سجن مدير الأمن العام الجزائري يُحقق السقوط المتوازن لخصوم تبون

19
سجن مدير الأمن العام الجزائري يُحقق السقوط المتوازن لخصوم تبون
سجن مدير الأمن العام الجزائري يُحقق السقوط المتوازن لخصوم تبون

أفريقيا برس – الجزائر. وجهت تهم ثقيلة لمدير الأمن العام السابق، تتعلق بالتجسس والتخابر مع جهات فرنسية، فضلا عن التآمر ضد مؤسستي الرئاسة والجيش، الأمر الذي يطرح استفهامات عميقة حول قرار تعيينه في المنصب والدور الذي كان يؤديه للجهات المعنية، طيلة السنوات الثلاث الماضية التي شغلها على رأس الجهاز، خاصة وأن الرجل كان عضوا في المجلس الأعلى للأمن وهي أعلى هيئة أمنية بالبلاد.

قرر القضاء العسكري الجزائري، إيداع مدير جهاز الأمن الوطني فريد زين الدين بن شيخ، السجن المؤقت في انتظار احالته على المحاكمة، وهو ما شكل صدمة قوية، قياسا بالتهم الثقيلة التي وجهت له، والتي تتمحور حول التخابر والتجسس لصالح جهات فرنسية، الى جانب التآمر على مؤسستي الجيش والرئاسة.

ولا زالت السلطة في الجزائر تتعمد أسلوب التسريب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر وسائل اعلام محلية معينة، بينما لم يصدر أي بيان أو تعليق رسمي من طرف محكمة البليدة العسكرية، ليتكرر بذلك سيناريو تنحية مدير الاستخبارات الخارجية جبار مهنا، حيث اطلع عليها الرأي العام عبر شبكات التواصل، ولم تتدخل السلطة الوصية الا بعد أسبوعين من ذلك، لما ظهر الرجل في مراسيم تسليم واستلام المهام بينه وبين خلفه العميد فتحي رشدي موساوي، وبينهما قائد أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة.

واستعرضت صحيفة ” الوطن ” الناطقة بالفرنسية، المحسوبة على جهاز الاستخبارات قبل أن تطوع من طرف الفريق الرئاسي العامل مع الرئيس عبد المجيد تبون، تفاصيل التوقيف والتحقيق من طرف النائب العام العسكري لدى محكمة البليدة ( 50 كلم جنوبي العاصمة ) ثم الإقرار بإحالة الرجل على السجن المؤقت في انتظار المحاكمة.

ويعد فريد زين الدين بن شيخ، واحد من الشخصيات القوية التي قفزت الى الواجهة منذ تعيينه على رأس جهاز الأمن العام 2021، خاصة بعد دخوله في سياق التجاذبات بين الأجنحة النافذة داخل السلطة، حيث أظهر نوايا في تشكيل قطب وازن شأنه في ذلك شأن الأقطاب التقليدية كجهاز الاستخبارات وقيادة أركان الجيش ورئاسة الجمهورية.

الكادر الأمني “الخارق” نزيل سجن البليدة العسكري

واللافت أن مدير الأمن منذ اقالته شهر جانفي الماضي، على خلفية حادثة الشاب الذي اخترق الحواجز الأمنية لمطار وهران، وتسلل الى غرفة عجلة طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية كانت متجهة الى باريس، ولم يتم التفطن له إلا لما عثر عليه هناك في وضعية صحية حرجة، خضع لعدة تحقيقات لكنه كان بعيدا عن مثل هذا السيناريو.

وذكر تقرير صحيفة “الوطن”، بأنه تم استجوابه حتى وقت متأخر من الليل من قبل قاضي التحقيق، قبل أن يتم حبسه على خلفية وقائع تتعلق بارتباطاته بنشطاء جزائريين ينشطون على شبكة الإنترنت والمواقع الإلكترونية في الخارج، والعلاقة مع سفير سابق لفرنسا وضابط في الممثلية الدبلوماسية الفرنسية في الجزائر، ومع ناشطين على مواقع التواصل في الخارج، كالضابط السابق في المخابرات هشام عبود، والمدون أمير بوخرص، المعروف بـ “أمير دي زاد”.

وفي سردها للوقائع، قالت بأن “تفاصيل القضية بدأت عقب سرقة هاتف آيفون للناشط على مواقع التواصل، المقيم في لندن سعيد بن سديرة، أثناء وجوده بباريس، والذي انتهى، على مكتب المدير العام السابق للأمن الوطني. وقد استدعى بن شيخ، تقنيين للوصول إلى المعلومات الموجودة على الجهاز، والتي تتعلق بمسؤولين كبار في الرئاسة والجيش، وتتحدث عن مؤامرة مزعومة ضد الرئيس عبدالمجيد تبون”.

وتابعت: “تم تسريب بعض المعلومات المأخوذة من الهاتف إلى ناشطين إلكترونيين في الخارج، مثل ( أمير دي زاد)، والضابط السابق في المخابرات هشام عبود، بغية مهاجمة تلك المؤسسات. كما أُرسلت تقارير أخرى إلى رئيس الجمهورية، تعزز نظرية المؤامرة ضده، مما أدى إلى فتح تحقيق في صيف 2023 “.

وكانت مديرية أمن الجيش (فصيل استخباراتي) قد اضطلعت منذ توقيف الرجل في صائفة العام الماضي، بفتح تحقيقات مع مدير جهاز الشرطة، ومع بعض الكوادر السامية والمقربة منه، فضلا عن شخصيات أخرى من خارج الجهاز، وتم توقيف عدد منهم كما هو الشأن بالنسبة لمن كان يوصف بـ “ذراعه الأيمن” طارق كسكاس.

ووجهت لهؤلاء العديد من التهم التي قادتهم إلى السجن المؤقت منذ شهر أفريل وماي الماضيين، وجرى استدعاء بن شيخ للاستماع إليه في الملف، واكتفت حينها المحكمة بوضعه تحت الرقابة القضائية ومنعه من مغادرة التراب الوطني، قبل أن يتقرر فتح تحقيق إضافي بطلب من النائب العام لمحققي مدير أمن الجيش، بعد التوصل بمعطيات حول ما سمي بـ “عملية زعزعة استقرار للمؤسسات الحكومية، من خلال هجمات متزامنة ومنسقة ضد كبار المسؤولين باستخدام وسائل الإعلام الإلكترونية داخل الجزائر وخارجها”.

ضرب الخصوم بخصوم السلطة

كما وجه القضاء العسكري، تهما وصفت بـ ” الثقيلة “في حق مدير جهاز الشرطة الذي يضم في صفوفه أكثر من 200 ألف منتسب، تتمثل في ” سوء استغلال الوظيفة، استغلال النفوذ، الإضرار بمؤسسات الدولة، وصلاته المشبوهة مع سفير فرنسي سابق في الجزائر، وأحد كبار مسؤولي السفارة الفرنسية “.

وجزمت الصحيفة بما أسمته، بـ “علاقات مشبوهة مع نشطاء جزائريين مقيمين في الخارج، ينشرون تسريبات ومعلومات ووثائق حول الأجهزة الأمنية ومؤسسات الجيش والرئاسة، وبحق شخصيات مسؤولة في الدولة”.

ويعد فريد بن شيخ، مدير الأمن الثاني، الذي يحال على السجن، بعد اللواء عبدالغني هامل الذي سجن العام 2018، بايعاز من قائد أركان الجيش السابق الجنرال أحمد قايد صالح، حيث وجهت له تهم فساد واستغلال وظيفة والتربح غير المشروع، وقُدم خلال تنصيبه في ربيع العام 2021 على هامش ما عرف بـ “الموجة الثانية للحراك الشعبي”، على أنه كادر أمني ذو كفاءة عالية، ويحوز على تكوين أكاديمي عال ومتنوع في علوم القانون والجريمة وعلم النفس والاجتماع.

وعلق النقابي السابق والناشط السياسي المعارض المقيم في جنيف مراد تشيكو، في تصريح، لـ “أفريقيا برس”، بالقول: ” ما حدث مؤلم حقيقية، فاذا كانت التهم حقيقية، فان السؤال يطرح على مسؤولية من عينوه في المنصب، وعن دور المؤسسات الأمنية التي لم تنتبه للأمر إلا بعد ثلاث أعوام قضاها الرجل على رأس الجهاز، خاصة وأنه كان على اطلاع بالملفات الكبرى، لاسيما وأنه عضو في المجلس الأعلى للأمن”.

السقوط المتوازن لرؤوس الأجنحة المتصارعة

وأضاف: ” الأمر يكون أكثر ايلاما، اذا كان عبارة عن تصفية حسابات بين أجنحة النظام، الأمر الذي يهز صورة وسمعة المؤسسات الرسمية، ويشيع المخاوف لدى كوادر الدولة النزيهة، التي ستحجم عن أداء دورها ومهامها، في ظل مثل هذه السيناريوهات التي لا تهدد المصير والمسار “.

وربط مصدر مطلع، التطورات المتسارعة في مديريتي الاستخبارات الخارجية وجهاز الشرطة، بالصراع الخفي بين الدوائر النافذة في السلطة، فإلى غاية تنحية اللواء جبار مهنا، ساد الاعتقاد بأن الرجل المنحدر من جهاز الاستخبارات القديم، لا يريد تبون في قصر المرادية، ولذلك اعتبرت اقالته نصرا مبكرا في الولاية الرئاسية الثانية، لكن ما لحق بن شيخ، الذي كان يحسب على قطب الرئاسة، شكل تعديلا لكفتي الميزان، فواحد سقط من هنا والآخر سقط من هناك، الأمر الذي يبقي التوازن حساسا بين الرئاسة وبين فلول جهاز الاستخبارات السابق.

لكن فرضية أخرى تذهب الى أن فريد بن شيخ، المحسوب على دوائر النفوذ الفرنسي، والمعين في منصبه بايعاز من الرئيس ايمانويل ماكرون العام 2021، وأن شغله في مؤسسات فرنسية وحمله لجنسيتها، جعلته مركز ثقل لمعادلة نفوذ عواصم أخرى كروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك ظل محل ثقة وجسرا رابطا بين الجزائر وباريس، عكس اللواء جبار مهنا، الذي افتعل العديد من الأحداث لتوتير العلاقات بين الطرفين.

ويرى أنصار الفرضية، أن بن شيخ ظل محل حماية الفرنسيين، ولذلك ظلت التحقيقات معه في الفترة الماضية شكلية، لكن انقلاب موقف فرنسا تجاه الصحراء الغربية ودعم باريس للطرح المغربي في حل النزاع، أثار غضب السلطات الجزائرية العليا، وقدمت الرجل قربانا، لمعاقبة فرنسا على موقفها، خاصة وأنها تعلم العلاقة الوثيقة بين الرجل وبين الفرنسيين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here