من الجزائر إلى بروكسل.. كيف تطورت سياسة الردع النووي الفرنسي؟

7
من الجزائر إلى بروكسل.. كيف تطورت سياسة الردع النووي الفرنسي؟
من الجزائر إلى بروكسل.. كيف تطورت سياسة الردع النووي الفرنسي؟

طاهر هاني

أفريقيا برس – الجزائر. تطرق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء في خطابه إلى إمكانية توسيع “المظلة النووية” إلى دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا. فماذا نقصد بالردع النووي الفرنسي وكيف تطور منذ نهاية الحرب العاليمة الثانية وفي ظل التطورات التي تشهدها الحرب الروسية الأوكرانية؟ وما هو مستقبل الأسلحة النووية بشكل عام في ظل تصاعد التوترات في العديد من مناطق العالم؟

كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء في خطابه للأمة عن إمكانية استخدام الردع النووي الفرنسي (أو ما تسمى “المظلة النووية”) لحماية بعض الدول الأوروبية الحليفة في مواجهة التهديدات الخارجية، لا سيما الروسية.

وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها ماكرون عن أهمية الردع النووي الفرنسي واحتمال توسيعه إلى دول أوروبية أخرى. وفرنسا هي البلد الأوروبي الوحيد (إلى جانب بريطانيا) الذي يمتلك ترسانة نووية منذ ستينيات القرن الماضي.

فما هي القدرات النووية الفرنسية وما مفهوم الردع النووي الفرنسي؟ وكيف تطورت سياسة الردع ابتداء من التجارب النووية الأولى التي أجرتها باريس في صحراء الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية؟ وكيف يؤثر الردع النووي الفرنسي على الدول الأوروبية؟

ما المقصود بالردع النووي الفرنسي؟

الردع النووي الفرنسي هو استراتيجية عسكرية دفاعية هدفها منع أي عدوان خارجي على فرنسا من خلال التهديد باستخدام الأسلحة النووية.

تعتمد هذه الاستراتيجية على فرضية أن القدرة النووية الفرنسية يمكن أن تردع أي خصم عن الهجوم على فرنسا ومصالحها الحيوية، مثل الشركات الاقتصادية الاستراتيجية والمواقع العسكرية والمؤسسات الحيوية. تقوم هذه الفرضية على أن أي هجوم نووي أجنبي على فرنسا سيواجه ردا نوويا مدمرا.

ما هي مراحل تطوير الردع النووي الفرنسي؟

تطور مفهوم الردع النووي الفرنسي تدريجيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945). فمنذ ذلك الوقت، بدأت فرنسا تفكر في كيفية تطوير السلاح النووي لكي تفرض نفسها على المستوى العالمي وتصبح مستقلة عن القوى النووية الأخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا.

أجرت فرنسا أول تجربة نووية لها في 13 فبراير/شباط 1960 في منطقة رقان في صحراء الجزائر، حيث تم تفجير قنبلة مكونة من مادة البلوتونيوم بلغت قوتها 70 كيلوطن (أي أكثر بأربعة أضعاف من القنبلة التي فجرتها أمريكا في مدينة هيروشيما باليابان، في 6 أغسطس/آب 1945). كما أجرت فرنسا تجارب نووية أخرى في مناطق عدة، خاصة في بولينيزيا (بالجزء الجنوبي من المحيط الهادئ).

ماذا يتضمن الردع النووي الفرنسي؟

يتألف الردع النووي الفرنسي من منظومتين أساسيتين، جوية وبحرية. المنظومة الجوية ترتكز على القوات الجوية الاستراتيجية (FAS) التي تضم حوالي 40 طائرة من طراز “رافال”.

هذه الطائرات الحربية قادرة على حمل 54 صاروخا نوويا يترواح مداها بين مئة وخمسمائة كيلومتر، إضافة إلى 14 طائرة مخصصة فقط لتموين الطائرات التي تحمل الصواريخ النووية. تتواجد هذه الطائرات في القاعدة الجوية الواقعة في مدينة سان ديزييه في منطقة هوت مارن (شرق فرنسا).

أما المنظومة الثانية، فهي تتعلق بما يسمى “القوة البحرية المحيطية الاستراتيجية (FOST)”، والتي تشمل 4 غواصات نووية كل منها محملة بـ16 صاروخا باليستيا عابرا للقارات من نوع “إيم 51” يصل مداها إلى 10,000 كيلومتر.

هذه الغواصات تتمركز في مرسى مدينة بريست، في غرب فرنسا. وتجدر الإشارة إلى أن الغواصات النووية تقوم بدوريات تحت مياه المحيطات في سرية ويصعب اكتشافها.

كما تملك فرنسا أيضا فرقاطات هجومية تعمل على حماية الغواصات النووية خلال مهامها، بالإضافة إلى الأنظمة الاتصالية تحت المياه. إضافة إلى قاذفات استراتيجية مثل قاذفات “تراغون” التي تستطيع حمل عدة رؤوس نووية.

هناك أسلحة أخرى تملكها فرنسا لكن لم يتم الكشف عنها لأسباب استراتيجية ودفاعية.

لماذا اختارت فرنسا سياسة الردع النووي المستقل؟

اتبعت فرنسا هذه السياسة لضمان قدرتها على حماية نفسها في حال فشلت التحالفات العسكرية أو تأخر الحلفاء في تقديم الدعم في وقت الحاجة.

بعد الحرب العالمية الثانية، كانت فرنسا تشعر بضرورة امتلاك قدرة دفاعية مستقلة، خصوصا في ظل التوترات المتزايدة التي ظهرت إبان الحرب الباردة.

وكان الردع النووي الفرنسي بمثابة ضمانة لأمنها القومي ضد التهديدات المحتملة من القوى الكبرى مثل الاتحاد السوفيتي سابقا. ويبدو أن التاريخ يكرر نفسه، ما جعل إيمانويل ماكرون يتحدث في خطابه للأمة الفرنسية الأربعاء عن تحول روسيا بقيادة فلاديمير بوتين إلى خطر على أوروبا وأبعد منها.

وقال ماكرون: “من يضمن أن روسيا، في حال استولت على أوكرانيا، لن تتقدم أكثر”.

لكن بعض المختصين في مجال الدفاع، مثل إيرفيه موران، الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومة فرانسوا فيون (2007-2010)، انتقد تصريحات ماكرون على قناة “بي إف أم” الإخبارية، قائلا: “روسيا لم تتمكن حتى من سحق أوكرانيا، فكيف لها أن تصل حتى إلى حدود ألمانيا؟”.

وأضاف: “حتى في عز الحرب الباردة، لم تخصص فرنسا 5% من ميزانيتها في مجال الدفاع العسكري”، منتهيا بأن “تصريحات ماكرون تهدف فقط إلى زرع الخوف لدى الفرنسيين”.

ما هو الخلاف بين مفهوم الردع النووي الفرنسي والردع النووي لدى دول أخرى؟

يتميز الردع النووي الفرنسي بالاستقلالية. فباريس تعتمد على قوتها النووية الخاصة، وليس على تحالفات نووية أخرى مثل حلف شمال الأطلسي.

على عكس الولايات المتحدة، التي تقدم حماية نووية لعدد من حلفائها، فإن فرنسا تتبنى سياسة “الردع الاستراتيجي المستقل”، مما يعني أن أسلحتها النووية تستخدم فقط في الدفاع عن المصالح الوطنية الفرنسية.

لكن هذا المفهوم بدأ يتطور. والدليل على ذلك قول ماكرون إن فرنسا قد تمنح “المظلة النووية” لألمانيا وربما لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي في حال الضرورة.

غيرت فرنسا عقيدتها في مجال الردع النووي، إذ وفق موقع “الحياة العامة” الذي تديره مديرية الإعلام القانوني والإداري التابعة لرئاسة الحكومة الفرنسية، ففي حال وقوع هجوم نووي ضد فرنسا، يجب أن يستهدف (الردع النووي) “مراكز قرار العدو” فقط.

وهذا يختلف كثيرا عن العقيدة التي كانت سائدة في القرن العشرين، والتي كانت ترى أن الهجمات النووية يمكن أن تستهدف مراكز مكتظة بالسكان لإثارة الخوف في نفس “العدو” عبر قتل أعداد كبيرة من الناس.

ويضيف الموقع ذاته أنه، خلافا للهند والصين اللتين أعلنتا أنهما لن تبادرا أبدا إلى استخدام السلاح النووي، فإن فرنسا بإمكانها أن تتطرق إلى هذا الخيار في حال تم تهديد مصالحها العليا.

وأضافت فرنسا في عقيدتها النووية إمكانية “إنذار” العدو “مرة واحدة” قبل تنفيذ الضربة النووية.

ما هو موقف فرنسا من استخدام الأسلحة النووية في النزاعات المستقبلية؟

تتبنى فرنسا سياسة “الردع في الحالات القصوى”، ما يعني أنها تحتفظ بحق استخدامه في حال وجود تهديد وجودي غير تقليدي، سواء تعلق الأمر بهجوم نووي أو بأي هجوم يشكل تهديدا حيويا للأمة. ومع ذلك، تعتبر فرنسا أن الأسلحة النووية لا تُستخدم إلا كأداة ردع، وليس كأداة للهجوم.

فالرئيس ماكرون أكد سابقا أن “الردع النووي لا يمكن أن يستخدم إلا في ظروف قاهرة جدا واستثنائية وفي إطار الدفاع عن النفس كما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة”. لكن فكرة الدفاع عن النفس توسعت لتشمل الدفاع عن سلامة التراب الوطني الفرنسي وسكانه وسيادته.

هل فرنسا ملتزمة بسياسة تقليص الترسانة النووية؟

نعم، فرنسا ملتزمة بتقليص ترسانتها النووية في إطار معاهدات عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT). في عام 2008، أعلن الرئيس نيكولا ساركوزي عن خفض الترسانة النووية الفرنسية بمقدار الثلث. وتركز السياسة على الحفاظ على الردع الفعال مع تقليل العدد الإجمالي للأسلحة النووية. لكن فرنسا لا تزال تحتفظ بقدرة نووية كافية لتوفير الردع المطلوب.

كيف يؤثر الردع النووي الفرنسي على الأمن الأوروبي والعالمي؟

يعتبر الردع النووي الفرنسي أحد الأركان الأساسية للأمن الأوروبي. على الرغم من أن فرنسا عضو في حلف الناتو، فإن قوتها النووية المستقلة توفر توازنا للقوى في أوروبا وتحمي القارة من أي تهديد نووي محتمل.

أما على المستوى العالمي، فيساعد الردع النووي الفرنسي في تعزيز استقرار النظام الدولي من خلال الحفاظ على التوازن النووي. لكن هذه الفكرة بدأت تتلاشى بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

إذ بدأ الرئيس الأمريكي في مطالبة الدول الأوروبية التي كانت تحت حماية الناتو (المكون غالبا من أسلحة وقوات أمريكية) بدفع أموال باهظة للاستفادة من هذه الحماية. ما جعل الدول الأوروبية تفكر في ضرورة التوصل إلى سياسة دفاعية أوروبية مشتركة تدافع عن مصالحها الاستراتيجية. وقد اتفقت الخميس في بروكسل على رصد حوالى 800 مليار يورو لـ”إعادة تسليح” التكتل.

المصدر: فرانس 24 / France 24

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here