ماذا بقي من الحراك الجزائري في ذكراه الرابعة؟

20
ماذا بقي من الحراك الجزائري في ذكراه الرابعة؟
ماذا بقي من الحراك الجزائري في ذكراه الرابعة؟

ناصر جابي

أفريقيا برس – الجزائر. يحتفل الجزائريون هذه الأيام بالذكرى الرابعة للحراك الذي انطلق في 22 فبراير/شباط 2019 في وقت لم يكن ينتظره أغلبية الجزائريين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشكل والزخم الذي ظهرت به هذه الثورة السلمية، التي لم تنجح في تحقيق أهدافها لحد الساعة. نعم لم يحقق الحراك ما خرج من أجله لعدة أسباب، سنعود إليها في هذا الموضوع، الذي خصصناه للحديث عن هذه الذكرى التي تمر على الجزائريين، في وقت زاد فيه منسوب الغلق السياسي والإعلامي بشكل لم يكن يصدقه الكثير من الجزائريين، الذين غلب عليهم التفاؤل، وهم يعتقدون أن حراكهم سيكون كفيلا بنقل البلد إلى محطة سياسية جديدة، لن يعود فيه من الوارد الانتكاسة إلى الوراء لدرجة البكاء على نظام بوتفليقة، كما كان الحال في بعض الحالات العربية المنتكسة.

فوجئ الجزائريون بما حصل لهم في 22 فبراير 2019 وهم يخرجون للتظاهر في الشارع للمطالبة برفض العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، التي كانت تحمل معها حزمة واسعة من المطالب الأخرى كانت مضمرة على مستوى الطرح الجماعي العام في بداية المسيرات، لكنها كانت حاضرة لدى الكثير من الجزائريين الذين تناقشوا حولها كثيرا وهم يتجاوزون الكثير من نقاط ضعفهم، بدءا من لغة الحوار لدى أبناء مجتمع لم يكن يعرف كيف يعبر عن نفسه سياسيا، وعن أفكاره ومطالبه التي لخصوها في عدة نقاط تجاوزت المطالبة برحيل بوتفليقة بسرعة، لتتوجه نحو المطالبة بإصلاح النظام السياسي برمته، عبر عدالة شفافة وإعلام حر ومؤسسات سياسية شرعية يكون تحقيقها بداية الانطلاق الفعلي لنوع من المرحلة الانتقالية التي تم رفضها من قبل مراكز النظام، التي استمرت صامدة والذباب الإلكتروني الذي عبّر عن خوف كبير من هذه النقطة بالذات، التي فهمها كونها تفكيكا لمؤسسات الدولة الوطنية، ودعوة للتدخل الأجنبي، كما روج لذلك الذباب وأبواقه الإعلامية، التي لم يعد من السهل وضع فروق بينهما. وهو يستغل تدني مستوى الثقافة السياسية عند الكثير من الفئات الشعبية، التي حرمها التسيير السياسي الأحادي، من اكتساب ثقافة سياسية فعليه، كان يمكن أن تكون مفيدة له في التعاطي مع هذا المطلب.

على الرغم من هذا النقص التاريخي في الثقافة السياسية لدى فئات واسعة من الجزائريين، إلا أن الحراك أبان من جهة أخرى عن قدرات عجيبة لدى الجزائريين من الشباب تحديدا، لم يكن يتوقع وجودها أكبر المتفائلين، وهو يشاهد ذلك التسييس الذي عم بين الجزائريين في وقت قصير، لم يكن وراءه لا الحزب السياسي ولا الجمعية ولا النقابة. سؤال اعترف بأنني لم أجد له أي إجابة شافية، خاصة ونحن نقوم بتعميم الحالة الجزائرية لمقارنتها مع الحالات العربية الأخرى. لتكون فكرتي المؤقتة لتفسير ظهور هذا التسييس لدى الشباب، الذي عاش رسميا مرحلة قحط سياسي في صغره. إن التسييس هذا بني داخل المؤسسة العائلية وعلاقات الصداقة القريبة، بعد أن تمكن الأب وحتى الأم جزئيا من تهريب هذا التسييس للأبناء داخل مؤسسة العائلة والجيرة القريبة، بعد أن تيقن هذا الجيل الكبير أنه عجز عن تحقيق التغيير والإصلاح السياسي، الذي استعمل فيه كل أدوات التغيير بدءا من العمل السياسي السري، وصولا إلى الحزب والنقابة وكل ما كان متاحا له من وسائل على قلتها. تماما مثل المعلم الذي فشل في بناء مدرسة عمومية فعالة ومتفتحة لكنه نجح في إنجاب أبناء متميزين علميا وناجحين مهنيا.

فكرة تفسر لاحقا الدور الخاص الذي قامت به الفئات الوسطى الحضرية في قيادة الحراك، باعتباره ظاهرة حضرية بالدرجة الأولى، من دون إلغاء للتنوع السوسيولوجي للحراك، الذي عبّر بصدق عن أهم خصائص المجتمع الجزائري الديموغرافية والاجتماعية، وهو ما يفسر السلمية من جهة أخرى التي استمرت حاضرة مع الحراك، حتى وهو يحاصر ويمنع من التعبير عن نفسه من خلال المظاهرات السلمية الأسبوعية، التي كانت تخرج من أكثر من خمسين مدينة في التوقيت نفسه والشعارات نفسها، تجاوز حشدها البشري ملايين الجزائريين -13 مليون كما جاء على لسان الرئيس تبون ـ في ربيع 2019.

السلمية ودور الفئات الوسطى الحضرية والمرأة التي كانت من نقاط قوة هذا الحراك الجزائري، الذي نحتفل بذكراه الرابعة هذا الأسبوع، في وقت لم يعد من الممكن للجزائري فيه، التعبير عن أبسط مطالبه السياسية التي تقمع يوميا، من قبل نظام سياسي عرف كيف يحافظ على توازنه، على الرغم من الضربات التي تلقاها، وهو يعيش حالة تنمر على المواطنين، تنم عن غباء سياسي كبير عبّر عن نفسه في المدة الأخيرة بأشكال كثيرة، عكستها القرارات المتخذة من قبل بعض الوزراء، لا داعي للعودة إليها، بعد أن تحولت إلى مجال واسع لتنكيت الجزائريين داخل الوسائط الاجتماعية. حالة تنمر ساعدت عليها الحالة الدولية بكل نتائج الحرب الروسية ـ الأوكرانية على مستوى ارتفاع أسعار المحروقات، استفادت منه الجزائر بشكل كبير، جعلها تتحول إلى عاصمة سياسية تحظى بمقبولية كبيرة يطالب بودها أكثر من طرف دولي وإقليمي. مقابل نقاط الضعف الأخرى التي عبّر عنها الحراك الجزائري، وهو يفشل في تنظيم نفسه وإبراز قيادة كان يمكن أن تتحدث وتفاوض باسمه كما تطالب بعض الأصوات بذلك هذه الأيام، وحتى قبل ذلك، عندما كان هذا الصوت حاضرا رغم ضعفه منذ بداية مسيرات الحراك، من دون أن يتم البوح بالقول إن النظام كان ولا يزال رافضا لأي تفاوض مع أي طرف ممثل، يحظى بالحد الأدنى من الشرعية لإخراج البلد من المأزق السياسي الذي يعيشه، بعد أن استعصى فيه التغيير وفشلت كل الوصفات المجربة في إنقاذه من الذهاب إلى الحيط، كما يقول الجزائريون بلغتهم الشعبية. في وقت زاد فيه مستوى تنمر النظام السياسي الرسمي ومؤسساته التي أعمتها السيولة المالية التي حصلت عليها جراء ارتفاع المحروقات الموجهة نحو شراء سلم اجتماعي، سيتبين بسرعة أن مفعوله سيكون قصيرا، كما كان الحال أثناء فترة حكم الرئيس بوتفليقة. في زمن أزمة اقتصادية كونية لن تستطيع الجزائر الإفلات منها، رغم بعض المظاهر الخداعة، هي التي فشلت في تنويع اقتصادها وتحسين مردودية مؤسساتها التي ما زالت تعتمد بشكل مبالغ فيه على الريع النفطي.

الأهم من الجوانب الاقتصادية ما يتم تناسيه من قبل مؤسسات النظام السياسي المتنمرة، المعلقة في السماء، عدم ادراكها للتحولات التي يعيشها المواطن الجزائري، الذي لم يعد قادرا على تقبل وضعه السياسي الحالي حتى وهو يظهر وكأنه مستكين له وقابل له مؤقتا، كما يفعل بكل ذكاء الشباب منذ توقف المسيرات الشعبية التي يقول عنها أنها لا تساوي بالضرورة الحراك.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here