هذه قصة اختفاء “وسيم” من بدايتها المخيفة إلى نهايتها السعيدة

6
هذه قصة اختفاء “وسيم” من بدايتها المخيفة إلى نهايتها السعيدة
هذه قصة اختفاء “وسيم” من بدايتها المخيفة إلى نهايتها السعيدة

أفريقيا برس – الجزائر. كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، من السبت الماضي المحيّر، حينما برمجت ربّة أسرة “بلمسيخ” السيدة زينب، مع جاراتها وأهل القرية، الخروج إلى حقول جني الزيتون، بقرية الركوبة ببلدية وادي الزهور، بغرب ولاية سكيكدة، وبمجرد أن رأى الطفل “وسيم” صاحب السنوات الثلاث، أمّه السيدة زينب تجمع أكياسا بلاستيكية كبيرة، لكي تضع فيها محصول الزيتون، إنزوى إلى جوارها، وشرع في البكاء بصوت مرتفع لكي تسمح له بمرافقتها، وفعلا هدأته ووعدته بمرافقتها، بشرط أن يكف عن البكاء، وانطلق موكب الجني الذي ضمّ عشرات النسوة، وعشرات الأطفال ومن بينهم “وسيم”، أصغر أبناء السيدة زينب الأربعة، كما كان برفقتهم شقيقه الذي يكبره بثلاث سنوات.

كيف اختفى “وسيم”؟

يقول والد الطفل، الذي شغل اختفاءه الناس، السيد عبد الرزاق بلمسيخ بأن ابنه “وسيم”، خرج من منزله الواقع بقرية الركوبة السبت الماضي وقطع برفقة أمه وقافلة من النساء والأطفال مسافة 100 مترا مشيا على الأقدام، وهو في غاية الفرح والسرور لمشاركة العائلة لأول مرة في حياته، عملية جني محصول الزيتون في جبال القرية، وشارك أترابه اللهو وجمع حبات الزيتون أيضا، وأحيانا ينافس والدته في طريقة وسرعة الجني وهو يبتسم كعادته، لكن فجأة افتقده شقيقه الذي يكبره، وراح ينادي: “وسيم.. وسيم”، ولكن لا حياة لمن تنادي.

لتباشر الأم ومرافقاتها البحث عنه الذي تحوّل إلى هاجس، وسمع الأب عبد الرزاق بالحادثة، فأسرع إلى المكان، وبدأت عملية البحث عائلية وبين الجيران، قبل أن يقرر السيد عبد الرزاق التوجّه إلى مصالح الدرك الوطني، ومنها شاركت مختلف المصالح الأمنية المشتركة، لولايات الشرق من عنابة وقالمة وقسنطينة وسكيكدة وأفراد الجيش الوطني الشعبي، وتنقل والي ولاية سكيكدة الجديد، سعيد أخروف، إلى الركوبة خلال ثاني أيام الحادثة للإطلاع على سير عملية البحث عن الطفل “وسيم”، حيث التقى بوالده السيد عبد الرزاق، وسهر الجميع على العمل بدون هوادة حتى العثور عليه سالما معافى، أين تم القيام بعمليات تمشيط واسعة من طرف أعوان الحماية المدنية لسكيكدة، وبمشاركة فرق الدعم من ولايات: جيجل وقسنطينة وقالمة وعنابة، وهذا بالتنسيق مع مصالح الأمن المشتركة ومشاركة واسعة للمواطنين من بلدية وادي الزهور ومن البلديات المجاورة، بكل من أولاد أعطية وبني زيد وأخناق مايون وغيرها من بلديات الجهة الغربية لولاية سكيكدة، وحضر شباب من جيجل وقسنطينة وميلة ليشاركوا في رحلة البحث عن الطفل المختفي ليل نهار.

وكانت عمليات البحث عن الطفل “وسيم”، خلال ثلاثة أيام وليلتي السبت والأحد بدون جدوى، واستعملت الجهات الأمنية المشتركة والحماية المدنية، الكلاب المدربة ولكن من دون العثور على “وسيم” ولا أثره، كما استعملت مروحية للجيش الوطني الشعبي، ورجال البحث والتحري لكن بدون جدوى، وأجرت مصالح الأمن مسحا أمنيا لغابات منطقة حلم وبولعيون والركوبة بدوريات راجلة وبالكلاب المدربة، وشوهدت مركبات ودراجات نارية بالمنطقة عليها ملصقات تحمل صورا وعبارات تدعو للمساهمة في العثور على الطفل “وسيم”، وتجوب المركبات قرى المنطقة في إطار حملة التضامن الشعبي مع أهل المنطقة ومع ذويه.

الاختفاء اللغز غذّى الإشاعات

موازاة مع حالة الطوارئ المعلنة، ومع صور التضامن البليغة بحثا عن “وسيم”، رافق اختفاء الطفل “وسيم” المحيّر، انتشار الشائعات حول مصيره، حيث ربطت بعضها الاختفاء بأمور غيبية (الجن)، وتنقل صباح الاثنين، ثلاثة من رقاة ولاية سكيكدة إلى الغابة وإلى القرية الهادئة، ظنّا منهم بأن اختفاء “وسيم” مرتبط بحدث غير مادي، خاصة أن تلك الجبال والغابات والحقول، ارتبطت منذ زمن طويل بحكايات حقيقية لاختفاء أطفال وشيوخ، لم يُعثر عليهم لحد الآن.

ومن تلك الحكايات، حالة طفل من عائلة “صياد” لم يتجاوز عمره 7 سنوات كان رفقة جدته في الحقل ببلدية أخناق مايون، حين كانت تجني البطاطا وهو يلعب في زاوية من زوايا البستان، فاختفى عن الأنظار في لمح البصر سنة 1985، ورغم تضامن سكان المنطقة حيث مشطّوا وديان وشعاب المنطقة شبرا شبرا، ولم يعثروا على أي أثر له، ومازالت أمه البالغة حاليا من العمر 78 سنة تنتظر مفاجأة عودته، وسجل حينئذ في عداد المفقودين. وعامان بعد هذه الحادثة، اختفى طفل آخر يدعى “عبد الحميد مجرداوى” يبلغ من العمر 14 سنة، حيث كان في نزهة غابية رفقة صديقين ثم اختفى، وعاد صديقاه إلى القرية من دونه، فبحث عنه سكان المنطقة مطوّلا، فلم يجدوا له أثرا، حيا أو ميتا، ولم تكد جراح السكان تندمل حتى شهدت بلدية أخناق مايون المتاخمة للركوبة خلال سنة 1995 اختفاء محيّرا للشيخ بوالكره عمار، أب لتسعة أبناء، في ظروف غامضة، وتم البحث عنه لكن من دون جدوى.

وشهدت سنة 2007 قرية لعوينات في نفس المنطقة الجغرافية الصغيرة، اختفاء مبهما لعجوز مصابة بمرض الزهايمر، من عائلة “جابة” في سن الثمانين، حيث اختفت هي الأخرى بنفس الطريقة عن الأنظار، ولم يظهر لها أي أثر غير معطفها الشتوي الذي كانت ترتديه، وأكد لنا شيخ طاعن في السن بأنه عثر عليه في غابة بقرية لعوينات، ويبقى تاريخ العشرين من شهر أكتوبر لسنة 2012 محفورا في ذاكرة سكان قرية الولجة، والمتمثل في الاختفاء الغريب للعجوز فاطمة حديبي، 76 سنة، التي خرجت رفقة ابنتها للحقل الواقع بمنطقة بولعتب لمزاولة عملها الفلاحي، لكنها اختفت عن أنظار ابنتها المفجوعة التي مازالت تنتظر السراب لحد الآن، ولم يظهر لها أي أثر إلى يومنا هذا.

وعامان بعد هذه الحادثة، وبتاريخ التاسع عشر جانفي لسنة 2014 وتزامنا مع الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، شهدت قرية أهلالة غير البعيدة عن قرية الركوبة، الاختفاء السادس للشيخ صالح بوعكاز البالغ من العمر 78 سنة، بعدما كان يرعى الأبقار في غابة مجاورة للقرية.

غابات المنطقة بها ذئاب وخنازير وضباع، ولكن عدم العثور على جثث المختفين ولا على ألبستهم هو من غذّى الإشاعات، خاصة أن المختفين أغلبهم أطفال وشيوخ وعجائز، مما يسقط فرضية الهجرة غير الشرعية عبر شواطئ المنطقة وما أكثرها، مما جعل البعض يؤمن بأن الأمر قد يرتبط بأمور أخرى، ووصول ثلاثة رقاة للمساهمة في البحث عن “وسيم”، يشرح تمكّن الإشاعة من عقول بعض الناس.

بينما كانت التحقيقات والتحريات الأمنية تنفي مثل هذه الإشاعات التي تضر أكثر مما تنفع، حيث لم تفقد المصالح المشتركة وكل سكان المنطقة وجميع من شارك في عملية البحث، الأمل في العثور على الطفل “وسيم” حيا يرزق، وكانوا يستأنفون عملية البحث عنه في ساعات مبكّرة من صباح كل يوم وإلى غاية ساعات متأخرة من الليل، وأجمعوا بأن الطفل “وسيم” لم يذهب بعيدا عن المنطقة، ولم يختطف من أي جهة، بحكم أن والده ليست له عداوة مع أيّ كان، فهو محبوب من طرف سكان القرية والقرى المجاورة، كما أن “وسيم” من عائلة متوسطة الحال، لا طمع لخاطف “مفترض” في مال “مفترض” لعائلته.

بكاء بعيد.. قرّب الشاب “رمزي” من الطفل “وسيم”

“رمزي لحمر” هو شاب في الثانية والعشرين ربيعا، قدم من قرية الملعب بذات البلدية، أي بلدية واد زهور، لمشاركة المئات في عملية البحث عن الطفل “وسيم”، فجأة بينما كان في وسط غابات كاف العيون بمشتة “حلم”، على بعد 3 كلم عن مكان اختفاء “وسيم”، سمع بكاء طفل من بعيد، وبدأ يتحسّس المكان والصوت يقترب تارة ثم يبتعد تارة أخرى، فطلب المساعدة من صديقه عصام بولشفار، فتقدما رويدا رويدا وسط الغابات الكثيفة، وفجأة لمحا الطفل وسيم وهو جالس في الغابة، ومباشرة بعد الوصول إليه، ابتسم لهما، ليحمله “رمزي” بين يديه وهو يصرخ جنونا من شدة الفرح كما روى: “ها هو الطفل وجدناه.. لا تخافوا إنه سالم.. وجدناه!”، وأكمل “رمزي” الجري في حالة من الفرحة وبلغ الخبر الوالد عبد الرزاق والأم زينب، والقرية التي غرقت في الزغاريد والأهازيج فرحة بالعثور على الطفل “وسيم” حيا يرزق.

ومباشرة بعد العثور على الطفل “وسيم”، تم تحويله إلى مستشفى “عبد الرزاق نطور” بالقل من طرف سيارة إسعاف مصالح الحماية المدنية، حيث طلب الطفل ببراءة من عمال المستشفى بسكويت ومرطبات، فتناول ما أراد وتناول وجبة عشاء، ونام إلى غاية صباح الثلاثاء عوّض بها أكثر من خمسين ساعة من الجوع والعطش والوهن والخوف، أين تم فحصه فحصا دقيقا، وعرضه على الطبيب الشرعي، وهذا بأمر من وكيل الجمهورية لدى محكمة القل، قبل أن يعاد إلى حضن أمه أين تلقت العائلة زيارات من كل حدب وصوب، حمل الكثير من أصحابها هدايا وحلويات وألبسة للطفل “وسيم”، الذي أعاد البسمة للعائلة والقرية والجزائريين عموما، بعودته سالما.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here