زال يفتقد الى الرؤية الواضحة بالنسبة لدور الاعلام وحرية التعبير واستقلالية خطوط التحرير، لاسيما في ظل مناخ التضييق وتحييد الإعلاميين النقادين.

تتوازى حملة تعبئة قوية تخوضها وزارة الاتصال الجزائرية، لاسيما في شقها المتعلق بمواجهة ما أسمته بـ “حملة التشويه” التي تشنها غرف وصفتها بـ “المظلمة”، مع نبرة التحذيرات القوية التي أطلقتها قيادة الجيش خلال الأسابيع الأخيرة، من الدوائر المعادية التي تستهدف ضرب أمن واستقرار البلاد، دون أن تشير الى هوية تلك الدوائر.

وتتقاطع حملة التعبئة مع التطورات المستجدة في المنطقة، خاصة بعد الاستقطاب المسجل بين الجزائر وحكومات منطقة الساحل، اثر اسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيرة مالية بعد اختراقها المجال الجوي مطلع الشهر الجاري، وتبادل الطرفين لسحب السفراء وغلق المجال الجوي، والتحرك المشبوه لوحدات الجيش الليبي على الحدود الفاصلة بين البلدين خلال الأيام الأخيرة، فضلا عن انتشار محتويات وصفها وزير الاتصال بـ “المضللة”، وبـ “الحرب الإعلامية المعلنة” عن الجزائر.

وتعكف الحكومة الجزائرية، على حشد الخطاب الإعلامي المحلي ضد ما تصفه بـ “الحملات المغرضة”، و”الحرب الالكترونية” التي تستوطن شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات الالكترونية، ودون أن تقدم تفاصيل أكثر عن هوية الأطراف المعنية، يتصاعد الجدل حول مصير الحريات الصحفية والإعلامية في البلاد، خاصة في ظل الالتباس القائم بين تحذيرات حرب الجيل الخامس، وبين حرية التعبير والنقد.

ويرى الإعلامي موسى طرطاق، بأن خطاب وزير الاتصال في الندوة الجهوية الرابعة التي احتضنتها العاصمة، وتوجت جولة مماثلة شملت المدن الإعلامية الكبرى في البلاد، أوحى الى أنه “حان الوقت لتأسيس حرس إعلامي حقيقي للدفاع عن الجزائر.. كلمات قوية. فعلا، وخطورة الرسالة واضحة، فالعدو لم يعد يقتصر على الحدود؛ بل يتسلل الآن إلى الشاشات والهواتف والعقول.. الحرب اليوم من نوع مختلف، خفية، انها حرب أفكار، وروايات، وتصورات”.

ويقول: “في مواجهة هذا التحول السياسي والإعلامي والاجتماعي، يقترح وزير الاتصال ردا واضحا: جبهة إعلامية موحدة، كنوع من )خط ماجينو) الإعلامي. إنه نهج يكشف بما لا يدع مجالًا للشك، عن حالة اليقظة المفرطة التي وضعت الجزائر نفسها فيها”.

ويشير مختصون الى أن مفهوم حرب الجيل الخامس الذي طُور في الأوساط العسكرية الأمريكية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى صراعات هجينة لا يكون الهدف فيها احتلال الأراضي بقدر ما يكون احتلال العقول بواسطة التضليل الإعلامي، والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، وحملات زعزعة الاستقرار من خلال التأثير الرقمي، وكل شيء يُدار من خلال الرأي العام من أجل الوصول شرخ مزمن بين بين المواطنين ودولتهم.

وذهب الإعلامي كمال داحي، في تصريح لـ “افريقيا برس”، بأن “الجزائر أصبحت ساحة اختبار علني، حيث تنبثق هجمات إعلامية مُنسقة عند أدنى أزمة داخلية، أو أدنى توتر إقليمي، من خلال تحول وسائل التواصل الاجتماعي الى ساحات معارك خفية، حيث غالبا ما تحاول جهات خارجية وأحيانا محلية إضعاف أركان الوحدة الوطنية”.

وشدد المتحدث على أنه “بالنسبة للجزائر، يجب أن يكون الرد منهجيا، ولم يعد يكفي الرد بشكل مُجزأ، ولا بد من استراتيجية، وهيكلية دفاع معلوماتي، والفكرة ليست بلا جاذبية، ففي عالم مجزأ ومتقلب، حيث يمكن لأدنى خبر كاذب أن ينتشر بسرعة الضوء، تُعد الاستجابة المنظمة أمرا بالغ الأهمية، خاصة بالنسبة لبلد لطالما اعتبر سيادته مبدأً مقدسا منذ استقلاله”.

وأضاف: “الوزير محمد مزيان، يدعو إلى إنشاء ردّ إعلامي وطني. ويصفه في خطابه بأنه ضرورة مُلحّة، لكن ما يقترحه الوزير يتجاوز في الواقع مجرد دعوة لليقظة، فهو يتوخى إنشاء تحالف إعلامي وطني حقيقي، عبر جبهة مشتركة من الصحفيين وهيئات التحرير والمؤثرين، متحدين جميعا للدفاع عن صورة الجزائر ومواجهة الحملات المعادية”.

لكن أمام خطة الحكومة لاطلاق جبهة إعلامية موحدة لمواجهة حرب الجيل الخامس، وصد حملات التشويه، يتصاعد الجدل في الأوساط الإعلامية المحلية عن مصير حريات الصحافة والتعبير، خاصة وأن المناخ السائد لم يسلم بدوره من انتقادات لما يصفه البعض في القطاع، بأنه “خنق وتقييد للمؤسسات الإعلامية وللصحفيين”، وهو ما تجلى في نداءات أطلقت في مدونات وصفحات الكترونية، من أجل “تحرير الاعلام وتحميله المسؤولية”.

وتضمنت نتائج الورشات المنتظمة في الندوة الجهوية للاعلام المنتظمة في العاصمة، دعوات صريحة الى “تحرير القطاع ورفع قيود التمويل عليه، وحماية الصحفيين من التضييق والملاحقات ومن الوصول الى مصادر الخبر”، وهو ما لم يشير اليه خطاب الوزير محمد مزيان.

ولا يستبعد متابعون للشأن الجزائري، من اطلاق توجيهات وأطر جديدة لأداء الاعلام المحلي، في ظل توجه السلطة الى سن تشريع جديد حول حالة التعبئة العامة، والتي سيكون الاعلام أحد أضلاعها الرئيسيين، لاسيما وأن مشروع القانون تضمن عقوبات رادعة في حق وسائل الاعلام أو المدونين والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، اذا خرجت محتوياتهم عن توجيهات القانون المذكور، اذا قرر رئيس الجمهورية اعلان الوضعية.

ويقول الإعلامي موسى طرطاق، بأن “إنشاء جبهة إعلامية موحدة يثير أيضا تساؤلات مشروعة، حول التوفيق بين مقتضيات مشروع الجبهة، وبين الحفاظ على حرية التعبير وتعدد الآراء، وهو جوهر أي صحافة نابضة بالحياة”.

وتساءل: “أين ينتهي الدفاع عن المصلحة الوطنية ويبدأ إغراء السيطرة على الروايات؟ وما التوازن الذي يُمكن تحقيقه بين الرد الضروري على الهجمات الإعلامية، وبين احترام حق المواطنين في الحصول على معلومات حرة ونقدية”.

ولفت الى أنه، “في نهاية المطاف، تقع مسؤولية جسيمة على عاتق الصحفيين الجزائريين اليوم، فهم مدعوون للدفاع عن وطنهم، دون أن يصبحوا أبواقا للحكومة. لنقل صوت المواطن، دون الخضوع لإغراءات الشعبوية أو التضليل الإعلامي. لإنتاج معلومات عالية الجودة ودقيقة، مرتبطة بالواقع المحلي، دون الخضوع لإغراءات الإثارة”.

ويؤكد الاعلامي كمال داحي، لـ “افريقيا برس”، على أن “الصحافة الضعيفة والمضللة والمتسرعة هدف سهل للتلاعب، الصحافة المتطلبة والمدربة والمسؤولة حصن منيع ضد كل محاولات التخريب. إذا أرادت الجزائر حقًا حماية نفسها من حرب المعلومات، فعليها الاستثمار في رأس مالها البشري، من مدارس الصحافة، والتكوين المستمر، ودعم الإعلام المستقل والدقيق، وتمويل المشاريع التحريرية الجادة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here