أفريقيا برس – الجزائر. فجر طرح الحكومة الجزائرية، لمشروع قانون المناجم الجديد، الذي تضمن مزايا وحوافز مغرية لصالح الشراكات الأجنبية والخاصة، انقساما سياسيا بين الحكومة وأحزاب سياسية من مختلف الخلفيات الأيديولوجية، على خلفية التحذير من التفريط في السيادة الوطنية على الثروات الباطنية، خاصة وأن القطاع تحول الى ساحة سباق وصراع بين قوى النفوذ الإقليمي والدولي، وقد تتحول الحوافز الحكومية الى رهن لمصادر وحقوق الأجيال القادمة في باطن أرضها.
أكد وزير الطاقة والمناجم الجزائري، محمد عرقاب، خلال عرضه لمشروع قانون المناجم الجديد، على أنه جاء في سياق إصلاح الإطار التشريعي الذي ينظم نشاطات المناجم والذي أصبح ضروريا لإعادة بعث الاستثمار في هذا المجال، وتكييفه مع الإجراءات المتخذة من طرف الدولة لتنويع الاقتصاد الوطني.
وذكر بأن الاصلاح المنشود، يأتي “بعد إجراء تشخيص معمق لواقع قطاع المناجم في الجزائر، والذي أظهر أن الاستثمار، خاصة في مجال الاستكشاف والتنقيب والذي يبقى أغلبيته على عاتق الدولة، عدم كفاية البيانات والمعلومات الجيولوجية والمنجمية الأساسية حول القدرات المعدنية للبلاد، وغياب اكتشافات جديدة لمكامن منجمية قابلة للاستغلال”.
وأضاف: “انحصار الاستثمار الخاص على استغلال مواد المقالع وغياب شبه تام للاستثمار الأجنبي في النشاطات المنجمية، ومستويات انتاج بعض المواد المنجمية غير كافية لتلبية احتياجات السوق الوطنية، مما أدى الى زيادة مستمرة في استيرادها رغم توفر المكامن الخاصة بها”.
ويدخل قطاع المناجم في صميم البرنامج الاقتصادي للرئيس تبون، منذ اعتلائه قصر المرادية أواخر العام 2019، حيث تعول عليه الحكومات المتعاقبة ليكون موردا إضافيا لمداخيل النفط والغاز، بغية مواجهة تحديات النهوض بالاقتصاد المحلي، وتلبية الحاجيات الداخلية المتنامية.
وبالموازاة مع اطلاق مشروعات منجمية ضخمة كغار جبيلات في أقصى الجنوب الغربي، والونزة والشريعة وأميزور، بكل من ولايتي تبسة وبجاية، تعكف الحكومة على تفعيل القطاع بمراجعة التشريعات الناظمة له، واستقطاب الاستثمارات الخاصة والأجنبية لاقامة شراكات متعددة.
وأفاد مصدر حكومي، لـ “أفريقيا برس”، بأن “ظهور الاهتمام الأمريكي بالمواد المنجمية والمواد النادرة، شجع الحكومة الجزائرية على ابداء انفتاحها على الرأسمال الأجنبي من أجل الاستثمار في القطاع، حتى ولو كان بمراجعة مبادئ أساسية في الشراكة الجزائرية- الأجنبية، خاصة قاعدة 59/51 التي أرسيت من أجل الحفاظ على الأغلبية في المشروعات الاستراتجية والباطنية.
وكان السفير الجزائري في الولايات المتحدة الأمريكية صبري بوقادوم، قد صرح لوسائل اعلام أمريكية، بأن “سقف الشراكة بين الجزائر والولايات المتحدة والأمريكية لا يحدها الا السماء”، في تلميح الى إزاحة ما كان يوصف بالتدابير السيادية، خاصة قاعدة 49/51.
ودعا السفير الجزائري، الأمريكيين الى الاستثمار في بلاده، وأنها على استعداد للشراكة في قطاع المناجم، خاصة المواد النادرة، وهو ما شكل تمهيدا لمحتوى المشروع الذي تضمن حوافز ومزايا للشركات المستثمرة، الأمر الذي اعتبرته قوى حزبية من أطياف سياسية متنوعة تنازلات ترهن سيادة الدولة ومستقبل الأجيال القادمة.
وذكر وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، بأن “المشروع يرمي إلى تطوير المنشآت الجيولوجية للبلاد، وحرية الوصول إلى هذه المعلومات التي تمثل نقطة الانطلاق لجميع مشاريع الاستكشاف المنجمي، وتبسيط الوصول إلى المجال المنجمي الوطني، والقيام بأشغال التنقيب والاستكشاف في المناطق غير المستكشفة، من خلال إجراءات مبسطة وشفافة، توفر كافة الضمانات للمستثمرين للقيام بمشاريعهم الاستكشافية والاستفادة من حق الاستغلال في حالة اكتشاف مكامن قابلة للاستغلال اقتصاديا”.
وأوضح أن المشروع، يقترح “إتاحة إمكانية ممارسة نشاطات التنقيب الاستكشاف والاستغلال لأي شخص يمتلك القدرات التقنية و/أو المالية وإلغاء إلزامية التأسيس كشخص معنوي خاضع للقانون الجزائري خلال مرحلة التنقيب والاستكشاف، مع إمكانية طلب مباشر للحصول على سند للاستغلال المنجمي، في حالة اكتشاف ممكن قابل للاستغلال من الناحية الاقتصادية”.
وأعرب الخبير المنجمي سيدي أحمد سيدي مناد، لـ “افريقيا برس”، عن مخاوفه من تداعيات المشروع على القطاع بشكل عام، فهو إن لم يحظ بالأولوية اللازمة في الخطط الاقتصادية للحكومات المتعاقبة طيلة العقود الماضية، بسبب ضعف الإمكانيات التقنية والمالية، فان المشروع ينذر باستغلال عشوائي لا يراعي العديد من المصالح الوطنية.
وأكد على أن “بعث قطاع المناجم ينطوي على مخاطر كبيرة على البيئة والصحة العمومية، وهما تفصيلان لم يوليهما المشروع الأهمية اللازمة، رغم أن التداعيات ستشكل عبئا إضافيا على موارد الخزينة العمومية، فهي التي تدفع فاتورة أي تدهور صحي أو بيئ”.
وأضاف: “لأول مرة منذ عدة سنوات، تتجرأ الحكومة على الجهر بنيتها في التنازل عن قاعدة 49/51 التي وضعها المشرع الجزائري كقاعدة للحفاظ على أغلبية الرأسمال الوطني في مشاريع الشراكة الأجنبية، وذهب الى أبعد من ذلك، لما أعرب عن استعداد الحكومة للتنازل عن 80 بالمائة من الأسهم وحتى كل الأسهم، وهو ما يرهن سيادة الدولة ومستقبل الأجيال، صاحبة الحق الشرعي والمشروع في باطن أرضها”.
وأثار المشروع انقساما داخل الطبقة الحزبية والسياسية في البلاد، ففيما تلتزم أحزاب الموالاة بدعم المشروع الحكومي، على اعتبار أنه يمثل جزءا من البرنامج الانتخابي للرئيس تبون، ثارت أحزاب معارضة وشخصيات مستقلة ضد المشروع، ودعت الى سحبه فورا، قياسا بما تعتبره “تهديدا للسيادة الوطنية ولحق الأجيال القادمة”، خاصة في ظل السباق المفتوح على المنتوجات الباطنية من طرف القوى الاقتصادية الإقليمية والدولية.
وفي هذا الشأن وجه الناشط السياسي المعارض، ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المرخص له كريم طابو، نداء للرأي العام، ضمنه محاذير “منح امتيازات الملكية المنجمية لصالح جهات أجنبية، في سياق يتميز بضغط كبير على هذه الموارد التي يزداد الطلب عليها، لا يدل فقط على غياب رؤية اقتصادية، بل يعكس أيضا قمة في انعدام المسؤولية. لا شيء يبرر هذا التفريط، ولا أحد، مهما كان موقعه في الدولة، له الحق في رهن مستقبل أجيال بأكملها”.
وأضاف: “خلال السنوات القادمة، سيشهد نظام العلاقات الدولية تحولات عميقة. لم يعد التعاون العسكري والتبادل التجاري التقليدي كافيا لضمان توازن دائم. إن بروز قوى تكنولوجية وتوسع شبكات المعلومات بشكل مستمر سيؤدي حتما إلى إعادة تشكيل هذا النظام من جذوره. هذا التحول نحو نظام عالمي رقمي جديد يزيد من تبعية الدول لحاملي التكنولوجيا، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني”.
واستند المتحدث لتقرير صادر عن البنك الدولي العام 2023، أفاد بأن “الطلب العالمي على المعادن الحيوية مثل الليثيوم، والكوبالت، والغرافيت سيزداد بنسبة 500 بالمائة بحلول العام 2050”. وهو ما يضع التحالفات الاقتصادية والأيديولوجية القديمة على المحك.
وأكد على أن “البلدان التي تمتلك ثروات طبيعية هائلة ولكنها لا تملك التكنولوجيا اللازمة لاستغلالها، ستجد صعوبة في شق طريقها في السوق العالمية. لم تعد العلاقات التجارية العالمية تخضع فقط لقانون العرض والطلب: فأصبحت السيطرة على المعلومات، ووسائل النقل، والمعايير التقنية، والحواجز الجمركية عوامل مهيمنة، ونموذج بلدنا واضح في هذا الصدد، فالجزائر تستورد أكثر من 85 بالمائة من معداتها الصناعية، مما يجعل إنتاجها شديد التبعية للشركاء الأجانب”.
ومن جانبه عبر الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، عن رفض حزبه القاطع لمشروع قانون المناجم الجديد المعروض على البرلمان للتصويت، مطالبا بسحبه الفوري، لما يحمله من تهديدات صريحة تمس بسيادة الدولة والشعب على الثروات الوطنية.
وصرح: “مشروع القانون يشكل خطرا حقيقيا على السيادة الوطنية، حيث يرهن ثروات البلاد ومقدراتها لصالح أطراف قد لا تراعي مصلحة الشعب الجزائري، وهو ما يتعارض بوضوح مع روح الدستور، التي تكرس حق الشعب في التحكم بثرواته الطبيعية وتضمن حماية المصلحة الوطنية في كل السياسات العمومية”.
وأكد على أن “قطاع المناجم يُعد من بين القطاعات الاستراتيجية ذات الأهمية البالغة، وكان من المفترض أن يُعطى الوقت الكافي لصياغة قانونه بما يضمن المصلحة الوطنية، دون استعجال أو ضغوط، مع توسيع دائرة التشاور لتشمل كافة الفاعلين والخبراء والمختصين في هذا المجال. هذا التسرّع والإقصاء يُعدّ إصرارا على النهج الأحادي فيما يعني القرارات المتعلقة بمستقبل البلاد”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس