تهوّر انقلابيّي مالي سيحرق المنطقة ويغرق الساحل في الفوضى

4
تهوّر انقلابيّي مالي سيحرق المنطقة ويغرق الساحل في الفوضى
تهوّر انقلابيّي مالي سيحرق المنطقة ويغرق الساحل في الفوضى

عبد العزيز تويقر، حسان حويشة، عبد السلام سكية

أفريقيا برس – الجزائر. تحوّل إسقاط طائرة مالية مسلّحة، من دون طيار، من قبل الجيش الوطني الشعبي؛ اخترقت الأجواء الجزائرية، إلى مادة دسمة يستغلها الانقلابيون الجدد في مالي، من أجل التجييش ضد الجزائر وحشد الدعم الشعبي داخل هذا البلد الذي يعيش أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية طاحنة.

كما كشف هذا التجني على الجزائر المآل الذي بلغه الساحل، والذي أصبح مرتعا لعدد من الدول وجماعات من المرتزقة الأجانب يقفون في نجدة المنقلبين بدوله الثلاث، طمعا في الثروات الطبيعية التي تنام عليها.

لقد سعت الجزائر على الدوام إلى المساعدة في ايجاد حلول للصراعات التي لم تتوقف في مالي بين مختلف طوائف ومكونات هذا الشعب، وتمكنت في 2015 من جمع شمل الفرقاء حول اتفاق المصالحة المالية، فيما يسمى “اتفاق الجزائر”، لكن الانقلابيين المدعومين من مرتزقة فاغنر وبعض دول الجوار وأخرى سعت مباشرة إلى تزويد الجيش الانقلابي بالسلاح.

وبسبب الموقع الجيو-إستراتيجي للمنطقة، عملت تلك الأطراف على الانقضاض على الفرصة وملء الفراغ بعد إخراج الفرنسيين، وهو ما أعطى اشارات واضحة للانقلابيين بالتراجع عن كل التفاهمات السابقة التي رعتها الجزائر.

كما أن الموقف الجزائري الرافض لكل أشكال الانقلابات العسكرية في القارة والذي اعلنته مباشرة بعد الانقلاب على الرئيس الانتقالي باه نداو في سنة 2021 ورئيس حكومته مختار وان، وقبله الانقلاب الذي اطاح بالرئيس المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا، أزعج عصبة غويتا التي تريد مرحلة انتقالية غير محددة في الزمن.

وينطلق غويتا، في سعيه إلى التحكم في مالي، من خلال تصدير أزماته الداخلية، عبر الدفع إلى مزيد من التوتر مع الجزائر، بل وصل به الأمر إلى اتهام الجزائر “بدعم الإرهاب”، بعد تصريحات وزير الخارجية، أحمد عطاف في جانفي الفارط، والتي دعا فيها إلى العودة إلى اتفاق الجزائر الذي يبقى مرجعا للمصالحة، في وقت تسعى فيه الطغمة الحاكمة إلى التنصل منه عبر رفض دسترته.

ولكن الذي لا تغفره الجزائر لسلطة مالي الحالية هو السعي للتحرش بها عبر اختراق الأجواء الجزائرية، لقد عملت على ضبط النفس أكثر من مرة ولم تنسق وراء تلك الاستفزازات، قبل أن تقوم بردة فعل حاسمة برد العدوان المالي على التراب الجزائري، وإسقاط الطائرة المسلّحة من دون طيار تركية الصنع، وهو الموقف الذي تبنته الجزائر بكل وضوح وحشرت المتاجرين به في زاوية ضيقة، كما كان من نتائجه أيضا غلق الأجواء الجزائرية في وجه الطيران المالي.

الخبير الأمني ومدير “مينا ديفوس” أكرم خريف:‏ هذا ما ستتكبّده الطغمة الحاكمة في مالي جراء تصعيدها مع الجزائر

يعتقد الخبير والمحلل الأمني، أكرم خريف، أن التصعيد الأخير من الحكومة ‏الانقلابية في باماكو وقرار الجزائر بغلق مجالها الجوي في وجه الطائرات ‏المتجهة أو القادمة من مالي، سيكون له تداعيات اقتصادية كبيرة على هذا البلد ‏الإفريقي، وستزيد معه “تكلفة الفاتورة”، خصوصا أن البلاد حبيسة (غير مطلة ‏على البحر) ومعزولة.‏

‏وشدّد خريف على أن هذه الأحداث بالمقابل لن تؤثر على مشاريع الطاقة ‏بالمنطقة وخصوصا أنبوب الغاز العابر للصحراء بالنظر إلى أن النيجر بحاجة ‏ماسة للمحروقات وأيضا للأموال.‏

وأوضح الخبير أكرم خريف، ردا على سؤال بخصوص ‏تأثير التصعيد الأخير بين الجزائر ومالي على اقتصاد هذا البلد الهش أصلا ‏والمعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية والتجارة عبر الحدود، انه يجب ‏أن نقسم مالي إلى قسمين شمالي وجنوبي.‏

وأشار خريف إلى أن الأثر الاقتصادي سيكون محسوسا أكثر على المناطق ‏الشمالية من البلاد، في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعات ‏الأزوادية، التي كانت قد وقعت على اتفاق السلام في الجزائر عام 2015. ‏

ولفت محدثنا إلى أن الأثر الاقتصادي لهذا التصعيد سيكون بشكل أقل حدة على ‏الأجزاء الجنوبية، بالنظر إلى عدم وجود مبادلات تجارية واقتصادية بين حكومة ‏باماكو والجزائر.‏

لكن سكان المناطق الشمالية -يضيف خريف- يعيشون بفضل الاقتصاد الجزائري ‏ويتاجرون مع الجزائر ويستهلكون منتجات جزائرية أيضا، ولذلك، فإن إغلاق ‏المعابر الحدودية وتقليص نشاط التهريب سيكون له مفعول على اقتصاد شمال ‏مالي خصوصا.‏

وردا على سؤال يتعلق بأثر إغلاق الجزائر لمجالها الجوي أمام الطائرات المتجهة ‏أو القامة من هذا البلد من حيث التدفقات التجارية، بالنظر إلى أن الجزائر منفذ ‏استراتيجي لباماكو، ذكر الخبير أكرم خريف أن هذا الإجراء ستكون له تداعيات ‏كبيرة بالنظر إلى أن مالي تعتبر بلاد غير مطلة على البحر (حبيسة) ومعزولة، ‏مشيرا إلى أن عمليات التواصل مع الشمال وخصوصا نحو أوروبا تمر حتما عبر ‏الأجواء الجزائرية.‏

ويشرح خريف في هذا الصدد، بأن هذا الأمر من شأنه أن يؤثر مباشرة على ‏الرحلات الجوية من مالي نحو تونس والمغرب وأوروبا على غرار إيطاليا وفرنسا ‏وايطاليا، وهو ما سيخلف الكثير من المشاكل للماليين وسيزيد من تكلفة الفاتورة.‏ وعلق بالقول “سياسيا إنه وسيلة ضغط كبرى طبقتها الجزائر”.‏

وتوقّع محدثنا أن يؤدي هذا التصعيد من طرف الحكومة الانقلابية، ‏في ظل مناخ سياسي غير مستقر أصلا في مالي إلى عزوف المستثمرين عن ‏القدوم إلى مالي والذين هم في الأصل قليلون جدا.

‏ويشرح خريف في هذا الصدد بأن هناك استثمارات قليلة جدا في مالي، وما عدا ‏روسيا وبدرجة أقل تركيا والإمارات العربية المتحدة لا توجد اليوم استثمارات في ‏هذا البلد.‏

وبخصوص مدى تأثير التصعيد في المنطقة على مشاريع التعاون في مجال ‏الطاقة، على غرار الأنبوب العابر للصحراء، استبعد الخبير أكريم خريف أن ‏يكون لهذه الوضعية إضرار بهذه المشاريع في ظل حاجة دول المنطقة على ‏مشاريع المحروقات.‏

وحسب محدثنا، فإن دول المنطقة وخصوصا النيجر الذي يعتبر بلدا حبيسا هو ‏الآخر ومعزول جغرافيا، ما زال يحتاج لمداخيل مالية من هذه المشاريع الطاقوية ‏على غرار الأنبوب العابر للصحراء.‏

وعن ضلوع جهات أجنبية في تحريك السلطات المالية الحاكمة في مالي، شدد ‏المتحدث على أن ما قامت به حكومة باماكو يأتي عكس ما يريده حلفاؤها، بالنظر ‏إلى أنها أفعال لا تخدم بتاتا مصالحهم، لأنهم (حلفاء باماكو) ‏يرغبون حاليا في أوضاع أكثر استقرارا وتفادي أدنى المشاكل مع دول الجوار، وخاصة ‏روسيا التي ليس من مصلحتها حدوث مشاكل بين الجزائر ومالي.‏

ويشرح الخبير أن الأمر الذي يبدو أنه السبب الرئيس في هذه الخطوات التي ‏أقدمت عليها مالي، هو ضعف الطغمة الحاكمة في باماكو التي هي بحاجة إلى ‏خلق عدو لتبرير إجراءاتها بمنع أي نشاط سياسي في البلاد، إضافة إلى قمع أي ‏معارضة، وخصوصا عدم وضع أي جدول زمني لإنهاء هذه المرحلة الانتقالية.‏

أستاذ العلاقات الدولية، البروفيسور شوقي عرجون: توجهات قادة الانقلاب العسكري استئصالية تجاه الأقليات الإثنيّة

يقدم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور، شوقي عرجون، قراءة موسعة لخلفيات “العداء” من السلطة الانتقالية في مالي تجاه الجزائر، بالقول إن الأمر برمته يرجع إلى ظهور نخبة سياسية وعسكرية تتميز بالشوفينية المفرطة والتمركز الاثني، تسعى إلى التنصل من كل التزامات الدولة سابقا، خاصة مع المكون الأزوادي.

كيف تقرأ التطورات الحاصلة بين الجزائر ومالي، بعد جنوح هذه الأخيرة نحو توتير علاقتها مع الجزائر، ماذا تريد السلطة الحاكمة بباماكو من كل هذا؟

أعتقد أن الأمر برمته يرجع إلى ظهور نخبة سياسية وعسكرية تتميز بالشوفينية المفرطة والتمركز الاثنيEthnocentrism، ومعظمهم ينتمون إلى قبيلة البامبارا الغالبة في مالي، بمن فيهم قادة الانقلاب العسكري الأخير، لديهم توجهات فكرية استئصالية تجاه الأقليات الإثنية المهمشة، خاصة الأزواد واعتبارهم ذوي ولاء لطوارق الجزائر وتدعمهم الجزائر، ويرفضون أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية (خاصة فرنسا بعد إلغاء اللغة الفرنسية كلغة رسمية واعتماد 13 لغة محلية والخروج من منظمة “الاكواس”)، تدعمها فئة من المجتمع المالي التي لديها شعور جمعي متجذر يشكك في “إفريقية” الجزائر ودول شمال إفريقيا عموما ويشكك في ولائها وانتمائها لإفريقيا، مما شجع نزعات العداء والكراهية تجاه الجزائر واعتبار أن أي مبادرة جزائرية هي تدخل في الشؤون الداخلية، مع أنهم يعلمون أن أسس مبادئ السياسية الخارجية الجزائرية قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

ومن جهة أخرى، تسعى الحكومة إلى البحث عن شرعية داخلية من خلال توجيه الرأي العام المحلي في ظل الأزمات الاجتماعية من فقر وبطالة وأمراض والأزمات الاقتصادية، توجيهه من خلال افتعال أزمات وهمية مع أعداء وهميين، وزعزعة الاستقرار السياسي بالتخلي عن اتفاق الجزائر وربما اعتماد الحل العسكري لاسترجاع هامش من الشرعية وتحقيق التفاف شعبي حول السلطة.

ماذا بعد التنصل من مسار التسوية مع حركة الأزواد؟

أظن أن التنصل من مسار التسوية مع الأزواد لا يعني فشل الوساطة الجزائرية أو تقزيم الدور الجزائري، لأن الجزائر ستكون طرفا حتميا حاسما في كل السيناريوهات، ففي حالة التصعيد ستكون ارتدادات أمنية وجيوبوليتيكية معقدة في قلب الساحل الإفريقي وتكون الجزائر جزءا من ذلك، إما بالتنسيق الأمني أو بسعيها لحماية حدودها الجنوبية، وهو السيناريو الأسوأ لجميع الأطراف في المنطقة، وفي حالة إعادة تدويل قضية الأزواد على نحو يعيد خلط الأوراق، ويدفع الحركات الأزوادية للبحث عن دعم خارجي، قد تجد الجزائر نفسها مضطرة للمشاركة سياسيا أو إنسانيا… فالجزائر طرف أساسي لا غنى عنه لأنها متاخمة جغرافيا وممتدة اثنيا وعرقيا، فكل الطوارق في شمال مالي هم من الأزواد، والطوارق يمتدون إلى جنوب الجزائر.

وأعتقد أن الحكمة والرشادة ورباطة الجأش التي تتميز بها الدبلوماسية الجزائرية لن تعتمد التصعيد إلا كخيار أخير وسترجح دوما المقاربة السلمية والتنموية في حل النزاعات في الساحل وفي إعادة بعث التفاوض مع مالي بعد هذه الأزمة، وستكون طرفا رئيسيا في المعادلة الدبلوماسية ومن موقع قوة، لأن الجزائر كانت ولا تزال أكبر متضرر من أي أزمة في مالي بسبب تدفقات مهاجري الأزمات وما يترتب عنهم من عبء اقتصادي واجتماعي وبيئي وصحي وأمني وتهريب أسلحة ومخدرات وتكوين لجماعات إرهابية… فيمكن للجزائر إعادة رسم علاقاتها الجيواثنية مع مالي، واستغلال العوامل السوسيو-ثقافية والدينية والتعليمية لتحقيق الاستقرار الأمني والمجتمعي في المناطق الحدودية، لأنها تعتبر حصنا دفاعيا متقدما.

ما تأثير المسارات التي تنتهجها السلطات المالية على جهود الجزائر في المنطقة فيما يخص مكافحة الإرهاب؟

كان اتفاق الجزائر الإطار الوحيد المتماسك نسبيًا لتنظيم علاقة الدولة المركزية مع الحركات الأزوادية المسلحة، وبتنصل باماكو منه أصبح شمال مالي ساحة مفتوحة مجددًا للتمرد المسلح، ومرتعًا للجماعات الإرهابية التي تستغل النزاع بين الجيش المالي والأزواد، فالفراغ الأمني في شمال مالي يشكل خطرا على الجزائر وعلى أمن الحدود.

كما أن انسحاب كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو من لجنة الأركان المشتركة سيعرقل حتما المساعي المشتركة والجهود الجزائرية واستغلال خبراتها الأمنية والاستخباراتية في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل عموما.

هل يمكن ترجيح فرضية أن الاعتداء المنفذ من قبل سلطات باماكو المثقلة بمشاكل أمنية سياسية واقتصادية، تحركه دوائر أجنبية، غرضها التشويش على الجزائر؟

ضلوع دوائر أجنبية هو أمر غير مستبعد، لأن هناك العديد من الدول تملك استثمارات ضخمة في الذهب والفوسفاط والحديد واليورانيوم والقطن والمعادن المختلفة، وفي القطاع الزراعي، ولن يكون من مصلحتها أي تقارب أو تحالف مالي جزائري، وذلك تخوفا من تزايد النفوذ الجزائري في الساحل وفي مالي، لأنها تعتبره تهديدا لنفوذها الجيوبوليتيكي أو الاقتصادي، خاصة تلك الدول التي تشهد علاقاتها مع الجزائر توترات عميقة في الوقت الراهن أو أنها تكن عداء مقيتا للجزائر، كما أن منطقة الساحل عموما أصبحت وكرا لجواسيس واستخبارات القوى الدولية (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا) والدول الإقليمية، والتي تبحث لها عن مكان أو تحافظ على مكانها ومصالحها في المنطقة أصلا.

وكذلك يمكن رصد احتمال ضلوع أطراف غير دولاتية في المسألة مثل الشبكات الدولية لتهريب المخدرات والأسلحة، إذ تشير تقارير ودراسات الأمم المتحدة حول الطرق الرئيسية في العالم لتهريب المخدرات (الكوكايين والهيروين) أن أهم طريق من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا يمر عبر نيجيريا إلى مالي (الشمال الغربي) نحو المغرب عبر الصحراء إلى أوروبا، ولعل النجاحات الميدانية والعسكرية للقوات الأمنية الجزائرية في الإطاحة بالعديد من محاولات التهريب دفع بهم إلى تشتيت التركيز العملياتي وإضعاف القوى للجيش الجزائري من أجل فسح المجال لنقل المخدرات.

هل يمكن الحديث عن دور مغربي فيما يجري؟

رغم أن السلطة الحاكمة في مالي رفضت أي دور أجنبي معلن بما في ذلك حليفها التقليدي والتاريخي “فرنسا”، بل دفعت التحالف الإقليمي الساحلي مع بوركينافاسو والنيجر إلى سحب سفرائهم من الجزائر.

إلا أنه وبالنظر إلى التواجد المغربي الاقتصادي والثقافي والديني والمصرفي والتعليمي في مالي، وفي ظل العداء المخزني المتزايد يمكن أن يكون الطرف المغربي وظف علاقات التقارب مع مالي من أجل خلق ذريعة لتقويض النفوذ الجزائري في المنطقة وعرقلة التوجهات الإفريقية للسياسة الخارجية الجزائرية وزعزعة الاستقرار في الحدود الجزائرية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here