واشنطن تعيد ضبط بوصلتها نحو الجزائر

4
واشنطن تعيد ضبط بوصلتها نحو الجزائر
واشنطن تعيد ضبط بوصلتها نحو الجزائر


حفيظ صواليلي

أفريقيا برس – الجزائر. أصدر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تقريرا استراتيجيا تحت عنوان “المشاركة الاستراتيجية الأمريكية مع الجزائر: مسار وسط التحولات العالمية المتغيرة” في جويلية 2025، بقلم سابينا هينبرغ، يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للجزائر في الحسابات الجيوسياسية الأمريكية. يأتي هذا التقرير في وقت تشهد العلاقات الأمريكية-الجزائرية تطورا ملحوظا، خاصة في مجالات الأمن والطاقة.

يحدد التقرير ثلاثة أسباب رئيسية تجعل من الجزائر شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة، أولها الاستثمار الأمريكي المتنامي: حيث بدأت واشنطن في تعميق العلاقات الثنائية، بينما أظهرت الجزائر استعدادا مماثلا لتحسين العلاقات، ثانيها التواجد الاقتصادي الصيني، حيث تسعى الجزائر، كغيرها من الدول، لاستغلال الفرص الاقتصادية التي يوفرها التوسع الصيني العالمي، وثالثا الشريك الأمني الرئيسي، ففي ظل عدم الاستقرار الإقليمي المتزايد يمكن أن تصبح الجزائر، وفق الرؤية الأمريكية التي أبرزها التقرير، شريكا أمنيا محوريا للولايات المتحدة.

ومن جانب التحديات والفرص في العلاقات الثنائية يبرز، وفق ما طرحه التقرير، التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، حيث يؤكد التقرير على أهمية تعزيز التعاون الأمني، خاصة في منطقة الساحل التي تشهد تزايدا في عدم الاستقرار، ويقترح، وفق معدي التقرير، نهجا يعترف بقدرات الجزائر الأمنية الحالية بدلا من التركيز فقط على تعزيزها، ما قد يؤدي إلى مزيد من تبادل المعلومات الاستخباراتية وحتى مشاركة جزائرية في عمليات حفظ السلام متعددة الأطراف في إفريقيا، بالمقابل يطرح مجال قطاع الطاقة والفرص الاقتصادية المتاحة.

وأكد التقرير على الدور المحوري للجزائر إقليميا في مجال مكافحة الإرهاب، مشيرا “تطمح الجزائر أيضا إلى أن تكون رائدة إقليمية في التعاون في مكافحة الإرهاب. وغالبا ما تبرز خبرتها المحلية في مكافحة التطرف خلال التسعينيات. ومنذ عام 2001، تولّت الجزائر دورا بارزا نسبيا؛ فعلى سبيل المثال، ساعدت في إنشاء قيادة عسكرية مشتركة في عامي 2009-2010 لدول الساحل تُسمّى “اللجنة المشتركة للأركان العملياتية” (CEMOC). وقد هدف هذا التجمع إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء دوريات عسكرية مشتركة، وقدمت الجزائر معدات وتدريبا مهمّين لأعضاء الساحل الآخرين. كما لعبت الجزائر دورا رئيسيا في برامج الاتحاد الإفريقي للأمن ومكافحة الإرهاب، ولا تزال تستضيف المركز الإفريقي للاتحاد لدراسة وبحث الإرهاب.

وخلال نصف العقد الماضي، شهدت الجزائر زيادة في انخراطها مع واشنطن. واستعرض التقرير زيادة الزيارات الرسمية رفيعة المستوى من المسؤولين الأمريكيين ومن المحتمل أن يعكس هذا النشاط اعتراف واشنطن بأهمية الجزائر كشريك أمني إقليمي رئيسي. كما أبدت الجزائر اهتماما بتعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة، وتشمل المؤشرات الرئيسية على ذلك توقيع مذكرة تفاهم دفاعية “هي الأولى من نوعها” في جانفي 2025 وتقارير عن إطلاق الجزائر لشركة ضغط جديدة في واشنطن في أواخر 2024. كذلك، في عام 2024، وقع البلدان مذكرة تفاهم بشأن التعاون في تقليل انبعاثات الميثان.

ويشير التقرير إلى إمكانية استفادة الولايات المتحدة من اهتمام الجزائر بالشراكة مع الشركات الأمريكية في استغلال احتياطياتها من الغاز الصخري، مع الحفاظ على الموارد المائية، كما يوصي التقرير بتعاون تقني في مجالات مثل كفاءة الري الزراعي وتطوير القطاعات غير النفطية مثل التعدين والصناعات الزراعية.

ويلاحظ التقرير تحولا جزائريا نحو الاهتمام باللغة الإنجليزية في النظام التعليمي، ما يفتح آفاقا لتعزيز البرامج التعليمية والتبادل الثقافي الأمريكي. كما يناقش التقرير التحديات المتعلقة بالبطالة بين الشباب وتدفق المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.

ويقدم التقرير عدة توصيات للسياسة الأمريكية تجاه الجزائر، على غرار تعزيز الحوار المنتظم لفهم مخاوف ومطالب الجانب الجزائري بشكل أفضل ودعم الدور الأمني الإقليمي للجزائر: خاصة في مكافحة الإرهاب وإدارة الأزمات في الساحل وكذا تعزيز التعاون في الطاقة والقطاعات غير النفطية، مع التركيز على التقنيات المستدامة والاستثمار في البرامج التعليمية والثقافية، خاصة في مجال اللغة الإنجليزية والتبادل الأكاديمي ومعالجة قضايا الهجرة والاتجار بالبشر وفقا للمعايير الدولية.

ويخلص التقرير إلى التأكيد على أهمية بناء علاقة ثقة مع الجزائر، مع الإقرار بضرورة الصبر والفهم العميق للخصوصيات الجزائرية في التعامل.

وفي النهاية يرى التقرير أن الجزائر تمثل “بلدا ذا فرص كبيرة” للولايات المتحدة، مع موارد طبيعية وثقافة شبابية نابضة بالحياة، لكنها تقع في منطقة تزداد عدم استقرار، ما يتطلب من واشنطن استثمار الجهود لضمان استقرار العلاقات الثنائية ومنع انجراف الجزائر بعيدا عن المصالح الأمريكية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here