أفريقيا برس – الجزائر. يبدو أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تأخذ طريقها نحو الترميم، بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس إيمانويل ماكرون بنظيره الرئيس عبد المجيد تبون السبت، والذي يعد أول اتصال منذ تفجر الأزمة غير المسبوقة بين البلدين التي أججتها تصريحات ماكرون التي طعن فيها بتاريخ الجزائر.
وأفاد بيان للرئاسة الفرنسية السبت بأن ماكرون اتصل هاتفيا بالرئيس تبون وناقشا “تهدئة ذاكرة الاستعمار (الفرنسي) وحرب الجزائر”، واستعرض ماكرون “آخر المبادرات التي قامت بها في فرنسا من أجل تهدئة ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر”، بحسب بيان الإليزيه، الذي أوضح بأن ماكرون قال بأنه “مستعد دائما للعمل على هذا الموضوع مع نظيره الجزائري، خصوصا فيما يتعلق بالبحث عن المفقودين وتأهيل المدافن الأوروبية في الجزائر”.
حديث ماكرون عن “تهدئة ذاكرة الاستعمار (الفرنسي) وحرب الجزائر”، متصل بتصريحاته التي كانت وراء الأزمة التي عرفتها العلاقات بين البلدين، حيث نقلت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن الرئيس الفرنسي خلال لقاء له مع شباب فرنسيين وجزائريين، في 2 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قوله إن “بناء الجزائر كأمة ظاهرة تستحق المشاهدة. هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال”. واتهم في التصريحات النظام “السياسي العسكري” الجزائري بانتهاج سياسة “ريع الذاكرة” حول حرب الجزائر وفرنسا، القوة المستعمِرة السابقة، بعد استقلالها في العام 1962، والتي خلفت أزمة دبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين، سحبت على إثرها الجزائر سفيرها لدى باريس للتشاور والذي عاد لمزاولة مهامه منذ حوالي 3 أسابيع، كما أغلقت مجالها الجوي في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية. وكان تبون قد رفض الرد على اتصال ماكرون في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما عكس حينها حجم القطيعة بين البلدين.
غير أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الجزائر في 8 ديسمبر/كانون الأول كانت أول خطوة نحو حلحلة الأزمة، حيث دعا من الجزائر إلى عودة إلى “العلاقات الهادئة بين البلدين” وأن “يتمكنا من التطلع إلى المستقبل”.
وحسب بيان الإليزيه فقد تطرق ماكرون وتبون أيضا إلى “التحضير لقمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي المقررة في بروكسل في 17 و18 شباط/فبراير، في إطار الرئاسة الفرنسية الدورية للاتحاد الأوروبي”، بحسب البيان. وتابع البيان “وتطرق الرئيسان أيضا إلى تحديات الاستقرار الإقليمية، وخصوصا محاربة الإرهاب في منطقة الساحل”.
وتواجه فرنسا حاليا معضلة كبيرة في الساحل وخاصة بمالي، حيث دخلت في أزمة معقدة مع المجلس العسكري الحاكم الذي اختار التعاون مع موسكو على حساب باريس ويهدد عبر قراراته، بعد طرده القوة الدانماركية، مستقبل العملية العسكرية الفرنسية والأوروبية عبر “تاكوبا” بمالي ومنطقة الساحل.
ومعلوم أن الجزائر تمنع الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق في أجوائها، ما خلق متاعب كبيرة للجيش الفرنسي.
ويرى جمال فنينش المحلل السياسي والصحافي بجريدة “الخبر”، كبرى الصحف الجزائرية، والمهتم بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، بأن اتصال ماكرون بتبون يجب أن يوضع “في سياقه الزمني” بالنظر إلى عدة معطيات، ففرنسا حسبه “تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وهي تريد إنجاح القمة الأوروبية الإفريقية، وماكرون يريد الاستثمار في الاجتماع لتحقيق مكاسب سياسية وخصوصا استرجاع المبادرة”.
وحسب جمال فنينش في حديثه مع “القدس العربي” فإن المناسبة “فرصة لمسؤولي البلدين لكسر الجمود في الاتصالات” مشيرا إلى أن “المشاركة في القمة توفر منبرا وفرصة للجانب الجزائري لتقديم رؤيته للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والقارة الإفريقية، وفتح ملف الشراكة حيث يرغب الجانب الجزائري في مراجعة الاتفاق وقضايا أخرى وخصوصا الاستثمارات والهجرة”.
أما بخصوص الحديث عن أن العلاقات بين البلدين خرجت من عنق الزجاجة بعد الاتصال الهاتفي، فيقول المتحدث بأن “العلاقات الجزائرية-الفرنسية متقلبة جدا لذا من السابق لأوانه القول بأنها خرجت من عنق الزجاجة”.
من جانبه رأى الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية شاكر عبد الرزاق محفوظي بأن “تطبيع العلاقات بين البلدين وتجاوز عقبات الذاكرة حتمية لا مفر منها بالنسبة للجانبين بالنظر لعوامل موضوعية عديدة لا يمكن تجاهلها لأن العلاقات بين الدول أساسها المصالح المشتركة، قبل كل شيء تبقى استعادة الثقة أمرا ضروريا خاصة بعد السقطة الأخيرة للرئيس الفرنسي تجاه الجزائر والتي فيما يبدو أن الجانب الفرنسي يسعى جاهدا لتداركها وترميم ما نجم عنها من تداعيات”.
وأشار شاكر محفوظي في حديثه مع “القدس العربي” إلى ما اعتبره بالتحول “الجذري في السلوك الجزائري تجاه مستعمر ال” والذي فاجأ فيما يبدو، حسبه، “الجانب الفرنسي” الذي لم يتعود على هكذا مواقف صارمة في التعامل معه من قبل الجزائر، ولم يستوعب حجم التغيرات التي طرأت على الصعيد الوطني، وكان لها بطبيعة الحال انعكاساتها على مواقف الجزائر وسياستها الخارجية وتعاملها مع باقي الدول وبالأخص فرنسا”.
ووفق المتحدث فإن فرنسا تسعى “اليوم جاهدة فيما يبدو للتأقلم معه بدءا بالتصريحات الرسمية التي حملت اعتذارا مبطنا عن إساءات رئيس الدولة غير المبررة، إلى الجزائر، وصولا إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي التي مثلت خطوة أخرى في هذا التوجه”.
أما بخصوص خلفيات الاتصال وعلاقاته بالانتخابات الرئاسية التي ستشهدها فرنسا خلال أشهر قليلة، وأيضا معضلتها بمالي، فيؤكد محفوظي بأن “ماكرون يدرك جيدا الثقل الذي تمثله الجزائر سواء في الداخل الفرنسي من خلال جاليتها المعتبرة والتي سيكون لها كلمتها بكل تأكيد في الانتخابات ولا يمكن بالتالي تجاهلها أو القفز عليها”، أو على الصعيد الإقليمي “سواء تعلق الأمر بمالي أو حتى بليبيا خاصة مع فشل المقاربة الفرنسية في منطقة الساحل ودخول فاعلين جدد على مسرح الأحداث”.
وبات واضحا للجانب الفرنسي، حسب المتحدث، بأن “أي تحرك على مستوى المنطقة وأية مقاربة سيكون مآلها الفشل إذا لم تمر عبر الجزائر التي تظل تمتلك العديد من الأوراق للتأثير في محيطها الإقليمي وعلى المستوى القاري بصفة عامة”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس