كيف عزلت فرنسا الجزائر عن المغرب؟

5
كيف عزلت فرنسا الجزائر عن المغرب؟
كيف عزلت فرنسا الجزائر عن المغرب؟

نزار بولحية

أفريقيا برس – الجزائر. مع من دخل الجزائريون منذ شهور في أزمة؟ ليس مع أوروبا ولا مع فرنسا، بل مع اليمين المتطرف فيها كما يقولون. لكن هل توقع أحد من أي جارة من جاراتهم أن تعلن ولو من الناحية المبدئية عن وقوفها معهم في ذلك الخلاف؟ وهل كان من الوارد في تلك الحالة، أن تصدر الدول المغاربية بيانات تضامن رمزية معهم؟ قطعا لا.. فالصراعات والخلافات وحالات التنافر والتباغض والقطيعة التي تسود بين بلدان المنطقة جعلت تلك المبادرات تبدو أشبه بضرب من ضروب الفنتازيا البعيدة، وفرضت بالتالي على الجزائريين أن يتعاملوا مع أزمتهم مع فرنسا تماما كما تعامل المغاربة معها أيضا في وقت سابق بشكل منفرد.

لكن هل كانت الصدفة وحدها هي التي جعلتهم يقررون في الوقت الذي تمر فيه علاقاتهم بالمستعمر السابق بحالة غير مسبوقة من البرود والتوتر، أن يضعوا اتفاق الشراكة الذي وقعوه قبل عشرين عاما مع الأوروبيين على المحك؟ بالنسبة لهم ليس هناك رابط مباشر بين الحدثين، فالمشكل في نظرهم لم يكن، وفي أي حال من الأحوال مع أوروبا، بل كان فقط مع عاصمة من عواصمها الكبيرة، أي باريس، كما أن ذلك الاتفاق بات بطبعه فاقدا للجدوى وغير مطابق، أو مستجيب للمعطيات الاقتصادية الحالية مثلما يعتقدون. ودليلهم على ذلك، أن الصادرات الجزائرية نحو الدول الأوروبية لم تعد تعتمد، كما كانت عليه الحال في السنوات الأولى، التي تلت إبرامه على المحروقات بالأساس، بل توسعت أكثر فأكثر لتشمل عدة قطاعات أخرى.

غير أن اللافت في البيان الذي أصدرته الرئاسة الجزائرية الأحد الماضي، على هامش اجتماع لمجلس الوزراء، حرصه وفي سياق إشارته إلى تلك المسألة، على أن ينقل عن الرئيس عبد المجيد تبون تأكيده في ذلك الاجتماع على أن «مراجعة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، ليست على خلفية نزاع، وإنما هي دعم للعلاقات الطيبة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كشريك اقتصادي، ترتكز على مبدأ رابح رابح». وكان الغرض من ذلك واضحا وهو، أن لا ينظر الأوروبيون إلى تلك الخطوة على أنها تأتي رد فعل من جانب الجزائر على اللائحة التي أصدرها البرلمان الاوروبي الخميس الماضي وطالب فيها السلطات الجزائرية بالإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صنصال، وكل معتقلي الرأي في الجزائر. إن ما كان يهم الجزائريين وبالدرجة الأولى، هو أن يظهروا أنهم يفصلون جيدا بين الملفات، وأنهم لم يسقطوا في فخ توسيع دائرة خلافهم مع فرنسا، بتحويله من خلاف ثنائي محدود إلى خلاف جماعي موسع، ولأجل ذلك كانوا مصممين على أن يحصروا المشكل فقط مع باريس.

لكن هل كانت الأزمة الاخيرة معها ترجع فقط إلى سبب واحد؟ حتى إن كانت شراراتها الأولى هي إقرار الرئيس الفرنسي الصيف الماضي في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي بأن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان ضمن السيادة المغربية»، فإن تفجر قضية الكاتب بوعلام صلصال زادت من حدة التوتر بين العاصمتين، فيما كانت حالة الانسداد التي حدثت في واحد من أعقد الملفات بينهما وهو ما يعرف بملف الذاكرة، وقودا إضافيا لإذكاء شعلة ما قد يطلق عليه، سوء الفهم التاريخي المستحكم بين الجانبين. فسطوة الماضي بكل مآسيه وآلامه ما زالت تلقي وبقوة ظلالها على حاضر ومستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية، ولا يزال الجزائريون يسعون لانتزاع اعتراف يبدو صعبا ومعقدا من الفرنسيين بالجرائم التي ارتكبوها على مدى أكثر من قرن في بلادهم.

وقد اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كلماته بعناية، حين توجه لهؤلاء في خطاب ألقاه أواخر العام الماضي في البرلمان الجزائري بالقول «إن قيمة شهدائنا الذين سقطوا في المقاومة والثورة التحريرية المجيدة أغلى من مليارات الدولارات.. أنا لا أطلب من مستعمر الأمس تعويضا ماديا، بل الاعتراف بجرائمه»، قبل أن يضيف وفي السياق نفسه: «لا تعطونا الأموال، لكن تعالوا نظفوا الأوساخ التي تركتموها»، في إشارة إلى المخلفات التي انجرت عن التجارب الفرنسية النووية في الصحراء الجزائرية، لكن ما الذي سيدفع باريس لأن تنصاع للطلب الجزائري؟

إن التلويح ببعض أوراق الضغط التجارية بالأساس، قد يدفعهم كما يعتقد البعض إلى التعامل معه بإيجابية. والسؤال هنا هو هل يمكن أن يكون امتناع الجزائريين عن شراء القمح الفرنسي هذا العام ورقة من تلك الأوراق؟ رسميا لا شيء يدل على ذلك، إلا أن نشر وسائل الإعلام الجزائرية لتصريحات كان أدلى بها رئيس المجلس الفرنسي للمحاصيل الكبرى بوتوا بيتريمون وقال فيها «إن الجزائر مغلقة تقريبا إن لم تكن مغلقة تماما أمام القمح الفرنسي اللين»، يعطي الانطباع على أن الفكرة أخذت طريقها إلى التطبيق، خصوصا أن قسما واسعا من الصحافة الجزائرية بات يرى أن الجزائر وجهت بذلك القرار «ضربة موجعة» إلى فرنسا مثلما قالت صحيفة «الشروق المحلية، وأن الشركات الفرنسية هي من تدفع هذه المرة ثمن تهور الإليزيه تجاهها مثلما جاء في موقع «الجزائر الجديدة» الإلكتروني.

لكن هل سيكون التلويح بورقة القمح كافيا لتغيير موقف باريس من مستعمرتها السابقة؟ يبدو من المستبعد جدا أن يحدث ذلك، ليس فقط لأن الفرنسيين قد أعدوا سيناريوهات وخططا بديلة لترويج قمحهم في حال امتناع الجزائريين عن شرائه، بل لأنهم مطمئنون وواثقون من أن أي عمل من ذلك القبيل سيبقى محدودا ولن يتوسع لا إلى الجارة الشرقية ولا الغربية للجزائر. فهم يعتبرون أن أكبر نجاح حققه استعمارهم للشمال الافريقي هو أن استطاع أن يفصل بين أكبر قطبين فيه وهما الجزائر والمغرب. وهذا ما يضعونه دائما نصب أعينهم ويحرصون على الحفاظ عليه، رغم حديثهم دائما وأبدا عن انتهاجهم لسياسة واحدة للتعامل مع ما يعتبرونها كتلة جغرافية وسياسية واحدة وهي المغرب العربي. لقد اختار الاستعمار الفرنسي وعن قصد أن ينشأ وبتزامن تقريبا مع الإعلان عن استقلال تونس والمغرب مشروعا أطلق عليه في ذلك الوقت اسم «السد القاتل» ويتمثل في زرع أكثر من عشرة ملايين لغم على طول الحدود الجزائرية مع البلدين. وكان الغرض منه هو منع التونسيين والمغاربة من دعم الثوار الجزائريين. لكن الهدف البعيد من ورائه تمثل في عزل الجزائر عن محيطها الجغرافي وإبعادها بالخصوص عن المغرب.

وبعد أربعين عاما من خروج الفرنسيين من أراضيهم استطاع الجزائريون أن يفككوا تلك الألغام، لكنهم عجزوا حتى الان عن نسف «السد القاتل» الذي صنعه الاستعمار ليفصل بين البلدين المغاربيين. والمشكل هو أنه وبمرور الوقت بات وجود ذلك الحاجز يبدو طبيعيا بنظر الكثيرين، بل صار البعض يرى أي دعوة للقاء بين الجزائريين والمغاربة على أنها بدعة أو ضلالة. لقد أرادت فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية أن تنفرد بالجزائر، وصممت بعدها على عزلها عن المغرب، وقد لا يكون العنوان الحقيقي للأزمة الجزائرية الفرنسية الأخيرة بعيدا عن ذلك.

المصدر: القدس العربي

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here