
أفريقيا برس – الجزائر. كشفت الحكومة الجزائرية عن تفاصيل مبلغ 20 مليار دولار الذي أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن استرجاعه في إطار حملة استعادة الأموال المنهوبة من قبل رجال أعمال ومسؤولي الفترة السابقة، في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة. وجاء تدخل وزير العدل سريعا، بعد ظهور حملة تشكيك في هذا الرقم الضخم ومصدر تحصيله.
لا شك في أن أبرز ما ذكره الرئيس تبون خلال لقائه التلفزيوني الأخير مع وسائل إعلام جزائرية، هو إعلانه حجز ما يعادل 20 مليار دولار من أموال ما يعرف بـ”العصابة”. ومما قاله تبون، أنه تم وضع اليد على أغلب الممتلكات الموجودة داخل الجزائر في انتظار تحصيل ما تم تهربيه في الخارج بالتعاون مع دول أجنبية. وأبرز أنه لا تزال “هناك أموال مخزَّنة في أماكن ودهاليز أو في أماكن أخرى”، مشيرا إلى أنه من غير الممكن أن يكون لدى أحدهم طائرة خاصة، والآخر يستيقظ عند الخامسة صباحاً للحصول على كيس حليب”.
لكن رقم 20 مليار دولار الذي أطلقه الرئيس، أثار موجة جدل كبيرة، حيث اعتبره بعض المعلقين مبالغا فيه ولا يمكن تحصيله خلال هذه المدة القصيرة. ورأى البعض أن كل شركات ما يطلق عليهم اليوم العصابة في الجزائر، لا يمكن أن يصل رأسمالها إلى هذا المبلغ. ومن من بين من علق على هذا الصحافي إحسان القاضي، مدير موقعي “راديوأم” و”مغرب إيمرجنت” المحتجز لدى المخابرات الداخلية منذ أربعة أيام. وهناك ترجيحات على أن تدوينته حول هذا الموضوع، على حسابه الشخصي على “تويتر”، هي التي أدت إلى اعتقاله، ونقله مكبلا من قبل عناصر للمخابرات، لمقر الشركة الناشرة للموقع، وغلقه وتشميعه.
كما علق على تصريحات تبون، مدونون في الداخل والخارج، اعتبروا أن الرقم موجه للاستهلاك الداخلي فقط، من أجل الإجابة على السؤال الذي ظل مطروحا عن مصير الأموال المنهوبة التي كان الرئيس تبون قد تعهد باستردادها خلال حملته الانتخابية وتميز عن غيره بقوله إنه يعرف مكانها.
ويبدو أن حملة التشكيك في الرقم قد استفزت السلطات، حتى قام وزير العدل رشيد طبي بطلب الكلمة في البرلمان ليتحدث بالتفصيل عن الممتلكات المستعادة لتأكيد ما قاله الرئيس. وذكر رشيد طبي أن 20 مليار دولار تعادل ما تم استرجاعه من أموال داخل الوطن، وذلك بعد 3 سنوات من عمل القضاء والبنوك والمؤسسات المالية ومصالح الضرائب ومديريات أملاك الدولة، في مجال استرجاع الممتلكات. وكشف الوزير تحديدا عن استرجاع 4213 من الأملاك العقارية و401 عقار صناعي و229 عقارا فلاحيا ضخما. أما الأملاك المنقولة، فاسترجع منها 23774 ملكية منها 7000 سيارة.
وأبرز طبي أنه تم استرجاع مبلغ 54 مليار دينار هي عبارة عن قروض أخذها متعامل واحد، وهي ما يعادل نحو 300 مليون دولار لوحدها بين 2019 و2021، وهو ما يدل حسبه على أن المبالغ المسترجعة ضخمة ولا يمكن أبدا التشكيك فيها. وانطلق الوزير بعد ذلك في رد سياسي، اعتبر من خلاله أن هناك من يعمل على تقزيم إنجازات الرئيس ونجاحه في الإيفاء بتعهداته، على حد قوله. وأضاف أن من وصفهم بأعداء النجاح يرافقون كل شيء بالتشكيك، فراهنوا على عدم قدرة الجزائر على تنظيم ألعاب البحر المتوسط وفشلوا، كما حاولوا التقليل من الاستعراض العسكري الضخم الذي أقامته الجزائر بمناسبة عيد الاستقلال وفشلوا أيضا وحاولوا حتى التشكيك في عقد القمة العربية بالبلاد.
وبخصوص مسار استرجاع الأموال المهربة للخارج، قدم القضاء الجزائري 219 إنابة قضائية دولية نفذت 43 منها، فيما تجري معالجة 156 أخرى من قبل السلطات القضائية الأجنبية المعنية. وذكر بيان السياسة العامة الذي عرض على النواب قبل أشهر، أن تحرك القضاء يأتي في إطار مساعي استرداد الأموال الناجمة عن الفساد.
وتمثلت هذه المساعي في تنفيذ الاتفاقيات والآليات الدولية للتعاون في مجال مكافحة الفساد، وكذا “إطلاق إنابات قضائية دولية جديدة من أجل تحديد وحجز ومصادرة الأموال المهربة إلى الخارج”، إلى جانب “تشكيل لجنة خبراء مكلفة بتسيير ملف استرداد هذه الأموال بالتنسيق مع الممثليات الدبلوماسية الجزائرية في الخارج”. وفي نفس السياق، تم إحباط محاولات إخفاء أو تبديد عائدات الفساد” بفضل “جهاز اليقظة الذي تم وضعه” لهذا الغرض، مما سمح بـ”استرجاع أملاك عقارية ومنقولة هامة، وتفادي تهريب هذه الأموال إلى الخارج”، وفق الحكومة الجزائرية.
وجاءت مناسبة الوزير للرد بعد اعتماد النواب القانون الجديد للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، والذي يضيق بحسب السلطات على التمويلات المشبوهة والتبرعات التي يتم تحويلها لوجهات أخرى.
ويلزم النص الجديد المؤسسات المالية، باتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة لتحديد وتقييم مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، كما يلزمها بوضع “برامج وتدابير تطبيقية تعتمد على النهج القائم على المخاطر لمكافحة هذه الجرائم ويكلف هيئات الرقابة والإشراف بمتابعة تنفيذها”.
وينص المشروع من جانب آخر على “توسيع مجال التعاون الدولي في كل ما يتعلق بطلبات التحقيق والإنابات القضائية الدولية وتسليم الأشخاص المطلوبين وكذا بين الهيئة المتخصصة الجزائرية وهيئات الدول الأخرى التي تمارس مهام مماثلة مع مراعاة المعاملة بالمثل”. ويقضي بـ”مصادرة الأموال حتى في حالة غياب حكم بالإدانة إذا كانت تشكل عائدات ناتجة عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وبتنفيذ الطلبات الصادرة عن دولة أجنبية والرامية لمصادرة الأموال الناتجة عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس