أفريقيا برس – الجزائر. اعتبر المحلل السياسي الجزائري حكيم مسعودي أن مبادرة الرئيس عبد المجيد تبون، بالإفراج عن عدد من معتقلي الرأي بمناسبة ذكرى سبعينية ثورة التحرير، لا ترقى إلى مستوى التهدئة السياسية التي تسوي ملف معتقلي الرأي والسجناء السياسيين، في ظل بقاء البعض منهم قيد السجن، كما هو الشأن للواء المتقاعد ومرشح انتخابات 2019 علي لغديري.
وشدد في حوار مع “أفريقيا برس”، على أن سوابق السلطة السابقة فيما يتعلق بالحوارات السياسية، التي اتسمت بالتمييع وغياب النتائج، تشي إلى أن الحوار القادم المعلن عنه من طرف الرئيس تبون، لن يخرج عن السياق المذكور إلا اذا توفرت معطيات أخرى.
ومن جانب آخر لفت الى أن انفتاح الجزائر عسكريا على الهند، لن يزاحم التعاون التاريخي بينها وبين روسيا، في ظل الوفرة المالية المتاحة التي بلغت 25 مليار دولار، يمكن أن تغطي الصفقات الممكنة.
نظمت الجزائر استعراضا عسكريا احتفاء بسبعينية الثورة التحريرية، برأيكم ما هي الرسائل والدلالات الداخلية والخارجية للحدث؟
الرسائل التي أرادت لها السلطات الجزائرية أن تصل من الاستعراض العسكري المنظم بمناسبة الاحتفاء بسبعينية الثورة، تصب في ربط الجيش وما توصل إليه من تسليح وتكوين وعتاد، بالانجازات المحققة منذ الاستقلال لمؤسسة وريثة لجيش التحرير الوطني (الذراع الميداني للثورة)، وترسيخ الطابع الشعبي للجيش الذي يستمد عقيدته من “الثورة الشعبية “، وبالتالي تبعث به دلالات في اتجاه “التلاحم” بين الجيش والشعب الذي أسس له الرئيس تبون يوما وطنيا للاحتفاء به من جهة، وانسجام القيادة السياسية والعسكرية في ظل السلطة الحالية من جهة أخرى، خاصة في ظل حديث مجموعة من المنشقين والمناوئين للنظام أو السلطة الحالية من الخارج في كل مرة عن خلافات وصراعات بينية.
كما تبعث صور الاستعراض العسكري في الوقت ذاته بدلالات الجاهزية التي لطالما رافقت خطاب الجيش رسائل المؤسسة العسكرية عبر اللسان الناطق بحالها (مجلة الجيش)، في ظل حزام التوتر الذي يحيط بالجزائر على غالبية الشريط الحدودي، وخاصة ما تعلق بالجوار الغربي الذي لا تأتمن الجزائر جانبه بحكم سوابق “حرب الرمال”، والتطورات الحاصلة التي أعقبت تطبيع الرباط مع الكيان الصهيوني.
على هامش ذلك قرر الرئيس تبون، إصدار عفو عن عدد من المساجين السياسيين، هل تعتقد أنها خطوة في طريق التهدئة، أم إجراء منفصل لإسكات الأصوات السياسية والحقوقية المنتقدة للسلطة؟
الطرح الثاني أقرب إلى الصحة، من منطلق أن السلطة تتعاطى مع موضوع المعارضة والحريات بمنطق “اتجاه القوة” و”الأمر الواقع”، ومسألة العفو الرئاسي عن عدد مساجين الرأي والسياسة في الجزائر، يأتي في سياق الاستجابة لطلبات الإفراج عنهم من قبل تنظيمات ونخب وهيئات وأحزاب وأفراد من داخل البلاد وخارجها، خاصة أن السلطة اجتازت مرحلة الرئاسيات التي كانت ترى أن هؤلاء المساجين قد يشوشون عليها مثلما هو الأمر بالنسبة للمناضل والصحفي إحسان القاضي، لكن في نفس الوقت هناك من مساجين رأي وسياسة لم يفرج عنهم، فاللواء علي لغديري كذلك سجين سياسي ويقبع في السجن منذ سنوات بسبب اتجاهه السياسي المخالف للسلطة وقتها.
خلال خطاب التنصيب، أعلن الرئيس تبون عن حوار سياسي شامل، هل يمكن تصور شكل ومحتوى الخطوة، وما هي حظوظها في إخراج البلاد من مأزق سياسي غير معلن؟
سبق للسلطة وأن قامت بخطوات مماثلة في الخمسة عشرة سنة الأخيرة أكثر من مرة، يعني منذ مشاورات بن صالح وتواتي في 2011، وصولا الى مشاورات الرئيس تبون في صائفة 2021، وفي كل مرة لا يتعدى الأمر أن يكون “جلسات استماع” بروتوكولية، ولا يتبعها أي اجراء مما يتم اقتراحه من قبل المعارضة الجادة، بل أكثر من ذلك، تعمل السلطة في كل مرة على تمييع المشهد بتنظيمات مجهرية تعتمدها، وهذا ما يعني استمرار الوضع على حاله واستمرار الجمود والأحادية في الساحة السياسية، وعليه فان سوابق مشاورات السلطة تعطي صورة ما قد تكون عليه المشاورات القادمة.
تعيش البلاد حالة من الانغلاق السياسي والإعلامي غير المسبوق، برأيكم الى أي حد يمكن للسلطة أن تستمر في كتم الأنفاس دون إثارة موجة غضب كما حدث للحراك الشعبي مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة؟
كما قلت لك مسبقا، السلطة تتعاطى مع الأمر بمنطق موازين القوة، مسألة الحراك الشعبي وخروج الجزائريين الى الشارع لانهاء حكم بوتفيلقة كان يحظى بتأييد داخل جهات في منظومة الحكم، يعني أن الأمر له علاقة باتجاه القوة والتوازنات في منظومة الحكم، والخيارات تطرح على هذا المستوى حسب الظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية.
أعرب الرئيس تبون في رسالة التهنئة للرئيس دونالد ترامب، عن استعداد بلاده للتعاون مع الأمريكيين وعن العلاقات التاريخية بين الطرفين، برأيكم ما هو مستقبل وشكل العلاقات بين البلدين، في ظل دعم ترامب لطرح مغربية الصحراء، والكيان الإسرائيلي؟
أولا بالنسبة لقضية الصحراء الغربية، المسألة لديها إطارها القانوني ضمن اللائحة 14/15 باللجنة الرابعة الأممية، على سكة تقرير المصير، والجزائر تتعاطى مع القضية من هذا المنطلق يعني تصفية استعمار، أي موقف يتجاوز هذا الطرح هو غير مقبول للجزائر من كونها بلد جار، وعضو ملاحظ في الملف، وكذلك الأمر في القضية الفلسطينية الذي تتبنى فيه مبادرة السلام العربية كحل إطار لها، وتوجهات ترامب غير المتوافقة مع الجزائر في الملفين قد يحيل العلاقات الجزائرية الامريكية على فترة فتور دبلوماسي، غير أن هذا الأخير لن يؤثر على مصالح الشراكة الإستراتيجية، وهو المنطق الذي تسير عليه العلاقات الثنائية، يعني الفصل بين الخلافات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية.
سجّلت عودة للتقارب خلال الأسابيع الأخيرة بين الجزائر وروسيا، هل بإمكان ذلك تفعيل اتفاق الشراكة الاستراتيجية المعمقة، وترتيب الأوراق بشكل يحفظ مصالح الجزائر في منطقة الساحل؟
موسكو والجزائر تدركان أن ما تمر به العلاقات الثنائية في السنوات الاخيرة؛ وضع “غير طبيعي”، أملاه تصادم المصالح على عدة مستويات بفعل نشاط مجموعة “فاغنر” في المنطقة، ودعم الروس لخليفة حفتر العلاقات الجزائرية الروسية بشكل يهدد الأمن الاقليمي والحدودي للجزائر، وكذلك قضية تصدير الأزمة نحو أوروبا.. وغيرها من الملفات المستجدة في واقع العلاقات الثنائية، لذلك جاء اعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة ليس لإنهاء هذه الخلافات، بل حتى لا تمس بمجالات الشراكة الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية التي تريد موسكو توسيعها مع الجزائر، وتسعى الجزائر لتعزيزها مع الطرف الروسي حفاظا على التحالف التاريخي، وهذا الشكل الجديد لواقع العلاقات الجزائرية الروسية، واستمرار هذه الخلافات مرتبطة بالمدى الزمني لحل الملفات القائمة على غرار ليبيا ومالي.. ونزوع الموقف الجزائري إلى الاستقلالية اتجاه هذه الملفات بما فيها الملف الأوكراني وتصدير الغاز الى أوروبا وعدم الخضوع الى الأجندة الروسية فيها، هو ما لم تهضمه موسكو.
وقّعت الجزائر محضر اتفاق تعاون عسكري مع الهند، هل ذلك ايذان بشروع الجزائر في تنويع مصادر تسليح جيشها، وما تأثير ذلك على شراكتها العسكرية التاريخية مع موسكو؟
هو اتجاه في توجهات الجزائر لتعزيز تسلحها، وفي نفس الوقت تنويع شركائها في هذا المجال، لكن هذا لن يمس بالمصالح الروسية بشكل ملحوظ، بمعنى أن روسيا ستحافظ على مكانتها بأول مورد سلاح للجزائر وبالنسبة الغالبة، كما أن الجزائر ترفع سنويا ميزانية تسليحها مثلما هو معتمد في ميزانية 2025 (زيادة بـ 3 مليار دولار) يعني الأرجح أن حجم الصفقات مع روسيا لن تسجل تراجعا في صورتها العامة.
تتحدث دوائر دبلوماسية وإعلامية خارجية عن عزلة إقليمية للجزائر، بسبب مشاكلها مع دول الجوار والإقليم، الى أي مدى يصح الطرح، وما هي خطوط التماس بين الخيارات السيادية وبين الهفوات الدبلوماسية في تقدير الحسابات والمصالح في الأزمات المفتوحة مع عدة أطراف؟
من يروج لهذا الطرح هي دوائر تدعم توجهات خارجية لبسط نفوذها في المنطقة وترفض أي نزعة استقلالية فيها، سواء أكان على المستوى الإقليمي أو القاري أو العربي، وعليه فقضية ما تسميه هذه الأخيرة “عزلة” ليست خيارات بقدر ما هي حتميات التعاطي مع متغيرات أملتها التحولات الجارية في دول الجوار على غرار ليبيا و مالي، غير المستقرتين جراء الانقلابات ومحاولة فرض الواقع بالقوة، بموقف يتعارض مع توجيهات القوى الخارجية الضالعة وراءها، والتي تتصادم مصالحها مع أجندة الجزائر التي ترفض تمدد النفوذ الأجنبي في المنطقة، بالتالي الوضع غير الطبيعي هو ما تمر به هذه الدول ومعها الرباط التي لا تزال تتمسك بمطامعها التوسعية على حساب الجوار و ليس بمواقف الجزائر، غير ذلك العلاقات مع تونس وموريتانيا تمر بأحسن الأحوال.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس