الجزائر… توافق الحلقة المفرغة

6
الجزائر... توافق الحلقة المفرغة
الجزائر... توافق الحلقة المفرغة

عثمان لحياني

أفريقيا برس – الجزائر. منذ فترة طويلة تسيطر “مبادرات التوافق” على عقل الأحزاب الجزائرية، وكثير من الإنتاج السياسي لهذه الأحزاب والقوى المدنية والمستقلين يتمركز حول هذا المعنى ويدور حوله.

في الغالب كان ذلك يقود ولا يزال، خصوصاً في العقد الأخير، إلى بناء مبادرات سياسية (مبادرة الجدار الوطني، مبادرة التوافق، مبادرة قوى الإصلاح، مبادرة تكتل الوطن، مبادرة تحصين الجبهة الداخلية)، كلها لم تتجاوز في حدودها القصوى الورقة التي كُتبت عليها، وانتهى صداها عند إقفال مراسم الإعلان عنها.

ثمة تفسير هو الأقرب لفهم هذه الحالة السياسية في الجزائر، وهو أن القوى الجزائرية المشتغلة في الحقل السياسي، تستمر في الحديث عن “التوافق”، لسببين؛ الأول لكونها ما زالت سجينة بين جدران الأزمة الأمنية في التسعينيات وتصادم الخيارات، والتي كانت فعلاً تستدعي أكبر قدر من التوافقات الوطنية بين المكونات كافة والسلطة، لوقف إراقة الدم وإنهاء تهديد الدولة واستعادة السير العادي للمؤسسات، والحد من حالة الإجهاد المجتمعي.

والثاني لأنها كانت تشعر دائماً بوجود أزمة حكم عميقة واستشعار عجز في أداء المؤسسات الحكومية، بما يحتاج إلى تحصين الجبهة الداخلية، خصوصاً إذا تزامن ذلك مع توترات إقليمية.

في الحقيقة، التوافق يمكن أن يكون قاعدة لحل أزمة بعينها، تُهدد بتداعيات جدية على البلد، أو لتجاوز معضلة تعطل السير العادي للمؤسسات. ويصبح ضرورة في حالة أزمة أمنية أو سياسية داخلية مستعصية، أو في حالة انتقالية من مسار إلى مسار، أو في وضع تكون فيه البلاد قيد تهديدات متأتية من الخارج، وفي حالات أخرى حول ائتلاف حكم، وبرنامج حكومي واضح الأهداف والآليات.

بينما في الحالة الجزائرية الراهنة، حيث المؤسسات تعمل بصورة طبيعية (بغض النظر عن نجاعتها)، والسلطة القائمة ليست في محل منازعة حول شرعية وجودها، بمعزل عن ظروف تشكل هذه الشرعية، وهي تحتكر بالكامل وسائل التعبير والدفاع عن خياراتها داخلياً وخارجياً، يصبح الحديث عن التوافق السياسي نقضاً ونقيضاً للديمقراطية التي تقتضي في أبسط قواعدها وجود ثنائية حكومة ومعارضة، موالاة وقوى الضد.

لأن ذلك يؤدي إلى تأجيل النقاش الحقيقي حول القضايا الجادة من دون مبرر معقول، ويغيب ضمن مناخ من القلق كل حديث عن الحقوق والحريات، ويمثل منفذاً لتهريب المشكلات المعطلة من مرحلة إلى مرحلة، ويكبح قدرة المنتظم السياسي على إبداء النقدية اللازمة، ويغفل الأخطاء ويغلب أدبيات تبريرها.

لا تحتكم السياسة دائماً إلى المنطق الذي يقول إن التوافق بين مكونات المشهد السياسي والمدني، والكتل المتعددة في مرجعياتها الأيديولوجية، يكون في المختلف فيه، وبشأن قضايا خلافية وخيارات متصادمة، بحيث يصنع التوافق مساحة لتقارب المواقف والمقاربات. يعني ذلك أن مسائل من قبيل السيادة الوطنية والأمن القومي وحماية الدولة والمؤسسات مسائل مبدئية محسومة بالنسبة لكل مكونات المنتظم المدني والسياسي، وليست مجالاً للنقاش، فما بالك بالتوافق من الأساس.

يعني ذلك أن إنتاج مبادرات توافق في الجزائر، تتمركز حول التوافق، هو تدوير ضمن حلقة مفرغة… تنشيط سياسي أقرب منه إلى الإنجاز.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here